أثارت تصريحات وزير العدل حافظ الأختام عبد الرشيد طبي، حول تفاصيل قيمة الـ 20 مليار دولار المسترجعة من أموال الفساد، حالة من الذهول والارتياح وسط الرأي العام.
إلى جانب كونه التزاما سياسيا لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أصبح استرداد الأموال المنهوبة، مسارا جادا للدولة الجزائرية، يجري إنجازه عبر مسارات قضائية وفنية معقدة، تستلزم وقتا موضوعيا، لكن النتائج المحققة إلى غاية الحصيلة المعلنة مؤخرا “ملموسة” و«معتبرة”.
وفي آخر حوار له مع ممثلي الصحافة الوطنية، أعلن الرئيس تبون، أن ما استرجع من عائدات الفساد على المستوى الوطني، يناهز الـ 20 مليار دولار، وهو تقدير أولي سيرتفع في قادم الأيام.
وأوضح رئيس الجمهورية، أنه لا يوجد رقم محدد لحصر حجم ما اختلس من أموال الخزينة العمومية والممتلكات لأن هناك ما هو “ظاهر” و«خفي» في الوقت ذاته، كما أن عمليات التهريب نحو الخارج “تمت بشكل متقاطع وعلى مدار سنوات”.
الرقم المعلن من قبل القاضي الأول في البلاد، أثار حالة من الذهول، وصاحبته حملات تشكيك ممن اعتبروا أن مبلغا بحجم 20 مليار دولار أمريكي، ضخم للغاية فكيف “يكون مجرد حصيلة أولية؟”، معتقدين أن هذه القيمة يجب أن تكون رقما نهائيا.
قراءة مماثلة، تعتبر بالضرورة اعترافا مباشرا، بأن خطوة عملاقة تحققت في مسعى التزام رئيس الجمهورية، باسترجاع الأموال المنهوبة، وتؤكد أيضا حجم الدمار الذي لحق بالاقتصاد الوطني.
وضمن هذا السياق، كسبت الجزائر مصداقيتها في محادثاتها مع الدول الأجنبية التي وجهت لها 224 إنابة قضائية وطلب تعاون، بحسب وزير العدل حافظ الأختام عبد الرشيد طبي، الذي أكد أن “ الشركاء الأجانب شرعوا في التعاون مع السلطات الجزائرية، بعدما تيقنوا من جدية المسعى وحجم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الجزائري”.
وقبل ذلك قال طبي إن “السنة الأولى من إطلاق مسار استرجاع الأموال من الخارج كان مخيبا، بعدما لمسنا إرادة بعدم تعاون بعض الدول، ناهيك عن التعقيدات المرتبطة بالمسار في حد ذاته”.
وأفاد، بأن منتصف 2021، عرفت إعادة إطلاق مسعى شامل من قبل رئيس الجمهورية، بإشراك جميع المصالح المعنية بما فيها الأجهزة الدبلوماسية.
هكذا تتم العملية بالعودة إلى تصريحات وزير العدل، والتي كانت مدعومة بوثائق في شكل 03 مجلدات ضخمة في حجم 1.400 صفحة، يتضح أنها تخص مرحلة أولية من المسعى الشامل لاسترجاع أموال الفساد، داخل الوطن، وفي جزئها الظاهر فقط.
والـ 20 مليار دولار، هي حصيلة ما وضعت عليه يد القضاء، بعد صدور الأحكام النهائية واستفادة المدانين من مبدإ التقاضي على درجتين وحق النقض لدى المحكمة العليا، هذه الأخيرة أيدت أحكاما وطلبت إعادة محاكمات بمجلس قضاء الجزائر، وفق مقتضيات المحاكمة العادلة.
ويتضح من التفاصيل المقدمة، أن أيدي الفساد امتدت لجميع القطاعات دون استثناء، من العقارات الصناعية والفلاحية والسياحية، إلى جانب النقل والأشغال العمومية، ناهيك عن الحسابات والقروض البنكية والعقارات المنقولة وغير المنقولة، والمراكز والمحلات التجارية والترقيات العقارية.
هذه الكتلة الهائلة والتي أمر رئيس الجمهورية، بتبسيط إجراءات التعامل معها، بإعادتها إلى قطاعاتها الأصلية، تمثل الجزء الظاهر، الذي تم استعادته عبر المسار القضائي.بينما يمثل الجزء الخفي، المرحلة الثانية، والتي يجري العمل عليها على قدم وساق، وهو عبارة عن آلاف الملايير، المخبأة في أقبية وآبار جافة وغيرها من الأماكن كسيولة، وأكد رئيس الجمهورية، أن هناك طريقة للتعامل مع هذه الأموال، دون أن يكشف تفاصيل عنها.وحسب المعطيات الأولية، فإن نتائج العمل الجاري ستبدأ في الظهور، في الأيام المقبلة، وترفع الأموال المسترجعة وطنيا إلى مستوى أعلى بكثير مما يتصوره البعض.
الأموال المهربة إلى الخارج من الممتلكات والأموال والتي مصدرها جرائم فساد ارتكبت بحق الجزائر، تخضع بدورها إلى قاعدة الظاهر والخفي، ويرتبط مسار استعادتها بجهود كبيرة للغاية.
ووفق ما أعلن رئيس الجمهورية، فقد تفاعلت دول أوروبية، بشكل جد إيجابي مع إنابات الجزائر، وأكدت موافقتها على إعادة عقارات، في شكل شقق وفنادق 5 نجوم، وكلها عائدات فساد ظاهرة.
ومن الشركاء الأجانب من أبدى استعدادا للتعاون مع السلطات الجزائرية في تحديد مواقع بقية الأموال، وهي الحلقة الأصعب، لأن الأمر يتعلق بتحديد دقيق مسار هذه الأموال على مستوى المؤسسات البنكية والحسابات المودعة فيها.
هذه العملية التقنية للغاية، تتطلب الغطاء القانوني اللازم، من خلال تخطي الاختلافات القائمة بين الأنظمة القضائية لهذه الدول مع النظام القضائي الجزائري، لذلك صرح وزير العدل حافظ الأختام في أزيد من مناسبة على أهمية تكييف المنظومة القانونية الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، وسيجلب القانون المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الإضافة اللازمة لتفعيل الإنابات القضائية الموجهة إلى الخارج.
وأفاد طبي، بأن المسعى الجزائري، تطور من المراسلات الرسمية إلى التنسيق المباشر بين القضاة الجزائريين ونظرائهم من بريطانيا، إيطاليا، اسبانيا، فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى.
وإلى جانب الغطاء القانوني، يحتاج المسعى إلى قوة تفاوضية يشارك فيها الثقل الدبلوماسي، خاصة أن اقتصادات بعض الدول وما يسمى بالملاذات الضريبية (الجزر)، تقوم اقتصاداتها على استقطاب أموال الفساد الاقتصادي والسياسي من الخارج. وأبدى رئيس الجمهورية، ارتياحه لحجم التعاون الذي أبداه عديد الشركاء الدوليين، ما من شأنه أن الدولة الجزائرية ستضع يدها على الحد الأقصى الممكن من عائدات الفساد وإعادتها إلى الخزينة العمومية.