ميز المشهد الاقتصادي الجزائري، سنة 2022، حركية اقتصادية غير مسبوقة وملامح انتعاش اقتصادي، عكستها أرقام وخطوات لم تبلغها البلاد سابقا، خاصة ما تعلق بملف التجارة الخارجية ونسبة النمو الاقتصادي وإعادة تفكيك ملفات اقتصادية هامة.
في أواخر سنة 2021 أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أن 2022 ستكون سنة اقتصادية محضة يتم فيها التكفل بملفات من شأنها تحقيق إقلاع اقتصادي للبلاد.
وركز الرئيس تبون على تشخيص وضع التصنيع في الجزائر من خلال المراحل التي مر بها، وقال إن “الوضع الراهن الذي آلت إليه الصناعة في بلادنا ليست قدرا محتوما بل هو وضع، وإن كان يستعصى التحكم في بعض جوانبه، يمكن تصويبه عاجلا باتخاذ التدابير اللازمة من اجل القضاء التدريجي على أسباب الفساد وهدر المال العام وتطهيره من مخلفات هذه الظواهر”.
ملف السيارات..
في هذا السياق، تميزت سنة 2022 بفك واحد من أكثر الملفات إثارة للجدل وسط الجزائريين في آخر 3 سنوات، ويتعلق الأمر بملف تركيب وتصنيع السيارات، حيث بلورت الحكومة إستراتيجية عمل متكاملة، ترتكز على رؤية اقتصادية استشرافية وبراغماتية، يعوّل عليها لإرساء بنية تحتية وقواعد صناعة متينة ذي قيمة مضافة لاقتصاد البلاد.
بعد مراجعة الأطر التشريعية وتصويب المساعي ، والعمل على إيجاد حلول وتصورات ناجعة لملف سجل تجاوزات كثيرة في السابق، تحسبا لخوض تجربة جديدة على أسس صحيحة، أمر الرئيس تبون بفتح المجال أمام المواطنين لاستيراد السيارات، أقل من ثلاث سنوات بإمكاناتهم المالية ولحاجياتهم الخاصة، وليس لأغراض تجارية.
إضافة إلى فسح المجال للشركات الأجنبية المصنّعة لاستيراد السيارات، لبيعها في الجزائر موازاة مع المتابعة الميدانية لإقامة صناعة حقيقية للسيارات، في الجزائر وفي أقرب الآجال، فضلا عن تقديم دفتر الشروط الخاص بوكلاء السيارات، في اجتماع مجلس الوزراء المقبل، للحسم فيه، قبل نهاية السنة.
وإلى جانب الإفراج عن دفتر شروط استيراد وتصنيع السيارات، توجت هذه القرارات بتوقيع اتفاقية إطار بين وزارة الصناعة ومجموعة “ستيلانتيس” رابع أكبر مجموعة لصناعة السيارات في العالم تضم علامة “فيات”، يقام بموجبها مشروع لصناعة وإنتاج مركبات علامة “فيات” في الجزائر وتطوير الأنشطة الصناعية وخدمات ما بعد البيع وقطع الغيار لهذه العلامة، وفق ما اتفق عليه الجانبان.
ومن مرتكزات إعادة ترتيب ملف المركبات، وفق خبراء، أولويات اقتصادية محضة، على رأسها تحسين مناخ الأعمال في إطار تشريعي جديد ينظم الاستثمار ويشجع التصنيع المحلي، سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب، إلى جانب مراجعة دقيقة لدفتر الشروط الخاص بالاستيراد والتركيب.
مؤشرات..
وعلى صعيد التجارة الخارجية، حققت الجزائر إلى غاية نهاية شهر نوفمبر، صادرات خارج قطاع المحروقات فاقت 6 مليار دولار، حسب ما أكده وزير التجارة وترقية الصادرات، كمال رزيق.
هذه الأرقام، وفق تصريحات رزيق، من الممكن أن تتضاعف خلال 2023 لتبلغ صادرات البلاد أكثر من 15 مليار دولار، مع اعتماد سياسة تجارة خارجية المعتمدة حاليا تهدف إلى ضبط وترشيد الواردات، وليس كبحها، كما تحاول بعض الأطراف المغرضة الترويج له.
