يعرض البروفيسور إبراهيم كيشو، أخصائي طب القلب والشرايين، ورئيس الجمعية الجزائرية لطب القلب، في حوار لـ«الشعب» أهمية منح كل المواطنين الجزائريين على السواء ـ أينما وجدوا ـ الحق في التكفل السريع والفعّال بكل الحالات المتعلقة بالسكتة القلبية، ما يسمح بالحد من ارتفاع نسبة الوفيات التي بلغت في بلادنا أزيد من 14000 حالة سنويا.
يستدعي ذلك توفير كل التقنيات الطبية العلاجية الحديثة حتى يكون التدخل في الوقت المناسب ناجعا لتفادي حدوث تعقيدات خطيرة لمرضى القلب والشرايين، خاصة السكتة القلبية. في هذا الصدد بالذات، اعتمدت وزارة الصحة الوطنية، السنة الماضية، مخطط «ستامي» كحل تنظيمي يصبّ في مسعى مساندة ودعم مقترح ذات الجمعية.
وزارة الصحة تُرافق مخطط «ستامي» لمرضى القلب بهدف تكفل أسرع وفعّال
«الشعب»: فيم تتمثل الوضعية الحالية لأمراض القلب ببلادنا؟
البروفيسور إبراهيم كيشو: في السنوات الأخيرة، سجلنا تزايدا كبيرا في عدد الإصابات المتعلقة بأمراض القلب في بلادنا، خاصة لدى فئة الشباب، مثلنا مثل باقي دول العالم. ووصل عدد الوفيات على المستوى الوطني إلى ما يفوق 14000 وفاة سنويا. وهناك عدة أسباب نذكر على رأسها احتشاء عضلة القلب أو ما يسمى بالسكتة القلبية، التي أصبحت تمثل السبب الأول والرئيس لوفاة الجزائريين، بالرغم من تطور وتوفر التكفل العلاجي المستحدث في السنوات الخمس عشرة الأخيرة عندنا، مقارنة بما يمارس في الدول المتطوّرة، لاسيما من ناحية نوعية العلاجات المقدّمة في مستشفياتنا بالنسبة للتكفل بمرضى القلب والشرايين. نذكر من بين هذه العلاجات المتوفرة استخدام أحدث الأدوية العلاجية، إضافة إلى ذلك توفر تقنيات التدخلات العلاجية في معظم مستشفياتنا الجامعية والتي يسهر عليها دكاترة في طب القلب التداخلي الذي أصبح اختصاصا قائما بحد ذاته يشمل تطبيق كل التقنيات الحديثة بكل حيثياتها ويمثل فرع من فروع طب القلب، حيث أصبحت ممارسة التدخل العلاجي لا تحتاج للجراحة بالدرجة الأولى، كما كان معمولا به في السابق (باستثناء الحالات الخاصّة). اليوم، أصبحنا في هذا الميدان نلجأ إلى التخدير الموضعي حيث نقوم على سبيل المثال بفتح الشريان المسدود ونقوم بوضع الدعامة القلبية le stent إذا استلزم الأمر ذلك، حتى نحمي حياة المريض، فضلا عن كونها أهم التقنيات المتوفرة في ميدان طب القلب على المستوى العالمي. ونستطيع أن نقول إننا بالفعل غير بعيدين عن ما هو معتمد في الدول المتطوّرة في هذا الاختصاص، ما جعلنا نقترح تقنيات وحلولا علاجية على مرضانا لتوفرها على المستوى الوطني مقارنة بما هو مُتاح من تخصصات في طب القلب التي أصبحت بعيدة عن الحلول الجراحية التي كانت مقترحة سابقا كعلاج وحيد لأمراض القلب فقط.
