زيّن احتفال جريدة “الشعب”، بذكرى تأسيسها 60، عدد خاص، تضمن شهادات رؤساء وشخصيات وطنية وسياسية وثقافية، عن مسيرة نصف قرن وعشرية من الأداء الإعلامي المتميز والمسؤول لـ “أم الجرائد” طيلة ستة عقود من الزمن ومازالت.
حمل العدد الخاص الموسوم بـ “ستينية الشعب تأسيس أيقونة الصحف الوطنية..60 عاما التزام ومهنية”، مواضيع ثرية ومتنوعة، وشهادات حية لشخصيات وطنية، سياسية، ثقافية وإعلامية، منهم من غادر الحياة إلى دار البقاء، ومنهم من مازالت ذاكرته تختزن مسيرة كفاح خاضه المؤسسون الأوائل لعميدة الصحف الجزائرية الناطقة باللغة العربية، ومن حمل بعدهم المشعل، طيلة عقود من الزمن، فحفظوا الأمانة وصانوا الوديعة إلى غاية اليوم، من أجل تقديم إعلام وطني هادف، يبني الفرد والمجتمع، ويدعم أسس دولة العدل والقانون، ويكون شريكا في التنمية والتقدم وجميع مراحل تطوير البلاد، بخطاب “رصين” ولغة “سليمة” تخاطب العقول قبل القلوب.
في افتتاحية العدد الخاص، وصف الرئيس المدير العام لجريدة “الشعب” جمال لعلامي، “الشعب” بـ«قلعة الإعلامي الوطني الهادف والموثوق” وكتب “الشعب من 11 ديسمبر 1962 إلى 11 ديسمبر 2022، ستينية كتبت بأحرف من ذهب وألماس، مسيرة مميزة ومسار غير عادي، فكان الاستثناء والامتنان حتما مقضيا، وكانت “الشعب” عبر تاريخها المقدس من “الشعب وإلى الشعب”، و«بالشعب وللشعب”، وهي صوت المواطن وصدى الوطن”.
وأكد أن “الشعب” اليوم تساير وتواكب ما ينفع البلاد والعباد، وفق رؤية التغيير والإصلاحات والتطوير التي هندس أصولها وفصولها، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، لبناء جزائر جديدة، معتمدة في ذلك على الكلمة والمعلومة الصادقة، وما هو مكرس لحرية التعبير المضمونة في دستور نوفمبر.
حاضنة إطارات الدولة
جاء العدد الخاص في 120 صفحة، وعبر 12 بابا، حمل في طياته رسائل امتنان وشهادات اعتزاز وافتخار، بما قدمته “الشعب” للقارئ وللدولة، طيلة 60 سنة من الوجود، وهو عمر الدولة الجزائرية المستقلة. ولم تكن هذه الجريدة العريقة، قناة إعلامية تربط المواطن والدولة، بل كان دورها أعمق من هذا، مثلما جاء في باب “ذاكرة أمة”، حيث كانت حاضنة لإطارات الدولة ورجالاتها، أمثال رئيس الدولة الراحل عبد القادر بن صالح، الذي قال في شهادته عن “الشعب” سنة 2012، “تشرفت منتصف السبعينيات بتولي إدارتها، وعملت باعتزاز مع جيل من الصحافيين، والعمال والتقنيين، في مناخ وطني كانت تغذيه آنذاك التوجهات السياسية التي جعلت من الجزائر منارة إشعاع لقيم ومبادئ التحرر والانعتاق، ونموذج في خطط التنمية لمحاربة الفقر والتخلف الموروث عن الاستعمار، وبالرغم من نقص الإمكانات ذلك الوقت، إلا أن الصحفيين خاضوا التحديات بإقبال وحماس، وارتبطوا بهذا العنوان الإعلامي ارتباطا عاطفيا قويا ومازال غائرا في النفوس، وأنا متأكد بأن هذا العنوان سيواصل تأصيل الخط الوطني الأصيل، والدفاع عن مصالح البلاد في عصر أصبحت فيه وسائل الإعلام من أقوى أدوات ترسيخ الروح الوطنية وترقية الحس المواطني”.
