يصف الجزائريون، سياسيّون كانوا أم خبراء متخصّصون في مجالات شتى سنة 2022، بأنها عام “الانتعاش الاقتصادي”، وسنة اجتماعية بامتياز، من خلال تحقيق قفزات تاريخية وتحقيق أرقام “طموحة” تخصّ تعافي الدينار ومحاربة الريع، مع تحقيق الرهان الأكبر بالنسبة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، متمثلا في معالجته للملف الاجتماعي الذي كان له الأثر البالغ على عموم الجزائريين بتحسين القدرة الشرائية لهم، بإقرار زيادات جديدة في الرواتب.
عرفت سنة 2022 أحداثا متنوعة على الصعيدين الرياضي والدبلوماسي والسياسي، جعلتها سنة مميّزة جدا.
القمّة العربية..الحدث العربي
كانت الدورة 31 للقمة العربية بالجزائر المنعقدة في أول نوفمبر 2022، والمتوجة بـ “إعلان الجزائر”، من أبرز القمم العربية نجاحا لحضورها النوعي العربي بتواجد 15 زعيما عربيا على أرض الشهداء، وبحضور دولي على رأسهم الأمين الرئيس السنغالي، الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، ماكي سال، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وإلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان، رئيس حركة عدم الانحياز، كضيوف شرف بالقمة، فضلا عن القرارات التي اتخذت من أبرزها القضية المحورية القضية الفلسطينية، وتعزيز العمل العربي المشترك فيما يخص الأوضاع في الوطن العربي والوضع الدولي، وضرورة مواكبة العرب لكل المتغيرات الحاصلة.
لقاء تاريخي فلسطيني في الجزائر
وكان قصر الأمم بنادي الصنوبر خلال سنة 2022، شاهدا على توقيع “إعلان الجزائر”، خلال مؤتمر لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، الذي كان بمثابة أرضية صلبة لتحقيق الوحدة بين مختلف الفصائل الفلسطينية التي حقّقت توافقا غير مسبوق خلال هذا المؤتمر. في خطوات جزائرية رامية لتحقيق الوحدة بين أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، بما يساهم في تحقيق تطلعاته وحقوقه المشروعة، ويكرس مبدأ الحوار والشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية.
استعراض عسكري ضخم
واحتفالا بالذكرى الستين لاسترجاع السيادة الوطنية، عاش الجزائريون أكبر وأضخم استعراض عسكري للجزائر، نظّمه الجيش الوطني الشعبي، تحت إشراف رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، عبد المجيد تبون، حيث جابت أفتك الأسلحة المتطورة التي يملكها الجيش الوطني الشعبي، الطريق الوطني رقم 11، المحاذي لجامع الجزائر نحو حي مختار زرهوني بالمحمدية، بحضور رؤساء ووفود عدة دول شقيقة وصديقة.
وكان العرض العسكري عبارة عن أسلحة حقيقية متطورة جدا، على غرار صواريخ “إس 500” التي تعتبر أشد فتكا، في ظل ظهور تناسق بين القوات البرية، الجوية والبحرية، حيث بدأ الاستعراض بالسلاح الجوي، ثم البري وهو القوة الضاربة للجيش الوطني الشعبي، وأخيرا القوات البحرية التي تستلهم قوتها من ماضيها، وكان الاستعراض وفق خبراء بمثابة رسائل يجب أن يفهمها المحيط الإقليمي والدولي، وما احتفالات 60 سنة من استقلال الجزائر، خير دليل على ذلك، بعدما جمعت الشمل بين الجانب التاريخي، الرياضي، السياسي والاقتصادي، معطية صورة ناصعة عن عهد الجزائر الجديد.
