أكّد المستشار في العلاقات الاقتصادية الدولية والأستاذ بجامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية، كرم سلام عبد الرؤوف سلام، أنّ الاقتصاد الجزائري حقّق وثبة نمو متسارعة خلال عام 2022، بفعل التشريعات والقوانين المطبقة من طرف الرئيس عبد المجيد تبون في إطار تنفيذ خطط الإنعاش الاقتصادي الوطني.
الشعب: حقّق الاقتصاد الجزائري نقلة تصاعدية هامة خلال سنة 2022، كيف تفسّرون قفزة معدلات النمو رغم الركود العالمي؟ وما هي أسبابها من وجهة نظركم؟
المستشار في العلاقات الاقتصادية الدولية كرم سلام: حقّق الاقتصاد الجزائري وثبة نمو هامة في عام 2022، وأبان عن تسارع في معدلات نموه بالرغم من الركود الاقتصادي العالمي الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة فيروس كورونا كوفيد-19، مسجّلاً ناتجه الإجمالي المحلي خارج قطاع المحروقات والطاقة نموا بـ 3.2 % مقارنة بمعدل 2.1 % في عام 2021.
ويعود ارتفاع مؤشر نمو الاقتصاد في الجزائر إلى الخطوات الإيجابية المتخذة لتقويم مساره، بدأت بإقرار إصلاحات تنظيمية وهيكلية اقتصادية أدّت لكبح عمليات الاستيراد من الخارج وترشيدها للأساسيات فقط، وأسفرت عن وقف نزيف العملة الصعبة، والدفع عكسيا نحو جلبها للخزينة عبر تشجيع مبادرات تصدير المنتوج الداخلي غير النفطي إلى الأسواق الدولية.
وأسهم ترشيد الإنفاق الحكومي الداخلي بالتوازي مع رفع مستوى الصادرات خارج المحروقات والحد بسرعة من الاستيراد، في استقرار كلي للاقتصاد الجزائري، وتجنّب وقوعه في مآلات وانعكاسات الأزمات السياسية والصحية في العالم.
كما حفّزت سياسات تنويع المداخيل الوطنية وعدم التعويل على إيرادات قطاع الطاقة فقط، المبادرات الإنتاجية الداخلية وإضفاء حركية اقتصادية على كل المجالات، وإرساء قاعدة اقتصادية بعيدة عن المحروقات على غرار الصناعات التحويلية والمناجم والفلاحة، التوجّه نحو الاستغلال الأمثل لأزمة الطاقة الدولية من أجل زيادة المداخيل، واستثمارها في إنشاء وتجسيد مشاريع جديدة منتجة وخلاقة للثروة، وكل ذلك سيعود بالعوائد الإضافية على خزينة الدولة.
ما قراءتكم لمضمون قانون الاستثمار الجديد ومخطط تطوير المؤسسات الناشئة وريادة الأعمال؟
قانون الاستثمار الجديد في الجزائر، يُوفّر بيئة استثمارية ومناخ عمل ملائم مهم لاستقطاب المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين في الداخل والأجانب، وسيكون له أثر إيجابي على الإصلاحات جارية التنفيذ من جهة، وسينجر عنه استحداث صناعات جديدة متنوعة مُحسِّنة للإطار المعيشي للمواطن الجزائري من جهة أخرى.
وعلى ضوء سريان هذا القانون، يَجري تطوير المنظومة المالية الوطنية بما ينسجم مع التعاملات في الساحة الاقتصادية الدولية، بهدف تهيئة الظروف الاستثمارية المثلى والمناخ الجذّاب للمستثمر المحلي والأجنبي.
بالموازاة مع إصدار قانون الاستثمار، أوْلت السلطات الجزائرية لقطاع المؤسسات الناشئة وريادة الأعمال مكانة ضمن مسار الإصلاح الاقتصادي، من خلال التشجيع على إنشاء المؤسسات، تحفيز الإنتاج الداخلي وخلق القيمة المضافة، ذلك أنّ لها دور كبير وفعال في تنشيط الحركية الإنتاجية، وتعزيز مستويات النمو الاقتصادي.
