تعوّل الجزائر على تنويع الصادرات والنهوض بقطاعات كانت مغيبة في الفترة السابقة، بالرغم من حجم المؤهلات والمورد الطبيعي الذي تملكه إذ بقي الاستغلال محصورا على قطاع المحروقات لعقود طويلة، إذ يرى العديد من الخبراء والمختصين أن قطاع المناجم يملك من الموارد ما يؤهله لكي يكون قاطرة الاقتصاد الوطني وممولا رئيسيا لمخططات الحكومة، وفي هذا الشأن تسعى الجزائر الى دعم التنقيب والاكتشافات في ميدان المناجم، ومواصلة خطواتها للنهوض بهذا القطاع الذي شهد تحولا جذريا منذ تولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون سدّة الحكم، إذ من المنتظر أن تكون سنة 2023 عنوانا للاستمرارية في التحول نحو قطاع المناجم والاستغلال الأمثل للموارد التي يحتويها.
المؤشرات التي حملها قانون المالية لسنة 2023 وما تم من إصلاحات جذرية على القطاع الاقتصادي كلها تصب في عنوان واحد لسنة 2023، وهو «السنة الاقتصادية الثانية بامتياز»، وإن حملت السنة السابقة محطات هامة ومفصلية في تاريخ الجزائر الاقتصادي، فمن المنتظر ان تكون السنة الجديدة أكثر أهمية لما ينتظرها من تثبيت للأقدام على طريق النهوض بالاقتصاد الوطني بعيدا عن ريع المحروقات.
وتعتبر المناجم والموارد المعدنية قطاعا موازيا للطاقة في الصفة والاسم، ظل لصيقا به لسنوات طويلة، لكن الاهتمام به لم يكن بقدر ما تملكه الجزائر من مقومات في هذا المجال إلى أن أعاد رئيس الجمهورية الاعتبار لهذا القطاع وأمر بالتوجه نحو الاستثمار واستغلال كل ما تملكه الجزائر من مقومات النجاح في ميدان المناجم، فكانت البدايات بإيقاظ عملاق الحديد النائم على أكبر احتياطي في العالم بغار جبيلات بتيندوف.
إطلاق العديد من المشاريع
ينتظر أن يشهد العام الجديد إطلاق العديد من المشاريع التي تمثل البنى التحتية لمشاريع عملاقة في مجال الاستكشاف واستخراج المعادن على غرار منجم غار جبيلات الذي ينتظر انطلاق الأشغال في إنشاء خط للسكك الحديدية يسهم في نقل الإنتاج نحو مصانع الحديد الكبرى في الشمال والموانئ بغرض التصدير.
ويتوقع العديد من الخبراء استمرار الارتفاع في أسعار المعادن خلال سنة 2023، وهو ما يمثل فرصة ذهبية للجزائر من أجل ولوج السوق الدولية بقوة من خلال مشاريعها وعقود الشراكة المرتقب تزايدها، وكل هذا يصب في صالح تحويل قطاع المناجم الى قاطرة الاقتصاد الوطني الجديدة.
وسجلت الجزائر ارتفاعا في إنتاج الفوسفات بـ 9 بالمائة، وإنتاج الحديد بـ 14 بالمائة والرخام بـ 10 بالمائة وكربونات الكالسيوم بـ 3 بالمائة، خلال السداسي الأول من سنة 2022، كما تم تنفيذ برنامج البحث والاستكشاف المنجمي من خلال 26 مشروعا على مستوى التراب الوطني وبغلاف مالي قدر بـ 1.82 مليار دينار جزائري خلال نفس الفترة، وينتظر أن تشهد سنة 2023 إنهاء برنامج البحث المنجمي وكذا عملية جرد الموارد المعدنية.
استخلاص 200 ألف طن من الحديد
وبعد الانطلاق في مشروع منجم الحديد بغار جبيلات السنة المنقضية سيتواصل استخلاص 200 ألف طن من المعدن الى غاية السداسي الأول من سنة 2023، كما ستعرف السنة الجديدة مواصلة العمل في مشاريع تطوير الزنك في «وادي اميزور» من خلال استرجاع 16 بالمائة من حصص الشريك «تيرامين»، لتصبح حصة الجزائر 51 بالمائة، تسمح لها بالمراقبة الكلية للشركة لإنهاء الدراسات، حسب تصريحات وزير الطاقة والمناجم في نوفمبر الماضي.
وبالنسبة لمشروع الفوسفات المندمج أشار الوزير الى أنه تم الشروع في إعداد كل الدراسات ودفتر الشروط لاختيار المستثمر وكذا البحث على التمويل بالتعاون مع البنوك الصينية، وهو ما يرتقب الانتهاء منه خلال العام الجاري.
من جهته يرى الخبير والأستاذ المحاضر في علوم الأرض تخصص موارد معدنية بكلية علوم الأرض بجامعة هواري بومدين بباب الزوار، الدكتور إسعد مولود، أنّه لمس في خطابات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون رغبة شديدة في إنعاش الاقتصاد الوطني وتنويع موارده، من بينها القطاع المنجمي. فالقطاع المنجمي يستطيع أن يساهم في الاقتصاد الوطني بتمويل الصناعة بالمواد الأولية كالحديد أو الفوسفات لصناعة الأسمدة.
