تجتمع الجزائر وقطر في العديد من الروابط، كل منها أكثر متانة من الآخر، بدءاً بالعلاقات التاريخية الضاربة في العمق العربي الأصيل، إلى التطابق في الرؤى السياسية، حول أغلب القضايا المطروحة عالميا، إلى النظرة المستقبلية المشتركة حول مستقبل الاقتصاد العربي الذي سيكون أكثر قوة في ظل تكتل يزاوج بين خصوصيات الدول العربية، كل واحدة على حدة، من أجل تحقيق التكامل الذي سيعزّز اللحمة العربية ويؤسس لاقتصاد قوي يعزّز التنمية.
قطر منجذبة نحو مشاريع البتروكيماويات والألبان
يجمع الجزائر وقطر، توافق سياسي وشراكة استراتيجية واعدة، مستمدة من العلاقات التاريخية الجيدة. وقد عرفت هذه العلاقات زخما وديناميكية اقتصادية قوية. كما عرفت الاستثمارات القطرية بالجزائر تقدما مطردا، ارتفع فيه التبادل التجاري بنسبة 12% بين سنة 2020 و2021، أي ما يفوق 120 مليون دولار، ما يؤكد رغبة البلدين في توفير بيئة اقتصادية وإقامة مشاريع استثمارية تعول على رؤوس الأموال والخبرة القطرية، لتصبح دولة قطر أول مستثمر عربي في الجزائر من حيث حجم الاستثمارات، التي بلغت 75% من مجموع الاستثمارات العربية بالجزائر.
يقول الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني، إن الاقتصاد الجزائري، في مقاربته الجديدة، يقوم على التنويع والشراكة، وفتح الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمارات الأجنبية، للاستفادة من خبراتها ورؤوس أموالها لتدارك ما فات.
عمل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على تداركه وإصلاح البطء الذي طال العجلة الإنتاجية، من خلال تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والبحث، شخصيا، عن فرص للشراكة والتعاون مع الشركاء الأجانب، مستثمرا العلاقات الطيبة التي تجمع بلادنا مع البلدان الصديقة.
مصنع بلارة وميناء جنجن.. شراكة مهمة
في هذا الصدد، أضاف الخبير: كان رئيس الجمهورية، مباشرة بعد زيارته إلى قطر، قد أمر الحكومة بإنشاء لجنة لتسهيل ومتابعة وتنفيذ الاستثمارات القطرية بالجزائر، التي شملت كل القطاعات، خاصة ما تعلق منها بالفلاحة والسياحة والصناعة والبنى التحتية القاعدية، وكذا خطوط النقل، مشددا على فك القيود الإدارية عنها وتعزيز التعاون المشترك بين البلدين.
وذكر سليماني مشروع مصنع «بلارة» للحديد والصلب بجيجل، بما أنه أهمّ استثمار قطري بالجزائر، قيمته 2 مليار دولار، وهو الذي تمت توسعته مؤخرا، بعد زيارة أمير قطر إلى الجزائر، لتصل قدرته إلى 4 ملايين طن من الحديد سنويا، إلى جانب مشروع استثماري بميناء «جن جن» لزيادة حجم وتوسعة الميناء، ليصبح قطبا تجاريا سيسهل المبادلات التجارية من وإلى الجزائر.
11 مليار دولار استثمارات في البتروكيماويات
ووقف ذات المتحدث عند بعض الاستثمارات القطرية بالجزائر، كشركة أوريدو، الرائدة في مجال الاتصالات، حيث تحصي اليوم أكثر من 13 مليون مشترك.
وتسعى قطر اليوم إلى الاستثمار في الصناعات البتروكيماوية، التي تعتبر من أكبر الصناعات التي شهدت نموا بقطر وأكثرها تطورا، تليها صناعة الحديد والصلب، حيث ستستفيد الجزائر كثيرا من النجاعة القطرية في هذا المجال، وكانت قد اقترحت استثمارات مع الشركة البترولية الجزائرية «سوناطراك»، بقيمة 11 مليار دولار، خصوصا فيما يتعلق بمادة ليوريا، وهي أسمدة مستخرجة من الغاز تستعمل في الزراعة، حيث تعتبر قطر أكبر مصدر للأسمدة المستخرجة من البتروكيماويات كالبترول والغاز. وهو المجال الذي راهنت شركة «أسميدال» على ولوجه، من خلال تصنيع الأسمدة الفوسفاتية والأسمدة الآزوتية، من أجل زيادة قدرات الجزائر على الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المادتين ومن ثم التوجه الى التصدير.