رفع مداخيل وأجور الجزائريّين
عمل رئيس الجمهورية خلال سنة 2022، على تحسين القدرة الشرائية للجزائريين لقرابة 3 ملايين موظف، من خلال إقرار زيادات جديدة في الأجور على مدى سنتين 2023ــ 2024، خلال قانون المالية لسنة 2023، حيث تتراوح هذه الزيادات بين 4500 دج إلى 8500 دج، لتصل في حدود 50 بالمائة من الزيادات المرتقبة خلال سنة 2024، بعد سلسلة إجراءات مسّت أجور الجزائريين خلال الثلاث سنوات الماضية. كذلك تمّ إقرار زيادة في معاشات ومنح التقاعد لتصبح أدناها 15 ألف دينار، ومن المتقاعدين من تضاعفت منحته 200 بالمائة، وهذا بالرغم من ظروف اقتصادية عالمية متغيرة، على ضوء التحولات الجيوـإستراتيجية.
تأسيس منحة للبطالة..الاستثناء
لأوّل مرة في تاريخ الجزائر، قرّر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تخصيص منحة للبطالين، حيث صنع الاستثناء، ليس لهذا فقط، بل لأن قيمتها ارتفعت مرتين خلال سنة 2022، بعد توقيعه لقانون المالية لسنة 2023 منذ أيام قليلة فقط، وتضمن هذه المنحة تغطية صحية وتكفلا كليا من الدولة برسوم المنحة، كما يستفيد منها أكثر من 1.9 مليون جزائري، حيث كلّفت الخزينة العمومية مبلغ 1.5 مليار دولار، وهذا لصون كرامة الشباب في انتظار الحصول على منصب عمل دائم. كما جاءت هذه المنحة بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي عرفتها الجزائر.
ترسيم 60 ألف أستاذ
لعل ما ميّز نهاية العام 2022 قرار أعلن عنه مؤخرا رئيس الجمهورية، يقضي بترسيم جميع الأساتذة المتعاقدين البالغ عددهم 60 ألف أستاذ قبل نهاية فيفري المقبل، وحلّ بذلك مشكلا شائكا أرّق الأساتذة لسنوات، وتقرّر بأن لن يتم مستقبلا الاعتماد في التوظيف على التعاقد من جديد.
فرص ذهبية للموظّفين
تمّ خلال السنة الجارية 2022، منح الموظفين إمكانية إنشاء مؤسسة وفق القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، وتكريسا لحق الاستفادة من عطلة لإنشاء مؤسسة بالنسبة للموظفين أو المتعاقدين الإداريين، من أجل خوض تجربة استثمارية مع إمكانية لعودة الى المنصب في غضون سنة واحدة في حال عدم النجاح في خوض التجربة المقاولاتية، أمر فتح شهية الجزائريين لخوض تجارب استثمارية بعيدا عن رتابة الوظيفة والإدارة.
استرجاع 20 مليار دينار من الأموال المنهوبة
كانت سنة 2020، عنوانا لتجسيد التزام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، باسترجاع الأموال المنهوبة، في إطار مواصلة محاربة الفساد من خلال استرجاع ما يعادل 20 مليار دولار داخل الوطن، لتبقى عملية استرجاع باقي الأموال المهربة متواصلة، حيث أكد الرئيس تبون مؤخرا أنّ هناك “أموال ضخمة تم تهريبها إلى الخارج خلال فترة امتدت من 10 إلى 12 سنة، وهناك ممتلكات ظاهرة في شكل فنادق 5 نجوم وغيرها حتى أنّه تم تبليغنا رسميا من أجل تسليمها إلى الجزائر بالأخص من طرف الدول التي كانت مقصدا للتهريب ومنبعا لتضخيم الفواتير”، خاصة وأنّه قال إنّ بعض الممتلكات “وضعت في خزائن خاصة في سويسرا وليكسمبورغ والجزر العذراء”.
دعم تكاليف الحج
اتّخذ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قرارا بخفض سعر تذكرة الحج بـ 10 مليون سنتيم، بعد العودة الى أداء الفرض الديني للمرة الأولى بعد جائحة كورونا، حيث لاقت هذه الخطوة ترحيبا واسعا من قبل المقبلين على أداء فريضة الركن الخامس من الإسلام.
