يُنتظر الكثير في 2023، على صعيد تسريع وتيرة التنمية في عدة قطاعات حيوية، تتوفر على طاقات وموارد وكل إمكانيات طرح القيمة المضافة، على غرار الصناعة الميكانيكية والفلاحة والسياحة على ضوء مناخ استثمار جذاب، عزز من فعاليته قانون استثمار مرن يستقطب المستثمرين الأجانب قبل المحليين.
يتوقع الخبير الاقتصادي نبيل جمعة أن تتحقق كثير من الطموحات الاقتصادية الوطنية، بما فيها بلوغ رقمين من نسبة النمو الاقتصادي، أي بمعدل يصل أو يفوق 10 بالمائة، إلى جانب القفز إلى ما لا يقل عن 10 ملايير دولار، قيمة الصادرات خارج قطاع المحروقات، بالإضافة إلى استحداث نحو 55 ألف منصب شغل جديد ، وتحريك 700 مشروع استثماري ضخم، وعودة الصناعة الميكانيكية مع أكبر العلامات العالمية المهتمة بالشراكة مع الجزائر.
آفاق اقتصادية وتنموية فارقة وواعدة تنتظر الجزائر، ومن شأنها أن تغير الكثير في وجه المنظومة الاقتصادية، لأن الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عازمة بثقة صلبة وخطوات ثابتة على قطع أشواط معتبرة في مسار تنموي واضح المعالم، وفق تخطيط استشرافي ذكي، لضخ الثروة وتعزيز القدرات التنموية وتحريك الآلة الإنتاجية، ووضع سكتها وفق منحى تصاعدي، هذا ما أكده الخبير الاقتصادي نبيل جمعة، خلال تشريحه لأهم التوقعات الاقتصادية التي يحملها العام الجديد 2023، خاصة على ضوء التزام رئيس الجمهورية بضخ كل التسهيلات المفضية إلى تحقيق التحول المنشود في استقطاب الاستثمار المنتج للثروة والمستحدث لمناصب الشغل وكذا الشراكات القادرة على تحويل التكنولوجيا والخبرات الفنية إلى الجزائر.
استئناف الاستثمارات المعطلة
يعتقد الخبير جمعة، أن التزامات رئيس الجمهورية ستسفر في أثناء العام الجديد، عن تجسيد ما لا يقل عن 700 مشروع استثماري ضخم، من شأنها أن تفتح ما لا يقل عن 55 ألف منصب شغل جديد، وتندرج هذه المشاريع ضمن تلك المجمدة في عدة قطاعات، في الصناعات الخفيفة والمتوسطة والفلاحة وما إلى ذلك، وبالتالي السماح بالعمل لمستثمرين رصدوا أموالا ضخمة وتوقفت مشاريعهم، علما أن رئيس الجمهورية شخصيا تدخل ومنحهم التراخيص اللازمة والضوء الأخضر، من أجل استئناف استثماراتهم المعطلة المنتظر أن تفضي إلى استحداث أزيد من 55 ألف منصب شغل جديد ومباشر، لذا، ستقلع هذه المشاريع في هذا العام الجاري، وتكثف من كميات الانتاج في السوق.
وبالنظر لما يكتسيه قطاع الصناعة الميكانيكية من أهمية، وكونه يعد أحد الركائز القوية لقطاع الصناعة، وقف الخبير جمعة عند سلسلة المشاريع المنتظر أن ترى النور في مجال صناعة وتركيب السيارات، بعد أن أعطى رئيس الجمهورية شخصيا الضوء الأخضر لبناء قاعدة متينة ومتطورة في صناعة السيارات، وقال جمعة، إنه سجل طلب أكبر 7 علامات تجارية للسيارات بالعالم، من أجل التواجد بالسوق الجزائرية، بفضل صدور قانون الاستثمار 18- 12، على خلفية أنه يسمح للمستثمرين الجزائريين والأجانب على حدّ سواء، بتحويل الأرباح عبر البنك المركزي، بعدما كان هذا الإجراء مجمّدا، ولا يخفى أن تدخل رئيس الجمهورية حسم في الأمر، بعد أن قام بإجراء عدة تغيرات في قطاع المالية من بينها تغيير وزير المالية ومحافظ بنك الجزائر، من أجل القضاء على مختلف العراقيل ومحو مظاهر البيروقراطية.
