عملت الجزائر طيلة عام 2022 على لم شمل العرب، وبناء علاقات عربية-عربية قوية لا تتأثر بمتغيرات خارجية محيطة بالعالم العربي، ولم تتوان دبلوماسيتها في وضع القضية الفلسطينية على رأس قضايا دراستها القمة العربية بالجزائر، إضافة إلى الاتفاق على ملفات في قمة “لم الشمل العربي”.
ظهرت بوادر جهود الجزائر الحثيثة في لم شمل العرب، شهورا قبل انعقاد القمة العربية بالجزائر، حيث كثفت دبلوماسيتها عن طريق وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، اللقاءات الثنائية مع نظرائه العرب بغية تقريب وجهة نظرة الجزائر من تنظيم القمة التي تأجلت ثلاث سنوات بسبب جائحة “كورونا”، النابعة من “التاريخ والمصير المشترك، وتحويل هذه التحديات إلى دافع بهدف ترتيب البيت العربي”.
ولأن السياسة الخارجية الجزائرية في مثل هكذا ملفات معروفة بعدم الرجوع إلى الوراء، كان لزاما على القيادة العليا بالعمل على تقريب وجهات النظر بين دول الأعضاء في الجامعة العربية، وما يُترجم ذلك مرافعة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لاسترجاع جامعة الدول العربية مكانتها على الساحة الدولية والاضطلاع بدورها كمنظمة عربية “قوية ومؤثرة” لتمكينها من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، خدمة لتطلعات وآمال الشعوب العربية ولاستقرار المنطقة.
وقال الرئيس تبون، في الكلمة الختامية، إن القمة شكلت محطة هامة لتعزيز العمل العربي المشترك، حماية لمصالحنا المشتركة، في حين أعرب عن امتنانه لنجاح أشغال القمة الجزائر، وأشاد رئيس الجمهورية بالآراء والمبادرات التي تم التوافق عليها وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ليضيف: ”قمة الجزائر شكلت محطة هامة لتعزيز العمل العربي المشترك والقرارات الطموحة التي اتفقنا عليها تدفعنا لمضاعفة الجهود”.
وينبع سعي الجزائر لإيجاد مخارج للأزمات المطروحة على الساحة الاقليمية ولتعزيز التلاحم العربي من أسس ومبادئ سياستها الخارجية، التي تتسم بالحكمة ومناصرة الحق والعدالة وتغليب لغة الحوار والتفاهم، كما أن اختيارها لانعقاد القمة العربية في تاريخ الفاتح من نوفمبر، المصادف لاندلاع الثورة التحريرية، ينطوي على دلالات نابعة من مبادئها الثابتة التي عبر عنها بيان أول نوفمبر 1954 والمتعلقة بحق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها.
وأظهرت تدخلات ممثلي دول عربية في اجتماع القمة توافقا بشأن ضرورة العمل العربي المشترك بغرض مجابهة التحديات والأزمات الكبيرة، التي يواجهها العالم في الوقت الحاضر، من ارتفاع أسعار الغذاء في العالم وشح المياه بسبب التغيرات المناخية، وأكد ممثلو قادة دول أن دعم فلسطين واجب على كل العرب، ما يتطلب زيادة الجهود من أجل إقامة دولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف.
الجزائر تجمع الفرقاء الفلسطينيين
عشية الاحتفال بستينية الاستقلال، جمع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في لقاء وُصف بالتاريخي، رئيس الدولة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، بالجزائر، ما مهد لأرضية حوار فلسطيني–فلسطيني يُحسب للجزائر التي واصلت في دعم القضية الفلسطينية في اجتماع القادة العرب بالجزائر يومي 1 و2 نوفمبر المنصرم.
ونجحت الجزائر قبل أيام من انعقاد القمة العربية، في لم الشمل الفلسطيني على أرض الجزائر، بعدما ظلت الفصائل الفلسطينية منقسمة ومتنافرة مدة 15 عاما، حيث بادر الرئيس تبون إلى دعوة ممثليها للمشاركة في “مؤتمر لم الشمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية”، في محاولة للتوصل الى اتفاق قبل القمة، وهي مبادرة توجت يوم 13 أكتوبر الماضي بما سمي بـ “اعلان الجزائر”، الذي يضع حدا للانقسام وسيكون بمثابة أرضية صلبة لتحقيق الوحدة بينها.
ولقيت هذه المبادرة اشادة فلسطينية ودولية واسعة، حيث وصفتها الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق المصالحة، بـالانتصار الكبير للقضية الفلسطينية، معربة عن تقديرها لجهود ودور الجزائر والرئيس تبون في لم الشمل الفلسطيني.
الإصلاح بين الفرقاء ليس غريبا على الجزائر
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية، إدريس عطية، إن مبادرة الصلح التي تبنتها الجزائر بقيادة الرئيس تبون، ليست غريبة على السياسة الخارجية الجزائرية، المعروفة بمثل مبادرات كهذه، منذ سنوات طويلة، مشيرا في تصريح لـ”الشعب أونلاين”، إلى أن الجزائر لمت شمل القادة الفلسطينيين المؤثرين في الساحة السياسية الفلسطينية في الوقت الحاضر، في خطوة تُحسب للجزائر، بعد أن عجز كثيرون عن تحويلها الى واقع يخدم الفلسطينيين.
وبخصوص علاقة الجزائر بالقضية الفلسطينية حاليا، يؤكد المتحدث أنها قوية مثلما كانت في وقت سابق، وما يوضح ذلك هو “تأسس دولة فلسطين بالجزائر، ومن الجزائر سينطلق وهج المقاومة المُوحدّة في الأراضي المحتلة، والتاريخ سيكتب مجددا أن الجزائر كانت ولازالت مكة الثوار”، ويرى المتحدث أن استمرار الصلح بين الفىسطينيين، يتطلب إرادة سياسية قوية وقرارا فلسطينيا تكون غايته فلسطين وليس مصالح حزبية وشخصية ومنافع مالية، ويضيف: “أملنا نجاح الدور الجزائري، طبعا، في رؤية جبهة فلسطينية موحدة تقاوم الاحتلال الصهيوني”.