عتب علينا صديق مصرفيّ لاحظ أنّنا نترقب – مسرورين – استقرار الرّقمنة بشكل كامل، وكان من بين ملاحظاته أنّنا نرغب في تجاوز فكرة «الصك» نهائيا، إلى فكرة «البطاقة الرقمية»، وأنّنا – وفق ما يرى – لا نضع في الحسبان أولئك الذين قضوا زهرات شبابهم في تقديم خدماتهم بـ»شبابيك» الصّرف، عبر البنوك ومراكز البريد، وأننا نراهن، الرهان كلّه، على الـ(Dab) والـ(Gab) وأمثالهما من وسائل التعاملات المالية المرقمنة، حتى بدونا أننا ننكر على المصرفيين جهودهم، أو أنّنا نستفز الزّمن كي يلقي بهم إلى دهاليز البطالة والعياذ بالله..
والحقّ أن صديقنا المصرفيّ، نظر من زاوية ضيّقة نوعا ما، وكان يمكن أن يحسّ بأن خاصة عمله أصبح أكثر يسرا منذ تسلل الكمبيوتر إلى المؤسّسات المالية، فلمّا توسّعت آفاق التكنولوجيا، تضاعفت فعالية المصرفيين، بل أصبحوا يقدّمون خدمات أفضل بجهود أقلّ، وأصبح فضلهم ينال شرائح أوسع من المواطنين، وكانوا من قبل (لا يربحون) من الزبائن الذين يتراكمون أمام شبابيكهم، سوى (التأفف) والنظرات الحانقة، فالزبون لا يمكن أن يقتنع بأي عذر يرفعه المصرفي المختص بالشّباك، خاصة بعد أن استقر في الأذهان أن «الشّباك» يتحايل عليهم، ويفرّ من خدمتهم، وكثيرا ما يلقي بالعذر الشهير: (ما كانش الريزو)..
ولا نرى مطلقا ما يدعو إلى التّخوّف من وسائل الرقمنة، فهذه إن تجاوزت مهنة واحدة، فإنها تعوّضها بمهن عديدة، ما يعني أن المشكلة ليست في التّطور، وإنما تكمن أساسا في عدم استيعاب التّطور، أو عدم القدرة على مسايرته، والتاريخ – في طبيعته – لا يقبل من يحول دون اكتمال مساره، لهذا يلفظ كل من يصدّه عن غاياته، ولا يحفل مطلقا بمن يتقوقع على ذاته..