رهان زيادة الصّادرات خارج المحروقات وترشيد عمليات الاستيراد في ظرف وجيز، هل حقّق الغايات الاقتصادية المرجوّة منه؟
راهنت الجزائر على إطلاق الإصلاحات البنّاءة والمشاريع الاقتصادية الطموحة منذ حلول سنة 2022، وراجعت التشريعات والنصوص المهمة مثل قانون الاستثمار الوطني، وتسليط الضوء على قانوني الولاية والبلدية باعتبارهما يرتبطان بشكل وثيق ومباشر بالتنمية المحلية.
وقد ساهم ارتفاع حجم الصادرات خارج قطاع الطاقة في النمو الاقتصادي المرصود، وعزّزه تحسّن واستقرار أسعار النفط والغاز الطبيعي في الأسواق الدولية بعد صدمة انتشار وباء كورونا كوفيد-19، مما خفّف الضغوط الموضوعة على الحساب الجاري لميزان المدفوعات ومنظومة المالية العامة في الجزائر.
تَنامِي مُؤشر صادرات المنتجات الوطنية خارج المحروقات، وبلوغها بنهاية سبتمبر الماضي 5 مليار دولار، يعتبر في حد ذاته رقما إيجابيا غير مسبوق منذ استقلال البلاد، مع توقعات بتواصل صعود الأرقام وبلوغها 7 مليار دولار بنهاية شهر ديسمبر 2022.
وفي ظل هذه المعطيات تمكّن الاقتصاد الجزائري من تحقيق أوّل فائض له منذ عشر سنوات (2013)، حيث ارتفعت احتياطيات النقد الأجنبي إلى غاية سبتمبر 2022 إلى 53.5 مليار دولار أمريكي، في حين أنّها سجّلت مستوى أقل خلال كامل عام 2021 ببلوغها 46.7 مليار دولار أمريكي.
وتركزت آليات تنفيذ التّحول من الاستيراد إلى الصادرات خارج قطاع المحروقات، في عدة إجراءات عملية هامة، أبرزها تعلق بخطوات تبسيط المعاملات الإدارية في الإدارات المعنية بها أمام الراغبين في ولوج مجال تصدير المنتوج المحلي إلى الخارج.
بخصوص انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس” الاقتصادية العالمية، فيم تكمن أهمية عضويتها بالتكتل على الإقتصاد الوطني؟
تتواجد الجزائر في وضعية سانحة لدخول تكتل “بريكس” الاقتصادي، نظرا إلى ارتباطاتها التاريخية والقوية بالدول الأعضاء (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا)، وتمنحها العضوية مكاسب جديدة ودفعا لعلاقاتها الاقتصادية نحو مزيدٍ من التعاون المشترك في كل المجالات.
وينطوي انضمام الجزائر لمجموعة “بريكس” على أبعاد اقتصادية إستراتيجية، فرضتها التحولات الحاصلة في العلاقات الاقتصادية الدولية، وسينبثق عنه فوائد كثيرة مثل الاستفادة من الاستثمار الصناعي المشترك مع دول المجموعة، خاصة مع بروز تحديات كبرى في مجال الأمن الغذائي بالعالم.
وبما أنّ دول تجمع “بريكس” استحدثت بنكا للتنمية، فقد يساعد ذلك على تنشيط وتوسيع التبادل التجاري في ما بين الأعضاء، وتسهيل حركة السيولة المالية وطرق الدفع والتسليم.
بدوره، هذا التكتل سيستفيد من الموقع الاستراتيجي الجيد للجزائر، كونها تتوسط العالم والقارات الخمس وبوابة نحو إفريقيا، فضلاً عن المزايا والمقومات الضخمة التي تتمتع بها، ومهيأة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي المنتج للثروة.