يرى المستشار الاقتصادي الدكتور محفوظ كاوبي، في حوار مع «الشعب»، أن الوضعية التي تتواجد عليها الجزائر تمنحها جرأة أكثر من أجل المرور للسرعة القصوى في عملية التحول الاقتصادي وتبوإ مكانتها الحقيقية على مستوى القارة السمراء، خاصة في ظل التحولات الجيواستراتيجية التي يشهدها العالم والتي أبانت أن الجزائر بلد محوري من أجل الدخول أو بناء علاقات اقتصادية أو جيواستراتيجية مع القارّة السمراء في المستقبل القريب.
الشعب: الجزائر تسعى أكثر من أي وقت مضى لتسريع التكامل الإقليمي في إفريقيا من أجل مواجهة التحديّات الاقتصادية والأزمات الدولية، مستغلّة علاقاتها المتينة ومكانتها لدى الدول الكبرى، ما هو انعكاسات ذلك على مكانة الجزائر في القارة السمراء؟
د.محفوظ كاوبي: الأمر الأساسي أن الجزائر تعتبر دولة قوية في القارة السمراء، وهذا من خلال قوة مؤسساتها المستقرّة وهو أمر مهم من أجل الحصول على المكانة التي تتبوأها الجزائر على المستوى القاري، ومن الناحية السياسية فالجزائر تتبنى سياسة خارجية جد محترمة على المستوى الدولي باعتمادها على تبني القضايا العادلة وعدم الانحياز الى أي جانب دون مقومات أو عوامل أساسية وموضوعية، أما الأمر الثاني الذي يجعل الجزائر تتبوأ مركزا رياديا على المستوى الإفريقي هي شبكة العلاقات المتينة على المستوى الجيواستراتيجي، إذ بقيت بعيدة عن التأثر بالكتل ومحاولة جرّها في قضايا لا تعنيها أو القضايا التي لا تكون عادلة، كما أنها تنتهج منطقا براغماتيا مع الدول الغربية على مستوى العلاقات الدولية وهي متفتحة على التعامل الذي يضمن المصالح المشتركة. كما أن الجزائر، على سبيل المثال، تجمعها مع الصين التي تعتبر قطبا مهما علاقات إستراتيجية مهمّة ترجمتها اتفاقيات كاتفاقية التعاون الاستراتيجي، ونفس الشيء مع روسيا وإيطاليا الأخيرة التي هي عضو في الاتحاد الأوروبي، وهذه العلاقات أمر أساسي لبناء صرح للجزائر على المستوى الإفريقي، لذا فإن قمنا بجمع هذه المؤهلات، فإن الجزائر مع جنوب إفريقيا ستشكلان الدولتين المفتاح للقارة السمراء، خاصة إذا أضفنا المقومات المادية والباطنية والقاعدية.
ومن ناحية المنطق الجيوستراتيجي والمؤهلات الاقتصادية، ومن ناحية البناء المؤسساتي ستكون الجزائر بلدا محوريا من أجل الدخول أو بناء علاقات اقتصادية أو جيواستراتيجية مع القارّة السمراء. ومستقبل الجزائر يعدّ مستقبلا رائدا بكل موضوعية في مستقبل القارّة السمراء وهي المنطقة التي تشهد أكبر حجما للتبادلات التجارية وأكبر نسب للنمو في المستقبل.
هناك من يرى بأن البلدان الإفريقية، التي تدعمها الاستثمارات والطلب من طرف أسواق أخرى صاعدة، ستؤدي بالقارة نحو إدماج اقتصادي أكبر وستكون الجزائر بلا شك على رأس هذه البلدان، هل تتوافقون مع هذه النظرة؟ وكيف تفسرون ذلك؟
بالتأكيد الدراسات الاقتصادية الاستشرافية ترشح القارة الإفريقية بأن تكون المساحة التي ستسجل أكبر نسب للنمو وأكبر نسب لمعدل التبادلات التجارية واندماج. فالقارّة الإفريقية تزخر بحوالي 30٪ من الموارد الباطنية في العالم، كما أن لديها مورد بشري مهم للغاية وبالتالي فإن عملية التنمية ستوجه أساسا لإفريقيا إذا قارناها بمناطق النمو الأخرى. والجزائر الجديدة تتميز ببناء مؤسساتي وسياسي متين ومستقر وهو عامل أساسي في عملية التنمية الاقتصادية، كما أنها تزخر ببنى تحتية مهمّة وجاهزة يمكن أن تساعد الجزائر في عملية الاندماج مباشرة، بالإضافة الى علاقاتها مع دول الشمال التي توصف بالمميزّة، خاصة الدول الأوروبية ودول حوض المتوسط. كما أن الدراسات تشير الى إمكانية تحقيق الجزائر لنسب الاندماج المطلوبة لتحقيق التحفيزات المتعلقة بالسوق الإفريقي على مدار ثلاث أو أربع سنوات المقبلة.
الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو الانضمام الى مجموعة بريكس، خاصة وأن الرئيس تبون أعلن أن سنة 2023 ستتوج بدخول الجزائر إلى منظمة «بريكس»، ما هو المطلوب من الجزائر أكثر اليوم؟
أعتقد أن الجزائر ستكون في سنة 2023 عضوا في منظمة «بريكس»، وقد كانت مدعوة في القمة الماضية وأعتقد أن تواجدها في قمة جوهانسبورغ سيكون من أجل ترسيم عضويتها، والآن كل المقومات على مستوى تبنّي الأفكار الأساسية في «بريكس» موجودة في الجزائر، عملت من قبل على بناء نظام اقتصادي أكثر عدلا وعلى أن لا تكون الأسواق المالية مهيمنة على العلاقات الاقتصادية التي في كثير من الأحيان غير عادلة. وهي بكل مقوماتها سواء على المستوى السياسي أو الدبلوماسي والاقتصادي، ستكون من بين الدول التي ستكرس عضويتها في هذه المنظمة.
قانون الاستثمار الجديد يعتبر من أهم الخطوات من الناحية التشريعية التي خطتها الجزائر لجلب رأس المال الأجنبي والرفع من معدل الاستثمار بالبلد، كيف تتوقعون نتائجه الأولية؟
قانون الاستثمار حاول أن يعطي قفزة نوعية على المستوى التشريعي والمؤسسات في عملية الاستثمار من خلال تحرير كل الطاقات الموجودة، سواء على المستوى المحلّي وأيضا استقطاب الطاقات الموجودة على المستوى الأجنبي أو ما يسمّى بالتدفقات المالية الخارجية، والآن يجب ذكر أمر أساسي فالتشريع الحالي يعتبر من أحين النصوص الموجودة على مستوى دول البحر الأبيض المتوسط وهو الأمر الذي يمكّن من استقطاب التدفقات الأجنبية، ولكن يجب الإشارة أن هذا التشريع يدخل في نسق عام يتعلق بتهيئة كل الظروف المتعلقة بتحرير الاستثمار وهو أمر يظهر من خلال كل الإجراءات التي تقوم بها الجزائر من أجل تحرير عملية الاستثمار، سواء من خلال تحرير المنظومة البنكية واعتماد قانون النقد والقرض الذي يعطي أكثر سلاسة في التدفقات المالية، بالإضافة الى إصلاحات تفتح باب التنافس وتقلّل من الإجراءات البيروقراطية في العملية الاقتصادية، وعلى أن تكون العملية الاقتصادية تحتكم الى الأسواق ومنطق تنافسي وهو الأمر الذي يبيّن أن المنطق الحالي هو منطق نسقي أكثر شموليا وأكثر تحريرا لعملية الاستثمار.
ما هي أسرع السبل الممكن انتهاجها من أجل بلوغ نسبة نمو تسمح للجزائر من فرض نفسها على أكثر من صعيد ومستوى؟
أسرع السبل هو الاعتماد على المقاربة المبنية على تحرير الطاقات واعتماد الأسواق. الآن المنطق يذهب الى أن الإصلاحات الحالية تتوفر فيها أساسيات العمل النسقي والأمر المهم هو الوقت في كل هذه العملية، لأنّ التموقع على مستوى الأسواق لا يمكن أن ينتظر لوقت طويل والفرصة ينبغي استثمارها في وقتها، ورئيس الجمهورية تكلم عن العديد من العراقيل التي تشوب عملية التحوّل من خلال تلك التي تقف في وجه الرقمنة أو غيرها، لذا فإنني اعتقد أن الوضع الاستراتيجي الحالي والأريحية النسبية من الناحية المالية وتحيين مؤشرات الاقتصاد الكلّي والاقتصاد الفعلي تؤهل الحكومة لأن تكون لها جرأة أكثر، مثلما دعا إليه رئيس الجمهورية بأن تكون هناك أكثر جرأة وأكثر عملا من أجل إعطاء السرعة اللازمة للإصلاحات، فكلما كانت إصلاحاتنا تمر بالسرعة اللازمة كلّما كان الظرف ملائما من اجل استقطاب التدفقات التي يمكن أن تأتي من أوروبا أو الصين. والملاحظ أن العديد من الأمور الخارجة عن نطاق الحكومة عطلت من عملية التحول، كالأزمة الصحية العالمية، لكن الآن الوضعية التي نتواجد عليها يمكن أن تعطينا جرأة أكثر لإعطاء السرعة اللازمة لعملية التحول الاقتصادي.