لعلّ التركيز على الانتصارات السياسية، والمنجزات الديبلوماسية والفتوحات الاقتصادية التي تحققها بلادنا، تماما مثل التركيز على عودة السوق إلى رشدها، والشراكات التي تعقدها الجزائر مع مختلف الدول، جعلنا نغفل عن فتوحات أخرى كثيرة، بينها الفتوح «الثقافية» التي تحقق بدورها إنجازات غير مسبوقة، فهذه ساحةٌ استعادت رشدها كذلك.
وتأتينا كل يوم بأخبار مهرجانات فنية، وملتقيات علمية، ولقاءات وندوات وطنية ودولية، تضع كل شاردة وواردة تحت مجهر الدّراسة، وتضيف إلى مسار بناء الجزائر الجديدة لمساتها بعبقرية، دون أن تطلب جزاء ولا شكورا؛ ذلك أن طبيعة العمل الثقافي، أنّه يمرّر رسائله بهدوء ويرسّخها حتى حين يغفل عنه الجميع.
والحق أن استعادة ألق المشهد الثقافي، مسجّل بالتزامات الرئيس عبد المجيد تبون 54، فهو أوّل من حرص على تحويل ما هو ثقافي إلى فعل منتج، بل وحرص على جعله قوّة ناعمة تدعم الجهود المنيرة على كلّ المستويات، من خلال إلقاء فكرة «الصناعة» إلى الحاضنة الثقافية، وتوفير كل الوسائل لتشجيع مسارات التكوين العلمي والفنيّ الذي تجسّد في بكالوريا «الفنون»، بعد أن كان «الفنّ» في ذاته، مرتعَ من لا شغل له.
ولا نشكّ مطلقا بأن الخطوات الإجرائية التي اتّخذها الرئيس لاستعادة الحاضنة الثقافية ستحقق النّجاح المأمول، وتسمح للمشهد الثقافي بأن يكون له إسهامه الفاعل في التنمية الوطنية عموما، ويتخلص نهائيا من تلك الفكرة النمطية التي جعلت من «الثقافة» مجرد (حصّالة)، تصرف على نشاطات لا يتابعها أحد..
اليوم، نرى رأي العين، التغييرات المنهجية التي تنسحب بهدوء وثبات على الساحة الثقافية، ونرى نتائجها وقد بدأت تؤتي ثمراتها على أرض الواقع، كي تصل إلى تحويل الفعل الثقافي إلى صناعة حقيقية منتجة..