التعهد الواحد والأربعون ضمن التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون خلال حملته الانتخابية، يتعلق بجعل الجامعة إطارا للتعليم والتنمية والإبداع، من خلال ورشة إصلاحات ترتكز على تغيير النظرة نحو الجامعة كمؤسسة تقتصر على مجالي البحث والتعليم إلى شريك مهم في النهضة الاقتصادية وتعزيز الانسجام بينها وبين المؤسسات الناشئة، باعتبارها المحطة الأقرب للطالب الباحث عن المساهمة في خلق الثروة بدل استجداء الوظيفة.
ظلت الجامعة الجزائرية على مرّ عقود من زمن الجزائر المستقلّة مرتبطة بالنظرة الأكاديمية البحتة، بالرغم من عديد المحاولات من أجل ربطها بالتصورات المجتمعية وحاجيات الاقتصاد بالبلد، باعتبارها فضاء علميا وثقافيا ومهنيا في نفس الوقت. فقد كانت الجامعة الجزائرية خلال المرحلة السابقة بعيدة كل البعد عن مخرجات المحيط السوسيو-اقتصادي ومن ورائه المجتمع وما يطلبه من اختصاصات تلبّي التحولات القائمة على تركيبته والاقتصاد الراهن.
مرّت الجامعة الجزائرية بمحطات هامّة في تاريخ الجزائر المستقلة، لعلّ أبرزها التحول نحو نظام “أل.أم.أدي” منذ نحو 19 سنة، إذ شرعت بعض الجامعات الجزائرية في تطبيقه سنة 2004 ثم عمّم تدريجيا على مختلف الجامعات الجزائرية، بداعي مواكبة التطورات التي أحدثتها المنظومة الجامعية العالمية وتوحيد الشهادات والدرجات العلمية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مجتمع.
وطرح التحول نحو نظام “أل.أم.أدي” العديد من التساؤلات حول فاعلية هذا النظام وتوافقه مع متطلبات سوق العمل في الجزائر، كون النظام يقتضي مغادرة أغلبية الطلبة الجامعة بعد نيلهم شهادة ليسانس “أل.أم.أدي” خلال ثلاث سنوات من الدراسة والتكوين ويتوجهون نحو سوق العمل، في حين يواصل عدد قليل منهم الدراسة لنيل شهادة الماستر، بعد سنتين من ذلك يغادر السواد الأعظم للطلبة حاملين هذه الشهادة الجامعية وتتبقى زبدة من نخبة الجامعة لتحضير نيل شهادة الدكتوراه.
ودعا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون خلال اجتماع مجلس الوزراء، بداية هذا الأسبوع، الى إدراج إصلاحات جديدة على منظومة التعليم العالي في الجزائر، تشمل لأول مرة فتح المجال للجامعات الخاصة، وفق معايير ومقاييس عالمية، مع إمكانية اللجوء إلى التمويل البنكي لتجسيد ذلك، فضلا عن وضع بطاقية مرجعية للتخصصات العلمية، لمعادلة شهادات الجامعات الأجنبية، بصفة آلية لحامليها من الجزائريين.
وأسدى الرئيس تعليمات بإعادة النظر في التنظيم المعتمد في الجامعة الجزائرية بصفة دقيقة، بين نظام “أل.أم.أدي” ليسانس- ماستر- دكتوراه، والنظام الكلاسيكي، وذلك وفق نظرة توافقية للأسرة الجامعية، على أن تُقدم المقترحات في حينها، إلى مجلس الحكومة، ثم ترفع إلى مجلس الوزراء.
ويرى الكثير من المهتمين بالشأن الجامعي، أن مشروع العودة الى النظام الكلاسيكي بالجامعة لن يرى النور حتى يصل الى محلّ إجماع من طرف كل الفاعلين في الوسط الجامعي، بعد دراسة كل تبعاته على المستويين البيداغوجي والتنظيمي.
وبالإضافة الى عصرنة الجانب التكويني والتعليمي، يعمل القائمون على الجامعة الجزائرية على عصرنة الحوكمة الجامعية، من خلال تزويد القطاع بنظام توجيهي للرقمنة ينبني على 7 محاور و16 موضوعا وحوالي 102 عملية مسندة بأكثر من 40 منصة موجهة للتعليم والتكوين وأخرى موجهة للخدمات الجامعية، بالإضافة إلى تقوية وتعزيز الأقطاب التكنولوجية كالقطب التكنولوجي بسيدي عبد الله الذي سيشهد توطين ثلاث مدارس وطنية عليا متخصصة فيما يعرف بمهن المستقبل كالروبوتيك والأنظمة المستقلّة، بالإضافة الى مدرسة وطنية عليا لطب الغد، وكلها تكوينات تستهدف انفتاح الجامعة بنظرة استشرافية على مهن المستقبل.
من الناحية البيداغوجية، يتم النظر في إعادة تنظيم ميادين التكوين وتقليصها من خمسة عشر ميدانا الى خمسة ميادين، بالإضافة الى إعادة النظر فيما يسمى اليوم بالأقطاب الجامعية من أجل استيعاب التنظيم الجديد في التكوين الجامعي. كما تعتزم الجامعة الجزائرية تمكين الطلبة من مسايرة أو مزاولة تكوينين بالتوازي، انطلاقا من استغلال الأنماط الجديدة للتكوين كنمط التكوين عن بعد، خاصة وأن التجربة التي اكتسبتها الجامعة خلال جائحة كوفيد-19 كشفت عن آليات أكثر فاعلية في تلقي الطالب للتكوين عن بعد واستغلال التكنولوجيا الحاصلة في مجال التواصل.
وخلال الثلاث سنوات الأخيرة ومنذ تولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون سدة الحكم في البلاد، شهدت الجامعة الجزائرية تحولات جذرية في طريقة التفكير والنظرة نحو مستقبل الطالب تغيّرت من باحث عن الشغل الى طالب منتج للثروة بأفكار جديدة تتماشى والتطورات الحاصلة في عالم التكنولوجيا والشغل، والجميع شاهد على مساهمات جامعات الوطن في توفير آليات مكافحة الوباء وكيف فتحت ورشاتها لإبداع الطلبة في صنع معدات التعقيم ونظام مكافحة الوباء.
وشهدت الجامعة الجزائرية خلال عهد الرئيس تبّون، استقلالية في اتخاذ القرار وسلطة التقدير في تكييف البرامج وعروض التكوين مع احتياجات المرحلة. كما عرفت ذات الفترة استحداث وزارة تعنى بالمؤسسات الناشئة التي أصبحت هدفا للطلبة الجامعيين، من خلال فرص تجسيد ابتكاراتهم وأفكارهم الجديدة على أرض الواقع.
وعرفت الجامعة الجزائرية خلال نفس الفترة، ثورة في الإصلاحات على مستوى الخدمات المقدمة للطالب، من خلال فتح المجال أمام التنافس في تقديم أحسن العروض الخدماتيه للطلبة وكسر الاحتكار الذي كان سائدا في مجال النقل والإطعام في فترة الحكم السابق. كما شهد الديوان الوطني للخدمات الجامعية تغيرات جذرية على مستوى ذهنية التسيير ومرافقة الطلبة، خاصة في مجال الإطعام والإيواء.