ينقسم الأكاديميون المهتمون بالذكاء الصناعي، ورواد النت عموما، في هذه الأيام، بين مؤيّد لآلة «الدردشة المستحدثة» المدعوة (Chatgpt)، داع إلى توسيع استعمالها، ورافض لها، لا يرى فيها سوى تيسير جديد لأساليب الاحتيال، والسرقات العلمية وما شاء الله من موبقات التقانة؛ فالبرنامج الجديد يستطيع أن يرسم صورة بمجرد الاستماع إلى وصف يلقي به إليه مستعمله، كما أنّه يمكن أن يكتب حلول الفروض والامتحانات، أو يؤلف الروايات والقصص، ويبني سيناريوهات الأفلام، بل إنه يمكن أن يضع متصوّرا مدهشا لـ (ستارتاب) وفق ما يطلب منه المستعمل المرتاح قبالة الكمبيوتر، دون أيّ جهد يذكر..
ولا نشكّ بأن التقنية الجديدة لـ»الدردشة» ستشهد انتشارا واسعا، والأكيد أنها ستحدث تغييرات عميقة على العلاقة بين الانسان والآلة؛ ذلك أن (الروبو) الجديد يمنح من يتعامل معه الإحساس بأنه (بونادم حقّاني)، ولعله، في مستقبل قريب، يعرض عليه التكفّل بإعداد الغداء والعشاء، بل وحتى إعداد سيناريوهات «الأحلام» التي يرغب في رؤيتها صاحب (الروبو)!!.. غير أنّنا، مع كل الممكن من التّطور في مادة الذّكاء الصناعي، ما زلنا نرى أنه أبعد ما يكون عن طبيعة الفكر الإنساني؛ لأنه – في الأخير – منتج فكر انساني، ولا يمكن أن يبلغ من دقّة الأداء إلا ما يبلغ عقل صانعه، أما النسيان أو السّهو الذي يصيب الانسان، فهو – في كل حالاته – أهون من الخلل الذي يتسلل إلى النظم الإلكترونية..
وفي كل حال، نعتقد أنّنا ينبغي أن نستفيد من كل ما تُتيح التكنولوجيات الحديثة، ونحكّم استعمالها، بل نُسهم في الإضافة إليها، شرط أن لا ننسى أصولنا، وعلاقاتنا اليومية، وشرط أن لا نفرّط في تراثنا الانساني، فما نراه اليوم قديمًا متجاوزًا، قد يكون منفذ النجدة الوحيد غدًا..