وصف الخبير الاقتصادي والعضو السابق بـ«الكناس” مصطفى مقيدش، إقدام أوربا على تسقيف أسعار الغاز سابقة غير المقبولة، وقرار بيروقراطي معقد وغير آمن.
يقول مقيدش إنّه من الصعب تطبيق هذه الآلية المرتقب أن يدخل حيز السريان، منتصف شهر فيفري المقبل، وأكد الخبير أنّ هذا الميكانيزم يعد أحد الإشكاليات التي ستخلط أوراق السوق، ومن شأنها أن تفضي إلى تسجيل اضطرابات لا يستهان بها عبر أسواق الطاقة، ولم يخف أنّ طرح هذه الآلية من طرف أوروبا أشعلت مخاوفا كبرى وجدية في ظلّ شحّ العرض.
الشعب: تضغط أوروبا بطريقة غير مسبوقة للهيمنة على أسعار الغاز لتتحكم فيها كيفما تشاء، ما هي انعكاسات ذلك على الأسواق؟
مصطفى مقيدش: أرى أنّ محاولة تطبيق القرار الأوروبي القاضي بتسقيف أسعار الغاز يحتاج إلى وقت طويل، على خلفية تحفظ بعض البلدان الأوروبية على غرار هولندا والنمسا وهنغاريا لأنّ تموينها بالكميات الكافية غير مضمون، ولأنّ هذا القرار من المفروض أن يأتي من طرف مؤسسة الضبط والربط الطاقوية الأوروبية، ويصدر في شهر جانفي ويدخل حيز السريان في منتصف شهر فيفري المقبل.
ويمكن أنّ نصف هذا القرار بالغريب وغير المسبوق، لأنّ الدخول إلى الأسواق بهذه الطريقة البيروقراطية غير مقبول على عدة أصعدة، علما أنّ وزير الطاقة الجزائري، صرح وقال إنّه غير مقبول على الإطلاق، لأنه سيمسّ بشكل عميق استقرار الأسواق الطاقوية، وغير معمول به عبر الأسواق من قبل، وكذلك لا يندرج ضمن تقاليد المشهد الطاقوي.
وفيما يخص سلسلة التأثيرات المرشح أن يسجلها هذا القرار الغريب وغير المسبوق، أعتقد أنّنا في الوقت الراهن نتواجد بسوق ليس الطلب من يفرض سقف أسعار معين، على اعتبار أنّ سوق الغاز في العالم ضيق ولا يحتمل المزيد من التضييق، لأنّ العرض يشكل إشكالية جدية، وكون تغيير الطلب لا يفرض بأيّ صفة تسقيف الأسعار لأنه غير مقبول بشكل نهائي.
ما مصير العقود التي أبرمتها الدول المنتجة مع زبائنها في السابق ومن بينها عقود طويلة الأمد؟
يمكن القول إنّه على ضوء التقاليد، توجد مفاوضات مع الأطراف المعنية أيّ المنتجين والمستهلكين، وتفيد أنّ الأسعار مرتبطة بالأسواق والعلاقات الموجودة بين الأطراف، وعلى سبيل المثال عقود الجزائر المبرمة على مدى العشر سنوات المقبلة، لا يمكن فرض بطريقة بيروقراطية وغير معمول بها في التجارة الدولية آليات جديدة، لذا هذه الميكانيزمات لن تكون فعالة بالنسبة للمصالح الأوروبية، والأخطر من ذلك ستخلق العديد من المشاكل الجديدة عبر الأسواق، لأنّ المصدرين والمستهلكين لن يقبلوا بها، كونها لن تحلّ مشاكل الأسعار وتحديات سقفها التصاعدي، وإلى جانب أنّها لن تتمكن من تغطية الحاجيات والطلب الأوروبي على وجه الخصوص، وفوق كلّ ذلك لم يسجل أيّ تشاور أو تنسيق بين متخذي القرار ونظرائهم من البلدان المنتجة للغاز، أيّ بلدان خارج المنتج الكبير بالعالم والمتمثل في روسيا، لذا نعتبر أنّ هذا القرار يكشف عن عدم الشفافية التامة حول انعكاسات هذا القرار الغريب.