مفتاح الأمن الغذائي
وكان رئيس الجمهورية في تصريحاته السابقة قد التزم بإماطة اللثام على مختلف العراقيل في مجال الاستثمار، وذكر الخبير جمعة – في هذا المقام – أن القاضي الأول في البلاد منح أولوية للقطاع الفلاحي، علما أنه قطاع يفتك حصة الأسد من نسبة النمو الاقتصادي الوطني، لأن قيمة الإنتاج الفلاحي السنوي لا تقل عن 30 مليار دولار، بفضل استثمارات هائلة جاءت من خلال تشجيع وتمويل من الدولة، فمنحت دفعا قويا لعجلة الإنتاج والتنمية بهذا القطاع الاستراتيجي والحيوي، كونه يعد مفتاح الأمن الغذائي، ويتعلق الأمر بمستثمرات كبرى، أنجزت بمنطقة الجنوب الكبير، في عدة ولايات، مثل المنيعة وتندوف وتمنراست، ويتم عبرها إنتاج مواد إستراتجية مثل القمح وزيت الذرى؛ لأن رئيس الجمهورية منح كل الضمانات، وأرسى التسهيلات اللازمة لدفع عجلة النمو بجدية كبيرة، ومثلما كان السيد الرئيس، قد أكد على أن عام 2022 سنة اقتصادية بحتة، فإن العام الجاري سيكون عاما يسجل فيه نسبة نمو من رقمين أي في حدود 10 أو أكثر من 10 بالمائة، بمعنى أن وتيرة الإنتاج ستواصل منحاها التصاعدي، وعملية ضخ الثروة والقيمة المضافة ستواصل مرتكزة على مؤشرات دقيقة ورهانات لا تقبل الإخفاق، خاصة في قطاع الصناعة ومجال تعميق وتكثيف الاستثمار، وفي كل هذا قال الخبير: «ينبغي الإشادة بالدور الذي تقوم به الدبلوماسية الاقتصادية، على خلفية إرسالها لمستثمرين جزائريين، لعقد لقاءات اقتصادية وتجارية، بهدف الاستثمار وإنتاج المواد المطلوبة بكثرة في السوق الجزائرية».
إرساء التقنيات الحديثة
في ظل الاهتمام الكبير بتفعيل آلة الإنتاج الفلاحي وتكثيف الشعب الانتاجية من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي وطرح المنتوج الجزائري ذا جودة عالية بعديد الأسواق العالمية، اغتنم جمعة الفرصة ليتطرق إلى أهمية ترقية أدوات الإنتاج الفلاحي، في ضوء الطفرة التكنولوجية المذهلة المسجلة في العالم، ملحا – في الوقت نفسه – على ضرورة إرساء الرقمنة والاستعانة بالذكاء الاصطناعي، وبالتالي، الذهاب بعيدا في تطوير الفلاحة الجزائرية بحسب ما أكد عليه رئيس الجمهورية، أي وفق رؤية جديدة، وعبر إرساء آليات جديد من خلال تجسيد الاستثمارات المنتجة وآليات الزرع والجني الحديثة، وهذا ما يؤدي دون شك إلى القفز إلى مرحلة السرعة في العمل وتدفق كميات كبيرة من الإنتاج الفلاحي في وقت زمني قصير، على اعتبار أن الآليات والأدوات الجديدة والمتقدمة ستعطي دفعا قويا لنمو القطاع الفلاحي بعد أن سجل 14 بالمائة كنسبة نمو، ويمكن أن يحقق ما لا يقل عن سقف 25 بالمائة من الناتج الإجمالي الخام.
ومن أبرز التسهيلات التي حرص رئيس الجمهورية على إطلاقها، وتم إدراجها في قانون المالية الجديد، نذكر الترخيص باستيراد الآلات الفلاحية والصناعية أقل من 7 سنوات، وهذا يهدف في جوهره إلى دفع عجلة الاقتصاد الوطني، بعد أن ثبتت القاطرة التنموية في السكة الصحيحة، وكون القطاع الفلاحي ينتظر تعزيزه بالمزيد من التكنولوجيا الحديثة وأدوات العمل المتقدمة.
وبالموازاة مع ذلك، قدم الخبير العديد من الأمثلة في حالة تحويل التكنولوجيا في القطاع الفلاحي، لأنه في الدول الأوروبية عامل واحد فقط، يشتغل بمفرده في مساحة 100 هكتار، في حين، بالوقت الراهن يشغل لدينا في نفس المساحة 200 عامل، وهذا حسب تقدير جمعة، يعطل الوتيرة السريعة للإنتاج، في ظل وجود تقنيات متطورة يمكنها منح النتائج أو الحصيلة الفلاحية الدقيقة مسبقا وقبل الشروع في عملية الإنتاج، أي هذه التقنيات تحدد كمية الماء والبذور، وكذا الأسمدة لمساحة معينة، وفوق ذلك، تقدر مسبقا كمية الإنتاج حتى لا يخسر الفلاح أموالا استثمرها، ومن جهة أخرى، يمكن أن يكون مسار التصدير واضحا؛ لأن أسواق الغذاء تتطلب استمرارية في التموين والمصدرين يشترطون على البلدان المنتجة أن لا تنقطع ولو فترة عن عملية تدفق منتجاتها. وذهب ذات الخبير إلى أبعد من ذلك، عندما أكد أنه في حالة استغلال الذكاء الاصطناعي، فإنه بإمكان فلاح واحد فقط أن يموّن نحو 100 ألف نسمة.
