مكدّسو الأموال، في اعتقادنا، صنفان اثنان، أوّلهما تمكّن من تجميع (غلّة) لا بأس بها من «الحلال» (أو الحلال الشبيه) في ظروف موضوعية. والثاني لم يترك جريرة ولا جريمة إلا ارتكبها، تعبيرا عن حبّ المال حبّا جمّا، والصنفان معا، يشتركان – بعلم أو بغير علم – في «وظيفة» واحدة.. الوقوف في وجه النهضة الاقتصادية الوطنية..
أمّا الصّنف الأوّل، فهو رهينة أفكار خاطئة، و(عقليات بائدة)، و(رؤى متجاوزة)، فقد تعوّد على أن المكان الآمن الوحيد للمال، (تحت المخدّة)، باعتبار أن (رأس المال خوّاف) لا يمكن المغامرة به، بينما يبقى «البنك»، – بالنسبة لهؤلاء – غير مأمون، من الجانب العقائدي على الأقل؛ لأن المسألة معه متعلّقة بـ»الربا»، وهذا غير مقبول أبدا، حتى عند ذاك الذي لا يرى عيبا في (النهب) و(السلب)، ولا يحسّ بحرمة أكل حقوق الناس بالباطل، ولكنه مع هذا يتعفّف عن «الربا»!!.. وإن كانت المعاملة البنكية بعيدة عن أي شبهة ربا، وتدرأها الشبابيك الإسلامية..
ويختلف الصنف الثاني؛ لأن عزوفه عن التعامل مع البنوك ليس نتيجة لرؤية دينية، ولا خوفا من ضياع رأس المال، وإنما المسألة عنده متعلّقة حصرا بالتخوّف من السّؤال الصّعب (أنّى لك هذا؟!)، ولا يقدر – بطبيعة الحال – على الادّعاء بأنه (من عند الله)، بحكم أن الناس يعرفون أن الرّفاه لا (يتغوّل) إلا إذا كانت المعاملات مما يدخل في (الممنوعات)، وهذا لا يمكن أن يمرّ عبر القنوات المالية القانونية، حتى يحتفظ بسريّته ويحافظ على نموّه، بعيدا عن أعين القانون..
الحاصل، إذن، أن الاقتصاد الوطني لا يمكن أن يبقى رهينة بين الصنفين، والسوق الموازية أنهكت جيوب الناس بما فيه الكفاية، فإن ظن أحد أنه بعيد عن المساءلة، فلينظر إلى المضاربين غير الشّرعيين.. فهؤلاء عندهم الدّرس الواضح..