نعترف أن مسار الرقمنة كان في بدايته بطيئا للغاية، وأن كثيرا من المواطنين، وفيهم من يُحسبون على النخبة المثقفة، لم يتمكنوا من استيعاب المعاملات المالية الرقمية، وظلّوا يبدون شيئا من التّردد في التعامل مع الفواتير عبر أنترنيت، ولم يدركوا أن الدفع الرقمي يعفيهم من إزهاق الوقت في الوقوف بالطوابير الطويلة، ويعفيهم حتى من حقوق طابع الفاتورة، وإن كان زهيدا..
وليس من ينكر أن فكرة الرقمنة ظلت تبدو (مخيفة) و(مربكة) إلى أن قرر الرئيس تبون أن تكون القمة العربية دون ورق، فحقّق إنجازا عظيما للقمة من جهة، ولكنّه من جهة أخرى، حقّق لفكرة الرقمنة انتقالا نوعيا على مستوى التفكير، ولم تلبث وزارة التعليم العالي أن أعلنت عن مناقشات دون ورق، ومعاملات رقمية تعفي الطلبة من مشاقّ كثيرة، ثم جاء أمر الرئيس تبون باستغلال الكتاب الرقمي في إعفاء تلاميذ المدارس من ثقل المحافظ، فلمس الناس جميعا فضائل الرقمنة، وكانت هذه الخطوات الجبارة محفّزا على الاستفادة مما وفّرت وزارة الداخلية من خدمات رقمية، مثل استخراج وثائق الحالة المدنية، وطلب بطاقة التعريف عبر النت، وغيرها من الخدمات التي أزالت أعباء الإدارات المحلية، فتوطدت فكرة الرقمنة في الواقع المعيش، ولم يبق أمامها سوى التكريس الشامل، بعد أن تبدّدت المخاوف والشّكوك، وتبيّن أن التعامل الرقمي أفضل وأسهل وأيسر..
وليس من حاجة إلى الحديث عن الثورة التي أحدثتها أنترنيت في دواخل التفكير، والتغييرات التي أقحمتها في أدقّ تفاصيل الحياة، ومسار الرقمنة – لا شكّ – ماض إلى غايته، وليس يغني شيء في تفاديه، أو تجاوزه، ويكفي أن قمة عربية كاملة انعقدت دون ورق، فهل بقي مجال بعدها لمرور العقليات الأركيولوجية؟!..
بصراحة يعني.. العقل الأركيولوجي فاته.. (المودام)..