ما هي التخصصات المعنية بالتقنيات العلاجية الحديثة؟
اليوم تتوفر في بلادنا، على غرار الدول المتقدمة، تخصصات قائمة بحد ذاتها في ميدان طب القلب، كما سبق وأن ذكرت، منها تخصص طب القلب التداخلي الذي يساهم بفضل التطور العلمي المستمر في دعم هذا النوع من العلاجات التقنية التي يمكنها إنقاذ حياة كثيرين من مرضى القلب والشرايين إذا تم اللجوء إليها في الوقت المناسب، وهذا ما يؤكده التكوين المستمر لأخصائيي مرض القلب، مع توفر خبراء وطنيين ودوليين، عن طريق تعميم الاستفادة من احتكاكهم العلمي فيما بينهم من خلال المساهمة في تنظيم ومشاركة دراساتهم وخبراتهم وبحوثهم العلمية في المؤتمرات الوطنية والدولية دوريا وباستمرار لعدة سنوات، مما ساعد على اقتناء كل الوسائل اللازمة المناسبة على مستوى المستشفيات الجامعية والتي توائم هذا التطوّر، لكن تبقى غير معمّمة على كل مناطق التراب الوطني بالقدر الكافي.
هل يمكن لكل المواطنين المعرضّين للسكتة القلبية على السواء – أينما وجدوا -الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة، خاصة أنه في الفترة الأخيرة سُجل تأخر في برمجتها في بعض مستشفياتنا؟
هنا تطرح فعلا إشكالية مهمة جدًا، وهي كيف يمكننا جعل هذه التقنيات الحديثة في متناول كل مرضى القلب المتواجدين عبر أرجاء الوطن. على سبيل المثال، عندما يتعرض شخص لسكتة قلبية أحسن علاج هو فتح الشريان الذي تسبب في احتشاء عضلة القلب، وهذا الإجراء يتطلب التدخل السريع بحيث على أكثر تقدير يجب أن لا يتجاوز التدخل العلاجي 24 ساعة التي تلي حدوث السكتة القلبية، لأنه إذا تم تجاوز هذه المدة الزمنية لا يمكن لهذه التقنية إفادة المريض، لأن الأضرار أصبحت ثابتة والمشكل المطروح، كيف يمكننا نحن كمختصين في طب القلب التدخل بسرعة وجعل المواطن يستفيد من هذه التقنية في الوقت المناسب حتى نجنبه خطر السكتة القلبية.
أما فيما يخص عدم توفر بعض الوسائل العلاجية، يمكننا اعتبار نقص بعض المواد اللازمة لإجراء التدخلات العلاجية عند المرضى المصابين بأمراض القلب، لاسيما في ما بعد وباء كورونا، عادياً، كغيره من الأيام، حيث ممكن تسجيل بعض الاختلال، لكن سريعا ما يتم تدارك الوضعية، وهذا ما حدث فعلا، سجلنا في الفترة الأخيرة نقصا في مواد التباين les produits de contraste التي تعتبر مادة كاشفة ضرورية، لأنها تسمح بالكشف عن الشريان المسدود وسجل النقص في بعض من مستشفياتنا الجامعية، على غرار ما أشار إليه زملائي في المهنة على مستوى مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، لكن لم يدم الأمر طويلا، حيث تم التكفل بالأمر وتوفير هذا المنتج. علما أن أصل المشكل يعود إلى زيادة الضغط على هذه النقاط الإستشفائية نتيجة الإقبال الكبير عليها من حيث ارتفاع عدد المرضى، كما سبق وأن ذكرت سابقا.