ألعاب متوسّطية ناجحة
نجحت الجزائر خلال سنة 2022 في تنظيم الطبعة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران، (25 جوان – 6 جويلية)، حيث اعتبرت بشهادة من حضرها من الوفود الأجنبية، واحدة من أبرز طبعات هذه الألعاب، وكان الرئيس تبون قد أعطى إشارة افتتاح هذه الألعاب، التي شارك فيها 3.390 رياضي من 26 دولة، وجاء حفل الافتتاح عالميا، عكس صورة الجزائر وحاكى تاريخها العريق ومكانتها الحضارية الهامة في الضفة المتوسطية عبر عرض فني متكامل استعملت فيه أحدث التكنولوجيات.
وحظيت الدورة بترحيب وإشادة كبيرين من الهيئات الرياضية والإعلامية الدولية، وقد نوّه رئيس اللجنة الدولية للألعاب المتوسطية دافيد تيزانو بالجهود التي بذلتها الجزائر من أجل إنجاح هذه الطبعة التي تنظم بعد 47 عاما من الدورة الأولى التي نظمتها الجزائر في 1975 بالعاصمة.
تعافي قيمة الدينار لأوّل مرة منذ عقود
من أبرز الأحداث التي شهدتها الجزائر خلال عام 2022، تحقيق الدينار الجزائري خلال الأشهر الأخيرة قفزة مفاجئة وتاريخية، أمام العملات الأجنبية ــ الدولار والأوروــ لدى البنوك، وظهرت هذه المؤشرات منذ السادس من سبتمبر الماضي، إذ حقّق مكاسب تاريخية لم يشهدها منذ تسعينات القرن الماضي، حيث واجهت العملة الوطنية ضربات متكررة، وكان خبراء قد شددوا على أن هذا الارتفاع الذي سجله الدينار الجزائري مقابل اليورو والدولار، بشكل لافت خلال 2022، ساهم في امتصاص التضخم ورفع القدرة الشرائية للمواطنين مع تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني.
الميزانية الأضخم منذ الاستقلال
اعتمد في قانون المالية لسنة 2023، ميزانية غير مسبوقة منذ استرجاع الاستقلال، وهو ما شكّل دليلا على حرص الرئيس عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية على الدفع قدما بعجلة النمو الاقتصادي وتكريس الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية، حيث تصل نفقاتها إلى 13 ألف و786 مليار دينار، موزّعة بين نفقات التسيير (9.767 مليار دينار) بارتفاع قدره 27 بالمائة، ونفقات التجهيز (4019 مليار دينار)، بزيادة 2.7 بالمائة، وأكّد وزير المالية خلال عرضه للمشروع سالف الذكر، أن التدابير التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2023 ستعطي ديناميكية جديدة للاقتصاد الوطني، وتعزّز جهود الدولة في مجال السياسة الاجتماعية.
وتمّ التركيز على تعزيز الإجراءات التي أقرتها الحكومة من أجل ضمان تشجيع ودعم الاستثمار لتنويع النشاط الاقتصادي، الحفاظ على المكاسب الاجتماعية وتحسين القدرة الشرائية واحتواء التضخم، واسترجاع التوازنات المالية الداخلية والتمويل الداخلي للاقتصاد، مع مواصلة رقمنة قطاع المالية وتحسين نوعية الخدمة العمومية.
تنظيم الإحصاء السّادس للسكان
نظّمت الجزائر خلال سنة 2022، عملية الإحصاء السادس للسكان والإسكان في الجزائر، حيث تم الاعتماد فيها ولأول مرة على الألواح الرقمية التي بلغ تعدادها 57 ألف لوحة رقمية، عوض الوسائل التقليدية وهي الأوراق، وتمّ تجنيد أكثر من 52000 عون مكلف بالإحصاء، وحوالي 8000 عون مراقب و3000 مكون، علما أن هذه العملية الإحصائية تأتي بعد آخر إحصاء للسكان عرفته الجزائر منذ سنة 2008.