شركة جزائرية قطرية لإنتاج الألبان بالبيض.. قريبا
أبدى الشريك القطري اهتماما واضحا بالفلاحة والزراعة بعدة مناطق من البلاد. في هذا الصدد يمكن القول، إن الشراكة ستكون قوية من أجل تحقيق الأمن الغذائي. وكدليل على الاهتمام القطري بالاستثمار الفلاحي بالجزائر وتموقعه كشريك استراتيجي بامتياز في هذا المجال، استشهد سليماني بالزيارة التي قام بها وفد عن شركة «بلدنا» القطرية، وهي شركة منتجة لحليب الأبقار الحليب المعلب الموجه للاستهلاك، إلى منطقة «بوقطب» بولاية البيض. حيث من المنتظر إقامة شركة جزائرية-قطرية، يرتكز نشاطها على تربية الأبقار الحلوب وإنتاج الحليب، على مساحة قدرها 10 آلاف هكتار، ستوفر الآلاف من مناصب الشغل وتساهم في فك العزلة عن مناطق الظل بالولاية.
لجنة مرافقة الاستثمارات ضمانة تحقيق النجاعة الاقتصادية
وأضاف سليماني إلى قائمة المشاريع المشتركة بين الجزائر وقطر، مشروع المستشفى الجزائري القطري الألماني، بالمدينة الجديدة سيدي عبد الله، كأكبر مستشفى بالمنطقة من حيث التجهيزات والتقدم التكنولوجي، ما يجسد قوة الرابط الأخوي وطبيعة العلاقات المتينة التي تربط البلدين. كما تولي قطر اهتماما خاصا للاستثمار في البنى التحتية، إضافة إلى الفلاحة والصناعة، لا سيما اهتمامها بمشروع السكك الحديدية شمال جنوب، مما يؤكد النية الاقتصادية القطرية في تعزيز الشراكة مع الجزائر وتوسيع تواجدها بالمنطقة، كخطوة تحضيرية استباقية للتوغل في الأسواق الإفريقية.
115 شركة صغيرة ومتوسطة
بالنسبة لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أوضح سليماني أنه تم إحصاء 115 شركة صغيرة ومتوسطة، جزائرية- قطرية. وفي هذا الصدد سطرت الجزائر كهدف، بلوغ مليوني مؤسسة من هذا النوع، من أجل التمكن من إرساء نسيج اقتصادي متين.
إضافة قطرية في السياحة
وقال سليماني، إن قانون الاستثمار الجديد سيمكن من تأمين بيئة الاستثمار وتوفير مناخ أعمال يغري المستثمر الأجنبي ويستقطب رؤوس الأموال الأجنبية،خاصة ما تعلق بالشراكة العربية- العربية، حيث تدرس قطر حاليا إمكانية اقتحام قطاع السياحة الذي يقدم ضمانات مغرية للمستثمر الأجنبي. وهنا يذكر الخبير الخطوة المهمة التي أقدمت عليها الجزائر، من خلال فتح خط باريس- جانت، تأكيدا على تشجيعها للسياحة بكل أنواعها، خاصة الصحراوية التي تشتهر بأجمل منطقة غروب للشمس في العالم، وأقدم حضارة للإنسان. وهنا يؤكد سليماني على أن الشراكة الجزائرية القطرية ستقدم الإضافة، من خلال بعث مشاريع بناء الفنادق الفاخرة ذات الخدمات الراقية التي تليق بالسحر الطبيعي الجزائري، وذوق السائح الأجنبي والمحلي، إلى جانب إنشاء سلاسل مركبات سياحية، تتكيف وخصوصية الطبيعة الصحراوية أو الجبلية أو الساحلية، فالجزائر تتمتع في هذا المجال بفرص استثمار كبيرة، بداية من شريطها الساحلي الممتد على مسافة 1400 كلم وسلاسل الجبال والجنوب الكبير.
120 مليون دولار قيمة المبادلات التجارية بين الجزائر وقطر
ويتوقع الخبير أن تكون سنة 2023 فاتحة لكثير من مشاريع الشراكة بين الجزائر وقطر، في ظل تطابق في الرؤى السياسية، والتحفيزات التي يحملها قانون الاستثمار الجديد. كما سيلعب الاستقرار السياسي الذي تعيشه الجزائر، دورا مهما في طمأنة وتقديم الضمانات للمستثمر الأجنبي عموما.