وبالفعل انتهجت “الشعب” منذ تأسيسها، الخط الوطني التي يضع المصلحة العليا للوطن قبل كل شيء، ولقبت بـ “عميدة الصحف”، لأنها أول جريدة صدرت بعد الاستقلال ناطقة باللغة العربية، تبنت تضحيات الشعب، مثلما جاء في موضوع حمل عنوان “الشعب… مدرسة الوطنية والتنوير” أثناء الثورة، ومشاكل المواطنين بعد الاستقلال، وكانت مصدرا كرونولوجيا للأحداث في الجزائر، ومازالت لغاية اليوم تواكب بكل احترافية ومصداقية سياسة الدولة الجزائرية.
هكذا أرادها الراحل بومدين
في باب “ضيف الستينية”، توقف الدكتور محي الدين عميمور، عند علاقة جريدة “الشعب” بالرؤساء، وكيف كان ينظر إليها من أعلى هرم في السلطة، خاصة وأن الجزائر خرجت من حرب شرسة، بإرث استعماري ثقيل، طمس الهوية واللغة الوطنية، فقال “إن الرئيس الراحل هواري بومدين الذي كان يتابع الجريدة باهتمام، أرادها أن تكون مثل الأهرام المصرية، والنهار اللبنانية، وكان يريد تعيين مجاهد قدير لإدارتها”.
أما الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، فكان هو كذلك يتابع “الشعب” باهتمام، مما مكنه ذلك من تحسين لغته العربية، كما اهتم بها كبار المسؤولين، يقول عميمور.
وصرح الراحل بن بلة في أول عدد لها “اليوم برز في عالم الصحافة العربية بالجزائر صحيفة “الشعب” اليومية، لتسهم بدورها في المعركة، ولاشك أنها ستحمل كل صباح لمواطنيها غذاء فكريا وعقائديا، نابعا من صميم مبادئنا الثورية، ومتفجرا من واقع جماهيرنا الشعبية المناضلة”… “الشعب” لبنة لبعث ثقافتنا القومية في جميع المجالات.
ذاكرة أمة ومشتلة المبدعين
بالفعل عملت “الشعب” طيلة ستة عقود من الزمن، عبر عدة جبهات، فكانت رائدة التعريب وساهمت في استكمال السيادة الوطنية بتحصين الاستقلال الفكري، فكان ميلاد “جريدة بلغة الشعب” مكسبا هاما، رفع القائمون عليها تحدي الصدور بلسان عربي دون انقطاع، وفتحوا الأبواب على مصراعيها للنقاشات الفكرية الواسعة ساهمت في مشروع التعريب.
وكانت “الشعب” ذاكرة تاريخية صامدة، أهتم بتاريخ الأمة الجزائرية، وتاريخ الثورة التحريرية، أرخت لكفاح “الشعب” الجزائري، وحافظت على الذاكرة الوطنية، بجمع شهادات مجاهدين ومختصين في التاريخ، وجعلت من التاريخ الإسمنت المسلح الذي يربط الجيل القديم مع الجديد.
وكما فتحت الباب للنقاشات الفكرية، كانت مشتلة للمبدعين والكتاب والأدباء، فمر عبرها الطاهر وطار، عبد الله الركيبي، عبد الله شريط، زينب الميلي وأحلام مستغانمي، وأسماء كبار بارزة في الساحة الثقافية والأدبية. وكما قال الكاتب أمين الزاوي في حواره “نشر قصيدة أو قصة في “الشعب” كان بمثابة شهادة ميلاد للكاتب”. واعتبرها الكاتب الإعلامي عبد العزيز غرمول “منصة انطلق منها نجوم الوسط الاجتماعي”. أما الصحفي المخضرم أحمد فريد الأطرش، أكد أنها “أنهت شتات النخبة” وكانت ولا تزال، حسب الكاتب الإعلامي خليفة بن قارة، “جزءا من الذاكرة الإعلامية الجماعية للجزائريين” و«أرضية متينة لانطلاق جيل إعلامي واع ومقدار”.
وحمل العدد الخاص شهادات لإعلاميين من الجيل الجديد، تؤكد أهمية هذا العنوان الإعلامي، الذي عزز المشهد الإعلامي العمومي، بمهنية واحترافية في صناعة محتوى هادف يرتقي بالإعلام الجزائري للمصف العالمي، فكانت في نظر الرئيسة المديرة العامة ليومية “النصر” نرجس كرميش “جزءا لا يتجزأ من تاريخ الجزائر المستقلة”، و«الرحم الذي احتضن مشروع الإعلام الوطني” بالنسبة للصحفية هدى طابي، ومشتلة للأقلام المبدعة حسب تصريح مدير تحرير “النصر” سليم بوفنداسة.