ترقب انطلاقة قوّية للسياحة
وبخصوص مسار الصادرات، المدرج ضمن سلسلة من الأهداف الجوهرية ذات الأولوية خلال عام 2023، اعتبر الخبير نبيل جمعة، أن الدبلوماسية الاقتصادية تحركت ونشطت بشكل لافت ومدروس، من خلال سهرها على تجسيد برنامج رئيس الجمهورية، بل قدمت دفعا خاصا وغير مسبوق، خاصة بعد فتح 4 مناطق حرة، وإلى جانب فتح وكالات بنكية في الخارج، في إطار تسهيل عملية تحويل الأموال بالعملة الصعبة وتسهيل عمليات التوطين البنكي للمصدرين، إلى جانب إدراج تسهيلات جمركية للمصدرين، وهذا ما أفضى إلى نتائج مذهلة ومشجعة مرشحة أن توسع مستقبلا عن طريق تحقيق المزيد من المؤشرات الإيجابية، لأن الجزائر في السابق، كانت تصدر خارج قطاع المحروقات ما لا يتجاوز 1 مليار دولار، وفي الوقت الراهن تضاعف العدد، بل وقفز إلى مستوى 7 ملايير دولار، وينتظر أن يستمر هذا النمو في مجال الصادرات، في ظل السير نحو تكثيف الاستثمارات، واهتمام علامات تجارية كبرى في الأسواق العالمية بالسوق الجزائرية. وبهذا يعول كثيرا على انطلاقة قوية لقطاع السياحة، وعززه الانفتاح المحسوس على الاستثمار الأجنبي، لأنهم من سيساهمون حسب تقدير الخبير على استقطاب السياح، واقترح جمعة، منح القروض للمستثمرين، من أجل بناء الفنادق ومختلف الهياكل السياحية وكذا الترفيهية.
مجلس استشرافي لصياغة الرؤية
ومن بين الرهانات الكبرى المرفوعة في العام الجديد، تطرق الخبير الاقتصادي إلى ضرورة التعجيل بتكثيف وتسريع وتيرة الاستثمار بالطاقات المتجددة والمناجم، مؤكدا – في سياق متصل – أن حجم الاستثمارات بالمناجم بلغ 7 ملايير دولار، أي على مستوى غار جبيلات وحده، ووصفها بالاستثمارات الضخمة والمشجعة كونها غير مسبوقة ولم تسجل في هذا القطاع الاستراتيجي منذ عام 1962، كما يحتاج قطاع الطاقات المتجددة على حد تقديره، إلى دفع قوي منتظر خلال العام الجاري، بالنظر إلى الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها الجزائر، وكذا قربها من الأسواق الأوروبية، أي الاستثمار بسرعة في ظل وجود طلب عالمي قوي على الطاقة وتذبذب في التمويل، كما تحدث عن برنامج خماسي مسطر، من المقرر أن يستثمر فيه 40 مليار دولار ممتد من 2020 إلى غاية 2025، أي كل سنة تستثمر 10 ملايير دولار، ويتزامن ذلك في ظل اهتمام كبير من طرف دول الاتحاد الأوروبي بالاستثمار في الجزائر، أمام استفحال أزمة طاقة عالمية، وينبغي القول في هذا المقام أنه حان الوقت لتقوم الجزائر باستشرافات دقيقة لتوسيع وتسريع مشاريعها الاستثمارية في مجال الطاقات المتجددة، وكذا البتروكيميا، بل ونحتاج بشكل عاجل إلى مجلس استشرافي لصياغة النظرة والخطة المحكمة، أي يتم الأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات وتطورات الأسواق العالمية، في ظل الظرف الراهن.
وأشار الخبير إلى توجه العديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى الجزائر، من أجل تزويدها بالطاقة في خضم أزمة الطاقة والتهاب أسعار الغاز، أي صار سعره يناهز 320 أورو للوحدة، وتضاعف سعره بذلك 7 مرات، وهذا ما يحتم على الجزائر التعجيل بإعداد رؤية بعيدة المدى في تنويع مصادر إنتاج الطاقة، وعدم التركيز على الطاقة الأحفورية لوحدها، كونها قابلة للنفاد، ومباشرة استثمارات على المدى البعيد أي من 2025 إلى غاية آفاق 2045. وحاول الخبير أن يدعو إلى مواصلة نفس نهج الاهتمام بالمورد البشري خاصة عبر الجامعات والمعاهد ومراكز التكوين المهني وفتح الطريق أمام أصحاب المشاريع ودعم أفكارهم ومشاريعهم الواعدة.