اكتشفنا مؤخرا راقنا افتراضيا، لا يستدعي الرقن الكلاسيكي ولا يحتاجه، وإنما يكتفي بـ«سماع” ما يُملي “الكاتب”، كي يرتّب الحروف في جمل مستقيمة، لا يتسلّل إليها الخطأ إلا إذا (تلعثمت) مخارج الحروف في أثناء النّطق.
ولقد كان برنامج “وورد” الشّهير، قد أضاف هذه الميزة منذ زمن، غير أنّها ظلّت احتكارا خالصا للغات الرومانس، وإذا بـ “الراقن” الجديد يأتي موافقا للغة العربية، ويتيح لنا أن نملي “حال الدنيا” عوضا عن رقنه، وكانت التّجربة مثيرة للغاية ومثمرة للغاية كذلك، ولو أن البرنامج لا يتعامل بسلاسة تامة مع علامات الترقيم بصفة خاصة، فهو حين يسمع (فاصلة) – على سبيل المثال – يكتبها كاملة بحروفها، ولا يكتفي بوضع العلامة (،) مثلما هي الحال عندما يسمعها في اللّغة الفرنسية أو الإنجليزية. وفي كلّ حال، فإن هذا النّقص يمكن تجاوزه بقراءة ثانية للنصّ، من أجل إعداده للقراءة..
وليس عيبا أن يتدخّل عنصر “الدّهشة” أمام الجمل وهي تتألف على الشاشة بمجرّد النطق، غير أنّنا لا يجب أن ننساق وراء الفتح التكنولوجي دون العودة إلى تأثيراته على طبيعة اشتغالنا الذّهني عموما، فنواصل انتظار ما يأتينا (سهلا) من بركات الحضارة المهيمنة، عوضا عن بذل الجهد للإسهام في الجهد الإنساني، فقد كان أولى بنا أن نسبق إلى “الراقن السامع”، ونضيفه إلى لغتنا، بعيدا عن “الدهشة” و«التنويه” بما سبق إليه الآخرون..
وقد يكون موقفنا قاسيا نوعا ما، ولكننا نسوّغه برغبة عارمة في رؤية أبنائنا وهم يستفيدون مما يتيحه الواقع الرقمي في عالم “معرفة”، فيكون لهم دورهم الفاعل في المجتمع الإنساني، ولا يكتفون بـ “استهلاك” ما يجود به الآخر، فـ “الراقن” يسمع، أما الإنسان فهو يسمع ويبصر ويعقل، وهو قادر على صناعة كل مذهل..