أما المجتمع المدني بولاية معسكر، فيرى أنها “خط أصيل لا يتبدل وعنوان شامخ لا يتبدد”.
دعامة للتنمية المحلية
كل تلك الشهادات الجليلة، كانت نتيجة حتمية لأداء خدمة عمومية راقية، وضعت المواطن في قلب الاهتمامات، فكانت الناقل لانشغالاته ومشاكله، ووسيطا نزيها بينه وبين المسؤولين، واهتمت “الشعب” طيلة ستة عقود بالورشات التنموية الكبرى، وأفردت صفحات خاصة للأخبار المحلية، وأخرى للشؤون الاقتصادية، ورافقت العمليات التنموية بتحقيقات وريبورتاجات من الميدان، نقلت حقيقة الوضع في جميع مناطق البلاد، إلى غاية اليوم.
وقد برز دور المراسل الصحفي حسب رئيس القسم المحلي السابق جمال أوكيلي، بشكل لافت في التعددية الإعلامية، وأصبح حلقة مهمة في العمل الإعلامي الجواري، جسد فعلا حق المواطن في المعلومة الصادقة.
أما حكيم بوغرارة صحفي سابق بالجريدة، فيرى أن “الشعب” كانت ولازالت وسيطا إعلاميا يربط مؤسسات الدولة والمواطن في جميع ولايات الجمهورية، ويقدم خدمة عمومية للشعب الجزائري، بكل مهنية واحترافية.
وحافظت “الشعب” في عصر الانفجار التكنولوجي، على حضورها الدائم والقريب من المواطن، من خلال صفحات تنقل يوميا أخبار الولايات، وتمتين حلقة الوصل بينه وبين الإدارات المحلية المكلفة بمتابعة وتجسيد مشاريع التنمية المحلية.
أما في الميدان الاقتصادي، فقد رافقت “الشعب”، حسب مدير التحرير الأسبق سعيد قرايت، جميع مراحل التحولات الاقتصادية والإصلاحات، وتميزت بأسلوب في الكتابة ساهم في بلورة أراء الخبراء الاقتصاديين لتنوير الرأي العام بكل المستجدات، وتملك تجربة متفردة من الأداء والاحترافية عبر ملحق “الشعب الاقتصادي” الذي فتح الباب لتحاليل خبراء ومختصين وباحثين أكاديميين، وإثراء الساحة الإعلامية بنقاشات أصبحت مرجعا للكثير من الباحثين والمؤسسات والمسؤولين.
شاهد على نجاح الدبلوماسية الجزائرية
اهتمت “الشعب” في مسيرتها بالقضايا الدولية العادلة، وسلط مقال بعنوان “الشعب شاهد على نجاح الدبلوماسية الجزائرية في الدفاع عن قيم التحرر والسلم”، الضوء على مهمة حملتها “أم الجرائد” منذ ستة عقود من تأسيسها وإلى غاية اليوم، وهي المشاركة في ترسيخ أسس الدولة المستقلة، فكانت عبر مختلف محطاتها، واحدة من الرسائل القوية والمؤثرة التي رافقت السياسة الخارجية للجزائر، وعملت على نجاحها وتعاظم الدور الجزائري في نصرة القضايا العادلة وفرض احترام الشرعية الدولية وحل الأزمات التي تعصف بالعالم، وخصصت صفحات لأحداث العالم تتابعها يوميا بشكل جاد وموضوعي مع الدفاع عن القضايا العادلة، في مقدمتها قضيتا فلسطين والصحراء الغربية.
وقد أكد السفير الصحراوي في حوراه بالمناسبة، أن “الشعب” قامت بدور بارزا في التعريف بقضايا التحرير والقضية الصحراوية ضد أكاذيب النظام المغربي.
أما السفير الفلسطيني فأكد هو الآخر أن “الشعب” ظلت صوت الحق في نقل هموم وقضايا الأمة العربية والإسلامية، وواكبت تطورات القضية الفلسطينية التي جعلتها في صلب اهتماماتها منذ تأسيسها.