إذاً ماذا تقترحون في هذا الإطار لتحسين التكفل الطبي بهذه الشريحة، بالأحرى هل يتطلب الأمر مخططا وطنيا، على غرار ما وضع للتكفل بأمراض السرطان؟
نعم، حاليا أصبح من أولويات طب القلب منح الاستفادة من التقنيات العلاجية الحديثة لأكبر قدر ممكن من المصابين على مستوى كل أرجاء الوطن ومن طرف أكبر عدد ممكن من الأشخاص عبر توفير كل الوسائل التقنية اللازمة. لهذا الغرض، اقترحت جمعيتنا، السنة الماضية، مخططا وطنيا تحت تسمية «ستامي»، كحل للتكفل السريع بالمصابين بأمراض القلب والشرايين المعرضين للسكتة القلبية. ويتم تفعيل الاقتراح كعلاج للوضعية على أرض الواقع، بمرافقة وزارة الصحة وتدعيمها للمقترح، بهدف تخفيض شدّة هذا الضغط، حتى يتمكن بذلك المرضى المتواجدون في المناطق البعيدة، لاسيما في جنوب البلاد أو في المناطق الداخلية، من الاستفادة من هذا النوع من العلاج في الوقت المناسب، مع جعل الأولوية توجه لهؤلاء المرضى عند قدومهم إلى مراكز الاستعجال. ونسعى لمنح هذه الفئة، بفضل المخطط «ستامي»، ربح الوقت بدلا من ترك المريض ينتظر دوره في قاعات الاستعجالات مع باقي الأشخاص الذين ليست لديهم أعراض أخطر، حيث بفضل فرز الحالات وتحديد درجة خطورتها نستطيع تحقيق التكفل السريع، بفضل تطبيق تكنولوجي مفعّل خصيصاً لهذا الغرض، والذي يسمح بالتأكد من حالة المريض ودرجة الخطورة ربحا للوقت حينها تجرى خطوات إجرائية عن بعد من خلال إرسال الوثائق الخاصة بالمريض ويتبادل المختصون المعلومات ويتم قراءتها ومناقشتها مباشرة عن بُعد، وهذا ما يمنح الأطباء اختصارا وربحا في الوقت لتأكيد فعالية التدخل في الوقت المناسب من خلال التعامل مع الأطباء المتواجدين في المراكز الخاصة بهذا النوع من الأمراض، ليتقرر نقل المريض في أقصر وقت ممكن إلى وحدة التدخل.
كيف ساهمت جمعيتكم في وضع اللّبنات الأولى لهذا المشروع؟
لهذا الغرض، كجمعية جزائرية لطب القلب، قمنا بالمشاركة في وضع لبنات أولى لمخطط «ستامي» بمساعدة السلطات العليا في البلاد، من خلال تقديم سجل شامل لكل البيانات المتعلقة بعدد حالات السكتة القلبية ونسبة الوفيات على المستوى الوطني واقتراح كيفية التكفل عاجلا بالمصابين من خلال تجسيد هذا المخطط على عدة مستويات، بفضل التعاون مع وزارة الصحة، التي تبنت مشروع التكقل الاستعجالي وتسهر على تطويره، بتكوين الأطباء الأخصائيين وتدعيمهم بالوسائل التقنية اللازمة لتحسين التكفل بمجمل الحالات ويخصّ التكوين كل أخصائيي أمراض القلب وأخصائيي طب الاستعجالات، خاصة وهم أوّل من يستقبل هذه الحالات ومن يسهر على فرزها وتحديد خطورتها من خلال التواصل مع مراكز التكفل المركزية الخاصة بالإجراءات التقنية اللازمة.
ما مدى الحرص على تطبيق عملية التكفل وما الهدف منها؟
يعمل المشرفون على تطبيق مخطط «ستامي» تدريجيا سعيا منهم لتهيئة عدد كبير من المراكز في المناطق الأربع عبر الوطن، لاسيما في الشرق، الغرب، الشمال والجنوب وتوفير الأطقم الطبية المتخصصة وتدعيمها بكل الوسائل التقنية الضرورية، وذلك مع الحرص على تجسيد التواصل الفعلي لدراسة ملفات المرضى فيما بينهم، بفضل اعتماد تطبيق مقترح يعمل على التعجيل بإجراءات التكفل في الساعات الأولى بعد تحديد نوع الحالة ودرجة خطورتها من حيث احتشاء عضلة القلب، وذلك في انتظار نقل المريض إلى المركز المتخصص حتى يستفيد من التدخل العلاجي في مدة زمنية تقل عن 24 ساعة، باعتبار الإصابة بالسكتة القلبية حالة خطيرة جدًا، وتستدعي الاستعجال في التكفل لا تأخيره، وهذا ما يمثل أهم أهداف جمعيتنا الوطنية لمرض القلب بالدرجة الأولى، حتى نصل إلى تحقيق نسبة كبيرة من المساواة بين المرضى ليتمكنوا من الاستفادة من العلاج ومنحهم الحق في الحياة. فهدفنا أيضا السعي لتحقيق التكفل الكلي بكل حالات السكتات القلبية بالدرجة الأولى في بلادنا، بدون أي استثناء لأي منطقة. لا نريد أن يبقى المريض معزولا في مثل هذه الحالات، لأننا الآن نعمل على مستوى التدخل العلاجي السريع، ليليها في المرتبة الثانية، كبرنامج توعوي خاص بمرض قصور القلب الذي يؤدي إلى خطر الوفاة بدرجة ثانية.
