كثيرا ما نطالع أعمالا تاريخية لفرنسيين (يتباكون) على الفردوس المفقود، ويعضّون أنامل النّدم على ما فاتهم بالجزائر، ونجدهم – عادة – يبحثون عن تخريجات (وهمية) للهزائم التي تجرّعوها في ميادين القتال، فـ(يتشعلقون) تارة بالوضع الدّولي العام، ويتذرّعون تارة أخرى بـ»قرارات خاطئة» رفضوها؛ لأنهم بـ(سلامتهم) كانوا أذكياء، ويعرفون مصلحة الشعب الجزائري، أفضل من الشعب نفسه!!.
والحق أن القرار الوحيد كان للشعب الجزائري الأبيّ، فهو الذي دفع بأبنائه البررة إلى أتون معركة هوجاء، لم يصدّق أحد من العالمين أن الغلبة فيها ستكون لمن يواجهون النار بصدور عارية، دون عدّة ولا عتاد، كي يواجهوا أعتى قوة استعمارية في التاريخ، غير أن «منطق النّصر»، لم يحسب – طوال التاريخ – حسابات العدد والعدّة، وإنما كان مناطه الصّدق والصبر في الدّفاع عن الحق.. وهذه مادة لم تكن بين ما يمكن أن يستوعبه الاستعمار البغيض. فقد كان – في خيلائه – يعتقد أن الأوضاع بالجزائر استقرّت لصالحه، وأن المغلوبين على أمرهم لن يجدوا سوى التسليم والإذعان أمام عنجهيته، فقد أعمل في الجزائريين آلة الموت والدّمار، وأذاقهم من مرارة العذاب ما لم يتجرأ عليه أعتى المجرمين في التاريخ..
وخرج الشعب الجزائري الأبيّ في ذلك اليوم المشهود من عام 1960.. ذلك الحادي عشر من ديسمبر، ليعلن للعالم أن الحديد والنار لا ينفعان في إخماد ثورته المباركة، وأن الاستقلال الوطني مطلب ثابت لا رجوع عنه، تزكيه التضحيات الجسام التي بذلها الجزائريون..
اليوم، نعيش مرحلة جديدة من التاريخ، تجدّد الجزائر فيها عهد الوفاء للشهداء الأبرار، ولا عزاء للمتباكين على الفردوس المفقود، فالجزائريون قلبوا الصفحة، ولكنهم لن يمزقوها؛ لأنها سطّرت بالدماء الغوالي، وكتبت بأحرف من نور..