يصف الخبير وأستاذ الاقتصاد بجامعة تيزي وزو الدكتور محمد عشير، الشراكة الجزائرية- الإيطالية بالقوية والإستراتجية والواعدة في إطار توفر إمكانات تنويعها ومنحنى توسيعها على ضوء الإرادة السياسية للبلدين، بالنظر إلى أنها علاقات تاريخية وشراكات قديمة.
أشاد الخبير كثيرا بالمزايا المتعددة للشريك الإيطالي، بداية من خبرته في الصناعة، وامتلاكه للتكنولوجيا واعتماده على الابتكار ومعرفته الجيدة بالسوق الجزائرية. ويتوقع أن يشمل التعاون وبناء الشراكات القدرات المذهلة المتوفرة بالجزائر من دون استغلال، خاصة في قطاع السياحة، ويمكن أن تقوم إيطاليا بخبراتها الرائدة بدور في إنعاش القطاع السياحي، كونها دولة سياحية رائدة.
«الشعب»: شهدت الشراكة الجزائرية- الإيطالية في الوقت الحالي حركية محسوسة، وتفعيلا لافتا.. كيف تقيّمون مستوى هذا التعاون؟
الدكتور محمد عشير: توصف الشراكة الجزائرية- الإيطالية بالتاريخية، القوية والإستراتجية، علما أن هذه الشراكة الثنائية تتجه إلى التنوع في جميع المجالات والاتساع في جميع المجالات الاقتصادية، وينتظر منها أن تقدم الكثير للجزائر، لأنها ترتكز على قاعدة تقاسم المنفعة بين الطرفين في المرحلتين الحالية والمقبلة؛ ولأنها تسعى من خلال بذل الجهود لتنويع اقتصادها خارج قطاع المحروقات، وهذه الشراكة مبنية وفق مبدإ «رابح- رابح»، ويستنتج من مختلف المؤشرات المسجلة حاليا، أنه ينتظر أن تفضي الإرادة القوية والتحرك المستمر وبكثافة بين الطرفين، إلى توجه نوعي للشراكة الثنائية، بل ويتجه ذلك لتواجد الشركات الإيطالية بالجزائر بشكل أكبر، وكذلك إنشاء المؤسسات الجزائرية والإيطالية. ونستطيع القول، إن الشراكة الجزائرية- الإيطالية مبنية على أسس التضامن بين البلدين في المسائل السياسية والجيو-سياسية.
ماذا ننتظر من المنتدى الجزائري- الإيطالي الذي تحتضنه مدينة نابولي اليوم؟
يتوقع أن يكون هذا المنتدى فضاء لتبادل وجهات النظر فيما يتعلق بالقطاع الاقتصادي، وكذلك فرصة لتبادل الخبرات بين الشركات الجزائرية ونظيرتها الإيطالية في جميع المجلات، وبحث فرص الاستثمار وبناء الشراكات.
ولا يخفى أن العلاقات بين الطرفين في التعاون الاقتصادي قديمة ووطيدة، خاصة في بعض المجالات، من بينها تجهيز المؤسسات الصناعية، لأنه تم استيراد العديد منها من إيطاليا، خاصة في تسعينيات القرن الماضي، بفضل تواجد إيطاليا في السوق الجزائرية، من خلال الصناعات الغذائية والنسيجية والميكانيكية، وإعادة هيكلة مصانع النسيج والميكانيك والإلكترونية بالتجهيزات الإيطالية، فبين الطرفين علاقات ثنائية قديمة في استيراد واستخدام التكنولوجيا الإيطالية الصناعية؛ لذا، توصف هذه العلاقات بالمتميزة..
في الوقت الحالي، لدى الجزائر قانون استثمار جد جذاب محفز للاستثمار الأجنبي، ومن شأنه أن يؤدي إلى إبرام شراكات جديدة بين المؤسسات الجزائرية والإيطالية في جميع المجالات. ولأن إيطاليا تحتاج إلى السوق الجزائرية، وأيضا للتواجد بالسوق الجزائرية في مجال الصناعة، كون الجزائر تستطيع أن تكون بوابة التصدير إلى إفريقيا، إلى جانب وجود عدة محفزات للاقتصاد الجزائري تغري الشركاء من ضمنهم شريك مهم وقديم مثل إيطاليا، من بينها محفزات طبيعية ومناخ الأعمال العام، وكل هذا سيعطي تسريعا لشراكة جزائرية- إيطالية خاصة، وحوار ثنائي مشترك، في ظل وفرة اليد العاملة والطاقة وسوق كبيرة.
