أجمع خبراء ومحللون سياسيون، على أن تصريحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية الخميس، كانت تحمل عديد المعاني والرسائل، وتميزت كالعادة بالصراحة والمكاشفة.
جسّدت هذه التصريحات عمق التحولات التي شهدتها البلاد، مرفوقة بديناميكية كبيرة لاقتصاد الوطن، مع الحرص على الحفاظ على كامل الحقوق والحريات للمواطنين، واستعادة الثقة التي كانت مفقودة في القيادة السياسية للبلاد، ليمضي القائد الأعلى للبلاد في تجسيد مشروعه الوطني والخارجي، في بناء العهد الجديد للجزائر، وإعادة الهيبة لمؤسسات الدولة، وبالتالي إعادة الدولة للمواطن بعد سنين من “الضبابية” التي تحدث عنها الرئيس.
أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية رابح لعروسي، لـ “الشعب”، أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وضع مسألة هامة وجوهرية، بل وأولوية الأولويات في برنامجه، تتعلق ببناء الجزائر الجديدة، مدخلها الحقيقي دستور 2020، الذي يعتبر العمود الفقري للمنظومة القانونية، حيث جسّد حقيقة الكثير من الالتزامات التي قطعها الرئيس على نفسه، خاصة ما تعلق بدسترة الكثير من المبادئ والثوابت، التي أصبحت مكسبا مهما في الحياة الديمقراطية، على غرار دسترة المرصد الوطني للمجتمع المدني، المجلس الأعلى للشباب والمحكمة الدستورية. كما جاء على لسان رئيس الجمهورية، أن ما جاء به دستور 2020، كرّس بعض المبادئ والمكاسب، وتمكن من سدّ الثغرات.
الجزائر على السكة الصحيحة
وأفاد لعروسي، أن رئيس الجمهورية تحدّث عن مسألة هامة وجوهرية، وهي تمكين الشباب من ولوج الحياة السياسية، وهو ما ترجم من خلال تعديل قانون الانتخابات لسنة 2012 خلال سنة 2021، والذي غيّر من نمط الانتخاب، حيث يتم إجراء الاستحقاقات على شكل النمط المفتوح، “القائمة المفتوحة “، الأمر الذي شجّع الكثير من الشباب للولوج إلى العملية الانتخابية والمشاركة في العملية السياسية ككل، وهذا لمحاربة المال السياسي الفاسد حيث كان تصدر القوائم الانتخابية يشترى بالمال.
وأبرز لعروسي أن هذا التوجه الجديد، يعكس التغييرات التي طرأت على كل المجالس المنتخبة، التشريعية المحلية البلدية والولائية، وخير دليل على ذلك هو أن العمل جار لتمكين الشباب من الانخراط في العملية السياسية من خلال القوانين والأحكام الدستورية، مع تمكينهم من التمويل المالي في الحملة الانتخابية، وهذا ما التزم به الرئيس، وهو ما حدث فعلا خلال تشريعيات 2021، التي أفرزت مجلسا شعبيا وطنيا مغايرا تماما للتشكيلات السابقة التي عرفتها الغرفة الثانية للبرلمان، حيث تمّ بموجب ذلك غلق الطريق أمام المال السياسي.
في سياق مغاير، شدد الأكاديمي ذاته، فيما يخص تصريح الرئيس المتعلق بالضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الجزائر، وكل ما تعلق بالحريات والحقوق وحقوق المواطنين، أن رئيس الجمهورية انطلق في عمله بأخلقة الحياة السياسية انطلاقا من القاعدة الأساسية وهي أخلقة المجتمع والتوزيع العادل للثروة، وكل ما تعلق بمسألة المضاربة ومحاربة الاحتكار، حيث أبانت عن أن الدولة قائمة على قدم وساق، من أجل تمكين المواطن من أدنى حقوقه وشروط الحياة العيش الكريم في الجزائر الجديدة.
لا مجال للتماطل ..
من جهة أخرى، وحول موضوع الحكومة الذي تطرق إليه الرئيس خلال لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية، أوضح المحلل السياسي وأستاذ في العلوم السياسية أسامة بوشماخ، أن الثلاث سنوات الأخيرة من عمر حكم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تميزت التشكيلة الحكومية بضم العديد من الوزراء في مبنى الدكتور سعدان، لهذا فإن حجم التحديات الداخلية والخارجية والسرعة التي أراد تجسيدها الرئيس في هذه التحولات أدى لتغيير عدد من الوزراء.
وأبرز بوشماخ في السياق، أن المرحلة الأولى شهدت إعادة هندسة مؤسسات الدولة من خلال التعهدات التي أطلقها الرئيس بإعادة بناء المؤسسات، ومحاربة الفساد، حيث أن حجم التحديات الداخلية كان كبيرا جدا، لأن ضبابية المشهد الذي عرفته الجزائر تجاوز عشرين سنة، حيث كانت هناك ممارسات كبيرة أضرّت بالبلاد وهو ما تحدث عنه الرئيس مساء أول أمس.
