يبلغ الإنسان الستين والسبعين من العمر، وفي قلبه حنين إلى معلّم ابتسم في وجهه، ثم وضع يده على رأسه تنويها باجتهاده، وافتخارا بمثابرته، فيظلّ على ولائه لمعلّمه يذكره بخير، ولا ينسى الأيام التي قضاها بمدرسته أو متوسطته، بل يعترف أنّ ما يفخر به من حسن الأداء، وسامي الصفات، ورفيع الأخلاق، إنّما تشرّبه بعناية من فلان جزاه الله خيرا، وحفظه بفضل فلانة شكر الله لها، وحتى إن كان الواحد من الناس (بائسا) لم يستجب للتعليم، فإنّه يتذكر – بأسى – معلّمه وهو يجهد معه كي يلقّنه ما يحتاج للحياة، فيعضّ أنامل النّدم على ما فاته..
وما زال (التلاميذ) الذين تخرّجوا واشتغلوا، وصار لهم شأن في الحياة العامة، يطأطئون رؤوسهم ساعة الوقوف أمام معلميهم، بل إن فيهم من يستحي من معلّمه، لأنه أصبح أكثر طولا منه، فيودّ لو يبدو قصيرا بجانبه، وهو غارق في حيائه أمام ذلك الإنسان الرائع الذي تولاه بعنايته، وحرص على تعليمه، وبذل معه الجهد الجهيد كي يفتّق مواهبه، ويمنحه جناحين يحلّق بهما في ذرى النجاح..
كانت الحال كما وصفنا، وكان المعلم قيمة عليا، يحظى باحترام كلّ من يلاقيهم، حتى إن لم يكونوا من تلامذته..
وخلف من بعد التلاميذ خلفٌ أضاعوا حاسة التّعلم واتّبعوا (التيك-توك).. وخلف من بعد المعلمين، بعض الذين أضاعوا التلاميذ واتّبعوا (الدّروس الخصوصية) وموارد (المستودعات)، فاختلط الحابل بالنابل، وصار التلميذ لا يجد أيّ حرج في التّعالي على المعلم، بل ومناجزته في ميادين الصراع، وصار بعض المعلمين لا يتورعون عن مقايضة نقطة الامتحان بالدّرس الخصوصي، وانتشر هذه السلوك البائس، وصار قاعدة لا يمكن مخالفتها..
سؤال واحد فقط: أين تذهبون؟!