والهدف الأساسي من وضع مخطط «ستامي» هو التعاون مع السلطات المعنية، بحيث يصبح التكفل العلاجي متاحا لكل المرضى، أينما كانوا، والهدف تحقيق المساواة في الخدمات الصحية وترتيب أولوية الأولويات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على حياة الأشخاص.
هل من علاقة بين ارتفاع عدد المصابين بالأمراض القلبية وانتشار جائحة كورونا؟
لا يمكن اعتبار الكوفيد السبب الرئيس لمجمل الحالات التي لدينا فيما يخص السكتة القلبية. فالارتفاع في عدد الإصابات كان مسجلا من قبل. صحيح أن الفيروس تسبب في تعقيدات صحية بالنسبة لمرضى القلب، لكن ثلثي حالات الأزمات القلبية السريرية أصحابها مرضى القلب، بعيدا عن الإصابة بكوفيد. ففي فترة الجائحة واجهنا مشكلين اثنين: أولهما معظم المرضى المصابين بأمراض القلب كانوا يتفادون القدوم للكشف الدوري بالمستشفيات تفاديا للعدوى، مما تسبب في عدد كبير من الوفيات لدى هذه الفئة، إضافة لتعقيدات صحية لديهم. ومعروف علميا، أن كوفيد له علاقة مباشرة مع الإصابة بأمراض القلب والشرايين، بالنظر لتسببه في حدوث مشكل تخثر الدم وتشكل حصاة الدم في الشرايين في مناطق مختلفة من الجسم، مما شكل عامل خطر على المرضى المصابين بأمراض القلب، حيث قد يتسبب في حدوث سكتة قلبية لديهم جراء ذلك، لكن لا يمكن اعتباره السبب المباشر في ارتفاع عدد الوفيات بالسكتة القلبية في الفترة الأخيرة.
ثانيا، هناك عوامل أخرى ينجم عنها هذا المشكل الصحي وقد كان مسجلا من قبل ظهور الجائحة. كما نعلم أيضا، من جهة أخرى، أن أهم سبب في التعقيدات الصحية لدى الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس، هناك من عانوا من تشكل حصى الدم بحيث ساهم ذلك في تسجيل حالات أخرى جديدة تخصّ أمراض القلب والشرايين، بحسب موضع الحصى.
الوقاية أحسن علاج، ما الذي ينبغي فعله على الأمد القصير، خاصة وأن المصابين بالأمراض القلبية أوّل المعنيين بارتفاع نسبة الوفيات في الجزائر؟
تطمح الجمعية الجزائرية لطب القلب، السنة المقبلة، بالتعاون مع وزارة الصحة، بعد تحضير سجل خاص بمرض الفشل القلبي
L’insuffisance cardiaque وهو يأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد الوفيات المسجلة في بلادنا، وهذا بالتعاون مع الوصاية دائما، إلى وضع مخطط ثانٍ تسعى من خلاله لخفض عدد الحالات المسجلة سنويا. والعمل متواصل عبر مراحل نرتب فيها الأولويات في كل مرّة، لأننا لحد الساعة نحاول إيجاد حلول للأمور المستعجلة والأهم إيجاد حلول فعّالة بالطبع، لكننا لم نصل بعد إلى مستوى العمل الوقائي بالمعنى الصحيح للكلمة، لأننا نعالج الوضعية عن طريق إيجاد حلول مناسبة لحد الساعة إلى غاية اللحظة مجرد اقتراحات.