وأضاف محدثنا أن المشاريع التي انطلقت في سنة 2022، يرتقب أن تسير على نفس النسق في 2023 والتي من أبرزها مشروع منجم غار جبيلات ومشروع استخراج الفوسفات في تبسة بالإضافة الى مشروع استخراج الزنك والرصاص في أميزور، وهي مشاريع ضخمة تستطيع ان تكون قاطرة للمجال المنجمي.
وأفاد الأستاذ أسعد مولود، أن هنالك مشاريع عديدة بالإمكان التعويل عليها خلال هذا العام تضاف الى المشاريع الضخمة سالفة الذكر على غرار استخراج الذهب والأتربة النادرة التي تعتبر من بين أهداف الاستكشاف حاليا، مشيرا الى أن سنة 2023 ستكون عنوانا لاستمرارية المشاريع والبرامج التي سطرت في الثلاث سنوات الأولى من فترة حكم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
وقال المتخصص في الموارد المعدنية أن المجال المنجمي يتطلب الكثير من الوقت لتطوير المشاريع وهو ميدان يمتاز بمشاريع من متوسطة الى طويلة الأمد وتصل أحيانا الى 15 سنة حتى تتكرس على أرض الواقع، كما أن مجال الاستكشاف يستلزم وقتا، ففي سنة 2023 نتوقع أن تحمل بوادر لنتائج طيبة في المجال لكن المنتظر منها هو الاستمرارية على نفس النسق ولِمَ لا بوتيرة أعلى من سابقتها.
وفيما يخص أهم المشاريع المنجمية بالجزائر حاليا فيرى أستاذ علوم الأرض بجامعة هواري بومدين بباب الزوار، أن مشروع منجم غار جبيلات ضخم من حيث الاحتياطي ومن حيث الإنتاج، لذا يتطلب فترة طويلة من حيث التحضير وتتمثل في شطرين، الشطر الأول يتعلق بتحضير البنية التحتية للمشروع كخط السكك الحديدية الذي سينطلق خلال سنة 2023، فيما يتعلق الشطر الثاني بمصنع لمعالجة المعادن المستخرجة من غار جبيلات وفصل الحديد الخام عن الفوسفور من أجل استخلاص الحديد الصلب وتحويله للمصانع المختصة.
وأشار الأستاذ أسعد أن مرحلة الإنتاج حسب ما تم التصريح به من طرف الجهات الرسمية ستكون في سنة 2025 وهي السنة التي ستعرف إنتاجا أوليا يمهّد لإنتاج كبير يأتي مع مرور الوقت حتى تبلغ ذروة الإنتاج سنة 2040، لذا ففي عام 2023 سيتواصل فيها التحضير للبنى التحتية للمصنع ووسائل النقل.
عين الحكومة على الفوسفات
ومن جهة أخرى، يرى محدثنا أن من أهم الموارد الطبيعية الأخرى التي ينتظر أن تواصل الحكومة مسعاها في تطوير الاستثمار فيها خلال عام 2023 نجد الفوسفات الذي يدخل في صناعة الكثير من الأسمدة التي تضمن منتوجية فلاحية كبيرة جدّا، لذا فحسب المتخصص في الموارد المعدنية فمن أجل تحقيق ربحية اكثر ينبغي عدم تصدير الفوسفات كمادة خام، ومن الأحسن تصديره على شكل أسمدة وهو ما تعمل عليه الحكومة من خلال عقود الشراكة التي أبرمتها شركة سوناطراك في هذا المجال ونرتقب تجسيدها في المستقبل القريب.
وذكر الدكتور اسعد أن مشروع استخراج الزنك الأكثر جاهزية وقابلية للتطوير في الوقت الحالي هو مشروع أميزور الذي تم إنشاؤه بالشراكة بين شركة عمومية والشريك الأسترالي، كما أن البحوث والدراسات المتعلقة بهذا المشروع تمت المصادقة عليها من طرف الوصاية، لذا فمن المنتظر أن نسجل نتائج طيبة خلال العام الجاري فصيغة الشراكة بين الجزائر والشركات الأجنبية المختصة بإمكانها إعطائنا نتائج جيّدة.
وفيما يخص مجال التنقيب عن الذهب أوضح محدثنا أن تشجيع الشركات الصغيرة في المجال خير سبيل لمواصلة تحقيق نتائج أحسن من سابقاتها، كما أن إبرام شراكات مع مؤسسات أجنبية مختصة في التنقيب عن الذهب هو أيضا أمر مستحسن في المناجم الصغيرة، بشرط أن لا تمس هذه الشراكات مناجم الذهب الكبيرة التي ينبغي المحافظة على طابعها العمومي الوطني لما للذهب من أهمية إستراتيجية.
يرى الخبير اسعد مولود أن الرهانات الاقتصادية العالمية في المجال المنجمي تخص المعادن المستعملة في الطاقات المتجددة مثل صناعات البطاريات بالليثيوم وصناعة ألواح الطاقة الشمسية، والأكثر طلبا في العالم حاليا مثل الليثيوم والأتربة النادرة و»فولفرام»، مشيرا إلى أن الجزائر تحوي على مادة الفولرام بكثرة في منطقة الهوقار وهي مادة مهمة جدا تستعمل في الصناعة. وفي الجزائر تشير بعض الاستكشافات الأولية الى وجود هذه المادة بكثرة في الصحراء الجزائرية في انتظار استكشافات ودراسات مكثفة من أجل تحديد كمية «فولفرام» الموجود في منطقة الهوقار وسبل استخراجها، داعيا الى عقد شراكات مع الشريك الصيني الذي يملك خبرة واسعة في هذا المجال.