إعادة الهيبة للمؤسسات
لهذا ــ يقول المختص في العلاقات السياسية ــ كان مشروع الرئيس بإعادة أخلقة الحياة السياسية وإعادة بناء مؤسسات الدولة، بل بإعادة الدولة إلى المواطن، حيث كانت الجزائر تعاني من ممارسات لسنوات طويلة كرست تراجعا كبيرا في كل المجالات، لهذا فان رئيس الجمهورية يسير وفق سرعة كبيرة اليوم، حيث أن بعض القطاعات التي لم تتماش وهذه السرعة خلال ثلاث سنوات ماضية، تمت إعادة هيكلتها من حيث كانت تحتاج أن تكون في قطاعات معينة على الأقل في إعادة الهيبة للجزائر الجديدة ولمؤسسات الدولة، وشعور المواطن بان الدولة متواجدة حقيقة على أرض الواقع حيث يُلمس وجودها أيضا.
ثقة في القيادة السياسية..
وأضاف شامخ في تصريحات لـ “الشعب”، أن “القيادة السياسية مقبلة على تحولات عميقة جدا ناتجة عن تحولات النظام الدولي، تستدعي أن تكون هناك حركية كبيرة ببناء اقتصاد حقيقي، والتحام بين المواطنين والقيادة السياسية على ضوء التحولات الدولية التي باتت تنعكس على المرتكزات الإقليمية، فالجزائر مرتكز قوي في شمال إفريقيا والمغرب العربي والعالم العربي ككل، لذلك لابد للقطاعات الوزارية أن تساير نفس المنهج الذي يسير عليه رئيس الجمهورية، وينبغي على الحكومة تجسيد طموحات الجزائر داخليا وخارجيا، فمثلما أعلن عنه الرئيس بالدخول إلى منطقة “بريكس”، فهو أمر يضع الطاقم الحكومي أمام هذا التحدي الكبير”.
سرعة في تجسيد المشاريع
في نفس الاتجاه، شدد المحلل السياسي، على أن “مشروع الرئيس الذي يريد أن يجسده بالسرعة القصوى خلال سنة 2023 يحتاج أن تكون كل هذه القطاعات تساير المشروع الاقتصادي العالمي، حيث ليس هناك مجالا للتماطل والرجوع إلى الوراء، لذلك لابد أن نسير بنفس السرعة التي أراد أن يجسدها رئيس الجمهورية”.
لهذا ــ يضيف محدثنا ــ أراد رئيس الجمهورية أول أمس، بعث رسالة واضحة للقطاعات الوزارية التي لم تتجاوب مع سرعته في تجسيد مشروعه الوطني والخارجي في بناء العهد الجديد للجزائر، وكأنه قال: من يريد أن يعمل مرحبا به، ومن لا يريد ذلك يوجد من الكفاءات الجزائرية من يتحمل المسؤولية في هذا الظرف الذي تعيشه البلاد، ويتمثل مشروع الرئيس الذي أراد أن يجسده بانخراط الشباب الكامل وتوليه لمناصب قيادية، وحساسة في المؤسسات الدستورية في البرلمان، كوزراء في المجالس المحلية وتصدر المشهد في المجتمع المدني.
التزامات الرئيس .. في الميدان
وحول سؤال متعلق بتعهدات الرئيس الـ 54، شدد محدثنا على أن “هناك إرادة حقيقية من قبل القيادة السياسية للبلاد، في إعادة الهيبة لمؤسسات الدولة، وكل ما تعلق كذلك بعودة النشاط الدبلوماسي، الذي أعاد للجزائر الاعتبار وباتت تنشط على كافة المحاور والأبعاد الجيو ـ استراتيجية، أكثر من ذلك تقوم بدور كبير في جميع الأطر المغاربية، الإفريقية، العربية والدولية أيضا، كما أن الرئيس تعهد كذلك بأن يكون هناك اقتصاد بديل غير الاقتصاد الريعي، وهو ما نشهده اليوم، حيث لم تتجاوز الصادرات خارج المحروقات خلال أزمة كورونا 2.5 مليار دولار، لتصل اليوم الى 6 ملايير دولار، ما يثبت فعلا وجود حراك اقتصادي، نتيجة التحولات الدولية والسياسية، الذي يجعلنا نتحول من النمط الريعي إلى نمط جديد للوصول إلى سيادة اقتصادية”.
وأضاف “ خلال ثلاث سنوات الأخيرة شهدت الجزائر حربا على الفساد، وتم سنّ الكثير من القوانين والمراسيم لإعادة الاعتبار لها وتصحيح المسار الذي أخذ أكثر من عشرين سنة من عمر الجزائر، وهذا بإعادة ترتيب الأولويات السياسية والاقتصادية والقضاء على الممارسات اللاأخلاقية التي أدت الى هلامية الدولة فيما سبق.
كما أن التزامات الرئيس ــ يقول المحلل ذاته ـ تم تجسيدها من خلال القوانين التي تم سنها ضد المضاربين، والتي أتت أكلها، حيث حاربت الممارسات السابقة، واستطاعت بذلك الدولة بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، إعادة الثقة للمواطن في دولته، التي كانت غائبة من قبل، من خلال حرصه على تجسيد إرادة سياسية لتغيير الاقتصاد وأخلقة الحياة الاقتصادية والسياسية مع إعادة إحياء السياسة الخارجية.