شكل احتضان الجزائر لأشغال القمة العربية الـ31، تحت شعار “لم الشمل العربي”، أحد أبرز الاحداث خلال 2022 التي أكدت عودة الدبلوماسية الجزائرية بقوة الى الواجهة، ومكنتها من لعب دور هام في تعزيز العمل العربي المشترك و تحقيق وحدة الصف، وهو ما أكده “اعلان الجزائر” الصادر عن القمة التي وصفت بأنها كانت “ناجحة بامتياز”.
بذلت الجزائر جهودا حثيثة حتى تكون القمة العربية المنعقدة على أرضها فرصة “لإعادة بث روح التضامن العربي” النابع من التاريخ والمصير المشترك، وتحويل هذه التحديات إلى دافع بهدف ترتيب البيت العربي.
وانطلاقا من تقاليدها الراسخة في الدفاع عن القضايا العربية، كان التئام القادة العرب في قمتهم بالجزائر، بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كوفيد-19، مناسبة رافع خلالها رئيس الجمهورية،السيد عبد المجيد تبون، من أجل استرجاع جامعة الدول العربية مكانتها على الساحة الدولية والاضطلاع بدورها كمنظمة عربية “قوية ومؤثرة” لتمكينها من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، خدمة لتطلعات و آمال الشعوب العربية و لاستقرار المنطقة.
واعتبرت القمة العربية بالجزائر بمثابة “حدث استثنائي” لكونها انعقدت في ظل ظروف معقدة تتسم بتعدد وتلاحق الازمات على الساحة الدولية، والتي لم تسلم الدول العربية من تبعاتها، الا أن ذلك لم يمنع الجزائر من رفع التحدي وكسب رهان تنظيم هذا الحدث الهام.
واستغلت الجزائر احتضان هذا اللقاء للتشاور مجددا ومناقشة قضايا الامة العربية، حيث عملت من أجل جعل التضامن العربي “الحقيقي والمسؤول”، ضرورة من شأنها تعزيز قدرات الدول العربية و اعطائها وزنا للتفاوض ومجابهة التحديات.
وينبع سعي الجزائر لإيجاد مخارج للأزمات المطروحة على الساحة الاقليمية ولتعزيز التلاحم العربي من أسس و مبادئ سياستها الخارجية التي تتسم بالحكمة ومناصرة الحق والعدالة وتغليب لغة الحوار والتفاهم، كما أن اختيارها لانعقاد القمة العربية في تاريخ الفاتح من نوفمبر، المصادف لاندلاع الثورة التحريرية، ينطوي على دلالات نابعة من مبادئها الثابتة التي عبر عنها بيان أول نوفمبر 1954 والمتعلقة بحق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها.
نجاح على كل المستويات
وانطلاقا من تقاليدها الراسخة في الدفاع عن القضايا العربية، عملت الجزائر على جعل الاجتماع العربي الكبير مناسبة جديدة من أجل التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية ومواصلة الدفاع عنها لكون هذه القضية تعد بالنسبة للجزائر “أم القضايا عبر كل الأزمنة”.
وعليه، يحسب للرئيس تبون أنه نجح قبل أيام من انعقاد القمة العربية، في لم الشمل الفلسطيني على أرض الجزائر، بعدما ظلت الفصائل الفلسطينية منقسمة ومتنافرة لمدة 15 عاما، حيث بادر الى دعوة ممثليها للمشاركة في “مؤتمر لم الشمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية”، في محاولة مخلصة منه للتوصل الى اتفاق قبل القمة، وهي المبادرة التي توجت في 13 أكتوبر الماضي بما سمي بـ “اعلان الجزائر”، الذي يضع حدا للانقسام وسيكون بمثابة أرضية صلبة لتحقيق الوحدة بينها.
وقد لقيت هذه المبادرة اشادة فلسطينية و دولية واسعة، حيث وصفتها الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق المصالحة، ب”الانتصار الكبير للقضية الفلسطينية”، معربة عن “تقديرها لجهود ودور الجزائر والرئيس تبون في لم الشمل الفلسطيني”.
ورأى مراقبون أن توقيع الفصائل الفلسطينية على اتفاق المصالحة بالجزائر، تحت الرعاية المباشرة للرئيس تبون، “ساهم في إعادة القضية الفلسطينية ليس للواجهة فحسب، وإنما أيضا لمحور الاهتمام العربي والدولي”، خاصة بمناسبة انعقاد القمة العربية.
ووفقا للعديد من المحللين، شكلت القمة العربية حدثا عالميا حيث شارك فيه ممثلو عدة منظمات دولية، وهذا يؤكد الدور المحوري للجزائر على المستويات الإقليمية والافريقية والعربية والأوروبية المتوسطية والدولية.
كما كانت قمة الجزائر فريدة من حيث أنها تناولت لأول مرة مواضيع معينة مثل الأمن الغذائي والأمن المائي و الأمن الطاقوي وقضايا تغير المناخ والحاجة إلى حلول عربية للمشاكل العربية.
وحظيت جهود الجزائر للم الشمل وتوحيد المساعي العربية من أجل مستقبل موحد لدول المنطقة، بإشادة واسعة من قبل المشاركين، فضلا عن وسائل الاعلام العربية والدولية التي اعتبرت أن القمة العربية كانت “فلسطينية بامتياز”، كما كانت بمثابة “علامة فارقة في لم الشمل ونسج خيوط الثقة”، بعدما تمكن رئيس الجمهورية من جمع أكبر عدد ممكن من القادة العرب للمشاركة في الحدث العربي الهام، الامر الذي أكسب الجزائر وقيادتها نجاحا دبلوماسيا إضافيا.
وقد أكد وزير الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، في ختام القمة أن هذا الموعد كان “ناجحا جزائريا وعربيا ودوليا”، نظرا لحرص الجزائر على توفير كافة شروط النجاح من الجوانب اللوجستية أو السياسية، الى جانب انخراط رئيس الجمهورية شخصيا في مسار التحضير له.
من جهته، ثمن الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد ابو الغيط، جهود الجزائر ونجاحها في تنظيم القمة العربية ال31 والتي كانت “من بين أكثر القمم حضورا من حيث المستوى”، مشيرا الى أن اقتران القمة بالذكرى الـ68 لثورة الفاتح نوفمبر “أعطاها طابعا خاصا”، مسجلا في الوقت ذاته “التوافق الكبير” بين القادة في الرؤى وعدم رصد أي “تحفظات تذكر”.