وينتظر أن يفوق فائض الميزان التجاري للجزائر، مع نهاية هذه السنة، 17 مليار، بعدما سجل فائضا قدره 14 مليار دولار في نهاية أوت الماضي، حسب أرقام قدمها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، إضافة إلى تسجيل ارتفاع محسوس في احتياطي الصرف متجاوزا النسبة التي كانت مرسومة له.
وأشارت تقارير دولية صادرة عن هيئات مختلفة إلى تحسن ملحوظ في مؤشرات الاقتصاد، اذ رفع صندوق النقد الدولي من توقعاته بخصوص نمو الاقتصاد الجزائري في سنة 2022 إلى 4،7 بالمائة أي ضعف توقعاته السابقة التي كانت تراهن على نمو بنسبة 2،4 بالمائة.
وحسب تقريره حول الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر بمناسبة انعقاد الاجتماعات السنوية المشتركة مع البنك العالمي، شهر أكتوبر، فان نسبة النمو المتوقعة ارتفعت بـ2،3 بالمئة مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي في أفريل المنصرم.
ووفق تقديرات الصندوق، جاءت الجزائر في الفئة الثانية بـ4.7 % من نمو الناتج المحلي الإجمالي عند نهاية السنة الجارية، وحلّت في خريطة النمو ضمن الدول التي تتراوح نسبها بين 3 و6 %، مثل: الصين، كندا، أستراليا وتركيا.
وتتصدر الجزائر اقتصاديات المغرب العربي من حيث نسبة النمو، مقارنة بدول تونس، المغرب، ليبيا، موريتانيا.
قانون استثمار جديد
ومن بين “المحاسن” الاقتصادية التي ميزت 2022، صدور تشريع جديد للاستثمار “قانون الاستثمار”، الهادف إلى دعم وتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني ورفع قدرته على التصدير، إلى جانب ترسيخ حرية الاستثمار، والشفافية والمساواة في التعامل مع الاستثمارات.
وترمي أحكام هذا القانون إلى “تشجيع الاستثمار، بهدف تطوير قطاعات النشاطات ذات الأولوية وذات قيمة مضافة عالية وضمان تنمية إقليمية مستدامة ومتوازنة وتثمين الموارد الطبيعية والمواد الأولية المحلية و إعطاء الأفضلية للتحويل التكنولوجي وتطوير الابتكار واقتصاد المعرفة.
وتضمن القانون الجديد إنشاء لجنة وطنية عليا للطعون المتصلة بالاستثمار، لدى رئاسة الجمهورية، تكلف بالفصل في الطعون التي يقدمها المستثمرون، ومراجعة دور المجلس الوطني للاستثمار.
إضافة إلى إعادة تشكيل الوكالة الوطنية للاستثمار وتغيير تسميتها إلى “الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار”، مع منحها دور المروج الحقيقي والمرافق للاستثمارات داخل الوطن وخارجه.
وإنشاء شباك وحيد ذي اختصاص وطني بصفته منسقا وحيدا للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية، بما يسمح بالتكفل الأمثل بهذه المشاريع الاستثمارية.
ويشير خبراء إلى أن مرافقة النموذج الاقتصادي الجديد بقانون استثمار مرن ومشجع، يعتمد أيضا، على تبسيط الإجراءات وتذليل كافة العراقيل، وهذا ما أمر الرئيس تبون بـ “تعزيز صلاحيات الشبّاك الوحيد، في معالجة ملفات الاستثمار، ضمن آجال محددة”.
ويركز مضمون القانون الجديد إلى تبسيط الإجراءات وتعزيز صلاحية الشباك الوحيد، وتوسيع العمل بالرقمنة من أجل القضاء على كافة أشكال البيروقراطية.
ومواصلة لمساعي تحقيق الإنعاش الاقتصادي وتنويع مصادر دخل الخزينة العمومية، اتخذت السلطات العليا في البلاد قرارات عديدة تخص دعم قطاعات الطاقات المتجددة، الفلاحة، الموارد المائية، السياحة، آخر القرار المتعلق بإقرار تدابير جديدة تخص منح السياح الأجانب تأشيرة تسوية لدى وصولهم إلى الحدود الجزائرية أو مطارات بولايات الجنوب، بدل الإجراءات التقليدية المعمول بها سابقا.