أظهرت مداخلات ومناقشات أساتذة باحثين في فعاليات الملتقى الوطني الموسوم “دلس، تاريخ مدينة وساكنة”، الذي احتضنه المركز الثقافي محمد الشيخ بحر الأسبوع، حجم التقصير والتهميش الذي طال هذه الحاضرة العريقة.
قلة من الدراسات والأبحاث الأكاديمية في المعاهد المتخصصة بالجامعة، تناولت تاريخ دلس، بالرغم من الوزن الكبير الذي تمثله المدينة بارثها الثقافي والتاريخي الذي يختزل حضارات تركت بصماتها بالمدينة من الفنيقيين والرومان الى عهد الموحدين والعثمانيين..
فتحت أشغال الملتقى الوطني، الذي نظمه مخبر التاريخ المحلي والذاكرة الجماعية والمقاربات الجديدة لجامعة البويرة بالتنسيق مع المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية بومرداس، الباب واسعا أمام باحثين متخصصين وطلبة دكتوراه مشاركين في الندوة من اجل تقديم مساهمات ودراسات أكاديمية، وتسليط الضوء على تاريخ ومكانة أحد ابرز الحظائر بالجزائر ومنطقة المتوسط المثقلة بالأحداث والمآثر الزاخرة بموروث ثقافي لا مادي ظل طي النسيان، وشواهد مادية مهددة بالاندثار، دون أن تلقى التفاتة لحماية وتعظيم هذه المكانة التي تبوأتها مدينة خاصة من فترة الموحدين إلى العهد العثماني، مرورا بمرحلة الاستقرار السياسي والازدهار التي عرفتها المدينة مع هجرة المورسكيين بعد سقوط الأندلس ومدينة غرناطة سنة 1492.
لقد أجمع أغلب المتدخلين، الذين شاركوا في تنشيط الندوة، منهم طلبة دكتوراه بمعهد التاريخ بجامعية البويرة، الجزائر2، وادي سوف، تندوف وغيرها من الجامعات، أن الدراسات والأبحاث الأكاديمية لم ترق إلى مكانة وتاريخ هذه المدينة العريقة، بل هناك تقصير واضح في استغلال وإثراء بعض الكتابات التاريخية التي كتبها رحالة معروفون خلال العصر الوسيط كحسن الوزاني الفاسي سنة 1550، ومساهمات الإدريسي في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق سنة 1165، وغيرها من الشهادات التي قدمها مؤرخون ورحالة زاروا المنطقة، ووصفوا فترة الرخاء والازدهار الاقتصادي التي كان عليها سكان المدينة الذين ارتبطوا بالبحر والنشاط الفلاحي، إلى جانب حياة الترف الثقافي والفني.
أول عقد إداري مكتوب يعود إلى سنة 1508
وحاول الباحث ياسين بودريعة، من جامعة البويرة، تصحيح كتابات ومعلومات تناولها عدد من الدارسين الذين أشاروا إلى “أن أول عقد إداري مكتوب خلال الفترة العثمانية يعود إلى سنوات 1518 و1525”. لكن بحسب الباحث، أول عقد مكتوب بمحكمة دلس يعود لسنة 1508 أي قبل الدخول العثماني، وهو عبارة عن “عقد هبة وبيع بحيرة” أصدرته المحاكم الشرعية، وهو دليل على مكانة المدينة سياسيا واقتصاديا خلال تلك الفترة، خصوصا مع بداية الفترة الحمادية ودخول معز الدولة بن صمادح قادما من الميريا سنة 1068م الذي يرجع اليه الفضل في تأسيس حظيرة القصبة العريقة.
وتطرقت مداخلات أخرى إلى إسهامات علماء مدينة دلس في الحركة الفكرية لبلاد الزواوة ومنطقة المغرب الأوسط والشام.
هنا ركز الباحث محند اكلي ايت سوكي، من جامعة سطيف2، على إسهامات العالمين سيدي امحمد السعدي، الذي أسس زاوية “ميزرانة”، والعام محمد بن مبارك الدلسي الذي تعدت شهرته العلمية الآفاق، وكان من بين أحد المؤسسين والمساهمين في النهضة العربية بسوريا، وغيرهم من المفكرين الذين أسهموا بعلمهم ونضالهم في الحفاظ على هوية المجتمع ومحاربة كل أشكال التشويه والطمس الممارس من قبل الاستعمار الفرنسي.
بالمقابل، حاول الباحث عبد العزيز مرابط إبراز مكانة قرية تيزغوين كحاضرة مرتبطة تاريخيا بمدينة دلس وإسهاماتها العلمية والثقافية، مشيرا إلى “أن المنطقة كانت مشهورة بمجلسها العلمي المخصص للفتوى الشرعية ومقصدا لسكان القرى المجاورة، اعتبرت بمثابة خزان للعلماء والأئمة أبرزهم الشيخ الطيب بن حميدة، وكلهم ساهموا في تأطير عدد من المساجد والزوايا المعروفة منها زاوية سيدي اعمر الشريف.
ولم يقتصر هذا الدور الذي لعبته حاضرة دلس العريقة على الجانب الفكري والعلمي فقط، بل تعداه إلى إسهامات أخرى في المجالات الثقافية والرياضية، حيث قدمت المنطقة عدة أسماء لامعة في كرة القدم منهم اللاعب عبد القادر زرار واللاعب عبد الرحمان ابرير، الذي لعب في صفوف فريق جبهة التحرير الوطني في تونس.