إجراء معقّد يُفقد السوق توازنها..برأيك كيف تتوقعون على أرض الواقع ردّة فعل بعض الدول الأوروبية، الرافضة للقرار وكذا الدول المنتجة المنضوية تحت لواء منظمة عالمية للمنتجين؟
أعتقد أنّ بعض البلدان مثل هولندا والنمسا وهنغاريا، امتنعوا عن التصويت على هذا القرار لأنه غير مقبول، ولهذا يتأكد أنّ هذا القرار لن تكون له قوة سياسية واقتصادية وقابلية من طرف معظم الدول، خاصة المصدرين، على اعتبار أنه تقنيا هذا الميكانزم معقد في مسار تطبيقه أو عملية تجسيده على أرض الواقع، أيّ بالنسبة لأسعار الغاز السائل أو الغاز المنقول عبر الأنابيب لأنهما مختلفان، ومن أجل كلّ ذلك ينبغي إعادة النظر في القرار أو الطريقة الغريبة، علما أنّ المنظمة الدولية التي ينضوي تحت لوائها منتجو الغاز، ستتخذ موقفا بالنسبة لموقف وقرار لا يندرج ضمن الأطر والممارسات التقليدية في المبادلات الغازية أو الطاقوية، خاصة أنّ هذا القرار أو الإجراء سجل ببلد ليبرالي كبير، وهذا من شأنه أن يغير ويحد من استقلالية الأسواق بأوروبا، وفوق ذلك لن يكون أكثر أمانا واستقرارا للمستهلكين، كونه يعقد من إشكالية تموين الأسواق بالغاز في حالة تنفيذه، وللإشارة فإنّه مرتبط بالتقرير الذي تعكف على إعداده منظمة ضبط الغاز على مستوى الاتحاد الأوروبي، شهر جانفي الداخل، لأنّه بعد دخول القرار حيز التنفيذ يصبح السريان فاعلا ومعمولا به في هذا المجال.
استبعاد افتكاك موافقة الدول المنتجة ما هي التحديات المنتظر أن تواجهها السوق والعرض والطلب خلال عام 2023، وما الفرق بين الغاز المميع والمنقول عبر الأنابيب في هذه الحالة؟
يرشح أن تطفو إلى السطح مشاكل تجارية على وجه الخصوص، لأنّ العقود المبرمة على الأمدين المتوسط والطويل، ولا يمكن تغيير الأسعار في ظل وجود عقود، لأنها تعد خرقا وتجاوزا للعلاقات التجارية القائمة بين الطرفين أي المنتج والمستهلك. وعلى صعيد آخر، فإنه لا فرق بين الغاز المميع أو المنقول عبر الأنابيب، لأنّ كلّ ذلك يترك تطبيق عملية التسقيف صعبة للغاية بالنسبة لدول القارة الأوروبية، الذين يحاولون الضغط والهيمنة على الأسعار، لكنّ هذه الخطوة مرفوضة وغير مقبولة في لغة العرض والطلب، وإلى جانب ذلك مستبعد أن يحصلوا على موافقة الدول المنتجة، إلى جانب تسجيل ضغط من طرف المستهلكين فيما يخص الشركات الكبرى المستهلكة ولديها عقود خاصة مع المصدرين، وتربطها حلول تفاوضية، ومن بين التحديات التي ستخلط أوراق السوق، نذكر ترقب اضطرابات عبر أسواق الطاقة وهذا ما يعد تخوفا جديا قائما في الوقت الحالي.
ما هي الحلول الممكنة في الوقت الحالي التي يمكن أن تلجأ إليها الدول المنتجة لمواجهة هذا القرار الصادم؟
يجب الإشارة إلى مقترح نصّ على ضرورة الاستثمار في الدول المنتجة للغاز، والذي يعد حلا مهما وواعدا بل الحلّ الأمثل لحلّ أزمة الغاز التي تعصف بالأسواق وبالقارة الأوروبية على وجه الخصوص، وليس اللجوء إلى الضغط بآليات بيروقراطية بحتة، ستصطدم بعديد من المشاكل وتدخل الأسواق بدوامة، وفي هذا المقام، يمكن الاستفادة من تجربة الشراكة الجزائرية والإيطالية في إنتاج الغاز وتسويقه، أي وفق إستراتجية استفادة المنتج المصدر وبالتالي المستهلك يؤمن التموين بما يحتاجه.
وبالنظر إلى واقع الأسواق، يمكن إثارة تحدي وجود أسواق أخرى غير أوروبية محتاجة للغاز، تتطلع للشراكة مع الجزائر ودول أخرى منتجة للغاز، ولن تعمل بهذا الميكانيزم الأوروبي، علما أنّ الطلب والعرض قبل التسقيف يواجه العديد من الضغط، لأنّ الكميات المعتبرة من الغاز المتدفقة من روسيا والتي تغطي طلب ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ودولا أخرى تقلصت بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وغلق خط الأنابيب نورد ستريم 1 و2.