بالرغم من أن الخلع أحد الحلول الممكنة لفك رباط الزوجية، إن توفرت شروط محددة أدت إلى استحالة عيش الزوجين معا تحت سقف واحد، إلا أن أروقة المحاكم تقول عكس ذلك تماما، فقد أصبح أسهل الحلول وأقصرها لبلوغ هدف الانفصال حتى وان لم تتوفر شروطه. وفي غياب الوعي الكافي من الأزواج تحوّل «الرباط المقدس» و»الميثاق الغليظ» إلى خيط رفيع لن تكون مهمة قطعه بالصعبة.
بينما يشهد الماضي على تسلح الأزواج بالصبر ومسايرة الأحداث للمحافظة على بيت الزوجية وتقوية الحبل الرابط بين الزوجين، يشهد الحاضر على هوانه وهشاشته بسبب غياب الوعي والادراك من قبل الأزواج الجدد رغم مستواهم التعليمي بالدور المحوري للأسرة في تحقيق مشروع أمة، ضاربين مسؤوليتهم الاجتماعية تجاه المجتمع عرض الحائط.
الحل الأخير..
سلسبيل، مطلّقة لم يتجاوز سنها 24 سنة، اختارت الخلع ليكون حلا للتخلص من علاقة سامة جمعتها مع زوجها، حيث قالت إنها و»لمدة أربع سنوات، عانت الأمرّين من رجل رفض التخلص من عاداته السيئة بعد ارتباطه بها، فبعد شهور قليلة اكتشفت إدمانه على المخدرات»، ما جعلها تحاول مساعدته على الابتعاد عن هذه السموم القاتلة، لكن رغبتها قابلها تعنت وإصرار زوجها على الإدمان، حيث واجهها بحقيقة إدمانه الطويل على المخدرات منذ ان كان مراهقا، بل اكثر من ذلك طالبها باحترام خصوصيته وعدم التطفل أو التدخل في شؤونه الخاصة، لأنه لا يبحث عن المشاكل معها بسبب حبه لها، رافضا رفضا قاطعا طلاقها، وهددها ان هي أخبرت أي شخص آخر خاصة اهله عن إدمانه.
مرت سنتان وانا اتعذب في صمت.. زاد عقم زوجي واستحالة انجابه لأطفال من معاناتي التي وصلت الى درجة الضرب والتعنيف المستمر؛ حياة شعرتُ قبل ستة أشهر استحالة استمرارها، لذلك ذهبت الى أهلي وطلبت الطلاق الحل الوحيد من عذابي، في البداية تدخل اهله واهلي من اجل الصلح بيننا، واقناعي بعدم جدوى ترك زوجي الذي يحبني ويوفر لي جميع طلباتي، الا الانفصال طبعا.
حاول والدي ووالدتي اقناعي بالعدول عن الطلاق ووقفوا الى جانب زوجي لذلك وجدت نفسي مضطرة الى اخبار والدتي بالسبب الحقيقي لطلبي، في البداية لم تصدقني لكنها في النهاية اقتنعت واخبرت والدي الذي وعلى عكسها، سألني عن سبب بقائي معه طوال تلك السنوات أعيش إهانة الضرب والتعنيف، وطلب مني رفع قضية خلع لأنه سبيل النجاة من زوجي الرافض لانفصالي عنه. وبالفعل بعد مدة قصيرة ربحت القضية وعدت الى حياتي التي انقلبت رأسا على عقب، فكان أكبر ما ندمت عليه دراستي التي تركتها من اجل الزواج.
لم تكن سامية أحسن حظا من سلسبيل، فقد خلعت زوجها بعد رفضه الانفصال عنها بل اكثر من ذلك تزوج بثانية بـ»الفاتحة» وانتقم منها بأن جعلها «معلقة لا مطلقة ولا متزوجة»، كل ذلك بسبب تهربه من دفع التعويض لمطلقته في حال حكم لها القاضي بالطلاق. لم تستطع سامية الاستمرار في العيش وهي مجرد زوجة على الورق فقط، وكان عليها اللجوء الى الخلع للخروج من سجن زوجها الذي يزداد ضيقه مع مرور الأيام. وبالفعل استطاعت الحصول عليه مع دفع عوض الخلع لزوجها حتى تستطيع استعادة حياتها التي تحطمت وتهشمت بعد ان اتهمها زوجها بكل ما يمكنه كسرها بالأخص سمعتها التي شوهها، الى درجة ان أهلها رفضوا عودتها الى المنزل بعد انفصالها ما اضطرها الى اللجوء الى الجمعيات الخيرية الى حين الموافقة على تحويلها للعمل في الجنوب، فقط لتستطيع الهروب او الخروج من الهزات الارتدادية لانفصالها عن زوجها.