وينبغي – بالموازة مع ذلك – الأخذ بعين الاعتبار، أن إيطاليا التي تربطها بالجزائر علاقات نموذجية، تعتبر شريكا قويا، على خلفية أن حجم صادراتها لا يقل عن 60 مليار دولار سنويا، وليس لديها عجز في ميزانها التجاري، عكس بعض الدول الأوروبية المتطورة،.ويضاف إلى كل ذلك، أن لإيطاليا 200 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، تصدر للأسواق الخارجية، كما لديها اقتصاد مبني على الابتكار والتكنولوجيا، وفوق ذلك، الاقتصاد الإيطالي منخرط في الثورة الصناعية الرابعة «0.4» أي يستعمل كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.
ومن المرجح أن يستفيد المستثمر الجزائري كثيرا من هذه الشراكة، خاصة في إعادة تأهيل المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة، إلى جانب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ونستطيع أن نستفيد من الخبرة الإيطالية في إعادة التنظيم والرفع من إنتاجية وتنافسية العديد من المؤسسات الجزائرية الصغيرة والمتوسطة، وحتى المؤسسات العائلية الاقتصادية، لأن هذا النمط من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يميز الشركات الإيطالية، كنسيج ونظام مؤسساتي متكامل وهذا ما أفضى إلى فعالية في الإنتاج ونجاعة في الأداء.
ما الذي ننتظره من هذه الزيارات المكثفة خاصة من الجانب الإيطالي المهتم كثيرا بترقية التعاون مع الشريك الجزائري؟
لدى الحديث عن الزيارات المكثفة وأثرها على الاقتصاد الوطني، يجب التأكيد في البداية على أنها الزيارة الثالثة في مدة عام واحد لوزير أول إيطالي، وهذا يكشف من خلاله أن العلاقة بين البلدين وطيدة وقوية مبنية على التفاهم والشراكة، في ظل وجود مصالح مشتركة أيضا؛ لأن إيطاليا تحتاج إلى التمويل بالطاقة وبالتحديد الغاز الجزائري، والجزائر مورد ثابت وموثوق ومنضبط ووفي لمختلف التزاماته لتمويل زبائنه بالطاقة، لأنه رغم الأزمة العالمية لم يتوقف عن الالتزام بتوفير الطاقة لزبائنه، وهذا يؤكد أن الجزائر دولة قوية وتفي بوعودها مع شركائها الأجانب. وبما أن مجمع سونطراك يتجه نحو تنويع الطاقة من خلال الطاقة الشمسية، هذا ما سيسمح بتصدير كميات إضافية من الغاز الجزائري إلى أسواق خارجية، وإنجاز أنبوب غاز ثان للجزائر يعد أمرا استراتجيا، سيربط مباشرة الجزائر بإيطاليا، إذ أنها شراكة مبنية على احترام مصالح البلدين، وهي نموذجية في منطقة الشمال والجنوب، بل هناك من يصفها بالمثالية والأفضل، مقارنة ببعض البلدان، خاصة الواقعة شمال حوض البحر المتوسط، وبلدان مجموعة «5+5»، وفوق كل ذلك، هذه الشراكة النموذجية لديها قدرات وفرص ويمكن أن تتطور مستقبلا، لأنها تشترك كذلك في تقاسم المنافع والاستفادة من العلاقات الجيو-سياسية.
ما قراءتكم لحجم التبادل بين البلدين في الوقت الحالي؟
تؤكد إحصائيات العام الماضي، أن حجم التبادل الثنائي يفوق 8.5 ملايير دولار، كما أنه تتواجد نحو 200 شركة إيطالية ناشطة في الجزائر، في عدة قطاعات حيوية، مثل البناء والطاقة والصناعة الغذائية والفلاحة والمطاعم والكهرباء، وتسجل شراكة متعددة ومتنوعة ومتقاسمة المنافع، وتبقى قدرات هائلة تنتظر أن تطور مع الشريك الإيطالي، في ظل توفر قدرات تحتاج إلى تطوير. علما أنه يسجل تواجد قوي للطاقة، كما يرشح أن يشمل التعاون وبناء الشراكات، القدرات المذهلة المتوفرة من دون استغلال، خاصة في قطاع السياحة، ويمكن أن تلعب إيطاليا بخبرتها الرائدة في مجال السياحة، كونها دولة سياحية رائدة، ويمكن أن تحول مفاتيح تطويرها في هذا القطاع الاستراتيجي للجزائر، ولأنها مندمجة في سلاسل توريد القيمة المضافة وتصدير الانتاج في الأسواق العالمية، والتعاون معها يسمح باندماج الشركات الاقتصادية الجزائرية في حلقة القيمة المضافة وسلسلة الإنتاج العالمية، وعلى سبيل المثال الشراكة الجزائرية مع إيطاليا في الصناعة الميكانيكية عبر علامة «فيات»، تتمكن من الإنتاج وتصدير إنتاج السيارات لأسواق دول العالم مثل أوروبا وإفريقيا.