وعي مفقود
لا يمكن الحديث عن الخلع من زاوية النساء فقط بل للرجال رأي فيه خاصة وان أغلبهم يراه سببا في فتح باب جديد سهل انفصال الزوجة عن زوجها وجعل الأسرة وروابطها الاجتماعية والنفسية على المحك، سيما عند وجود أطفال. قال شريف في هذا الصدد، ان الخلع في الجزائر أسيء استعماله، وأصبح مجرد ضوء أخضر للزوجة للانفصال متى أرادت ذلك، بعيدا عن الاعتبارات الاجتماعية والتقاليد والأعراف التي تميز العلاقة الزوجية في مجتمعنا، ما أثر على قدسية هذه العلاقة التي تجمع بين الرجل والمرأة. ويرى ان الخلع حل وضعه الإسلام للمرأة وفق ضوابط دقيقة وشروط دقيقة، لكن ومنذ إقراره في الجزائر تحول الى اسهل وسيلة واقصر طريق للانفصال وطلاق الزوجة من زوجها، بعيدا عن الشروط. فمعظمهن لا يعمرن في بيوتهن مدة طويلة حتى يطلبن الطلاق وعند رفض الزوج تخلعنه كما تخلعن الثياب لاستبداله بآخر.
وأكد شريف ان الخلع اقره القانون الجزائري والإسلام قبل ذلك لرفع الغبن عن تلك السيدات اللواتي لا يستطعن التطليق رغم معاناتهن مع ازواجهن، لأن الزواج رابطة مقدسة بين شخصين ونواة تأسيس أسرة سوية هي اهم لبنة في بناء مجتمع يتمتع بعلاقات إنسانية سليمة بين افراده، ما يعطيه القوة والقدرة على ان تكوين رأسمال بشري يستطيع الانخراط في معادلة التنمية والحركية الاقتصادية، لان الفرد هو أساس وجوهر تطور وتقدم الدول.
لذلك، يرى شريف انه من الضروري فرض التكوين على المقبلين على الزواج حتى يعوا أهمية الخطوة القادمة بعد ارتباطهم وزواجهم، فالزواج ليس مجرد تصديرة وألعاب نارية و»زوخ وفوخ» بل هو مشروع بناء أمة، وقد لاحظنا ان الزواج عندنا انحرف عن السكة الصحيحة وهو ما أدى الى ما نراه اليوم من ارتفاع متزايد في حالات الطلاق والخلع استسهلت كسر رباط «الميثاق الغليظ».
أرقام..
حتى نعي درجة الهشاشة التي تأتي على الاسرة، النواة الأولى لبناء المجتمع، يجب ان نعرف ان إحصاءات وزارة العدل كشفت في السنة الجارية، عن 44 ألف حالة طلاق وخلع في النصف الأول من العام الحالي، أي بمعدل 240 حالة يومياً و10 حالات في الساعة. وأشارت إلى أن عدد الحالات في الجزائر يرتفع بشكل متسارع، إذ بلغ 100 ألف عامي 2020 و2021 بعد أن كان 68 ألفاً في 2019.
لن يكون صعبا تحليل هذه الأرقام، لأن منحناها المتصاعد يعكس خطورة الامر، لأننا نتحدث هنا عن الاسرة، فعندما يحدث الانفصال داخلها سيكون بمثابة زلزال تكون هزاته الارتدادية أكثر وطئاً على افراده، لأننا سنواجهها بعد سنوات من حدوثه في صورة آفات اجتماعية يكون أبطالها هؤلاء الأبناء الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بين فكي رحى صراع أم وأب رفضا «التنازل» لمصلحة أبنائهما، وربما وعلى اقل تقدير سنكون امام تعقيدات نفسية واجتماعية تؤثر على مستقبل الأطفال ومسار حياتهم.
حقيقة ان الخلع في الإسلام حلٌّ مُنح للزوجة للانفصال، لكنه متعلق بشروط واحكام محددة لا يمكن تجاهلها، «ففي مقابل الطلاق الذي يُعتبر حقّاً للرجل، يلجأ إليه في حالة استحالة دوام الحياة الزوجية، أعطت الشريعة الزوجة الحقّ في الخلع، وهو أن تبذل شيئاً من مالها في مقابل افتراقها عن زوجها. وكلّ ذلك يدلّ على حكمة الشرع، وواقعية الإسلام حينما وضع الوسائل والحلول لمشاكل الحياة الزوجية، إذ قد تنفكّ تلك العلاقة بين الزوجين، بسبب غياب الرضا والقبول بين الزوجين لوجود المشاكل بينهما، أو كراهة أحدهما للآخر».
وحتى القانون في الجزائر يمنح الزوجة حق طلب الطلاق إن توفر أحد الأسباب، منها عدم الإنفاق، العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج، أو الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر، الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة والتي يستحيل معها مواصلة العشرة والحياة الزوجية، الغيبة بعد مرور سنة بدون عذر ولا نفقة، ارتكاب فاحشة مبينة، الشقاق المستمر بين الزوجين، مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج في الجزائر، وحسب المادة 53 مكرر من قانون الطلاق الجزائري يجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخلع نفسها بمقابل مالي.