شدّد المؤرخون في ندوة تاريخية، نظمت اليوم الأربعاء بمنتدى جريدة المجاهد، بمناسبة الذكرى الـ65 لمجزرة ساقية سيدي يوسف، على الوحدة والتضامن بين أبناء المنطقة المغاربية لاسيما دولة تونس الشقيقة، لما يربطنا من نضال مشترك وعادات وتقاليد وعلاقات مصاهرة، من أجل بناء شراكة جزائرية تونسية باعتبارها مشروع حضاري، وأكدوا أن جغرافية المنطقة تفرض علينا التلاحم لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تهدد المنطقة.
أبرز الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي، سعيد مقدم، أن مجزرة ساقية سيدي يوسف هي مناسبة أليمة، ومن بين عدد من الذكريات والمآثر المشتركة بين أبناء الشعب المغاربي الأوحد، وقال: “من خلال الاحتفال بهذه الذكرى سنويا من شهر فيفري نحاول إبراز رمزيتها من تضامن، وتآزر، وتضحية وإيخاء بين الشعوب المغاربية ككل وخاصة التونسيين، لتستخلص الأجيال الحاضرة والمستقبلية العبر والدروس، من هذه الجريمة ضد الإنسانية”.
وذكّر مقدم، بالقرار المشؤوم الذي أصدرته الإدارة الاستعمارية في 1 سبتمبر 1957 القاضي بملاحقة الثوار الجزائريين داخل الأراضي التونسية وخارج الحدود الجزائرية، وهو أول قرار مرجعي يكرس الإعتداء على دول أخرى، والذي كان بسبق الإصرار والترصد لأن الجريمة مهد لها في أول إعتداء على الساقية بتاريخ 1 و2 أكتوبر 1957.
والعدوان الثاني في 3 جانفي 1958، وصولا إلى المجزرة الرهيبة في 8 فيفري 1958 ، التي صادفت يوم عطلة وسوق أسبوعي لتجمع الاهالي العزل، لترتكب هذه الجريمة التي يندى لها جبين الإنسانية في هذه المنطقة الصغيرة الحدودية، والتي اسفرت عن 79 شهيد من بينهم 11 امرأة و20 طفلا و130 جريحا ،علاوة على التدمير الشامل لهذه القرية الصغيرة وما كانت تمتلكه.
وأكد الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي، أن مجزرة ساقية سيدي يوسف عززت التلاحم الجزائري التونسي ومستقبلهم الواعد، حيث كانوا يؤمنون بنظرية انه لا يمكن القفز على قوانين الجغرافية.
وأضاف:” قدرنا مرهون بتحقيق تضامننا ووحدتنا، نحي الذكرى لأننا نولي أهمية كبيرة لبناء الشراكة الجزائرية التونسية باعتبارها مشروع حضاري لا نحيد عنه”.
وأوضح مقدم، أن هذه المجزرة أسقطت مشروع وحلم الاستعمار الفرنسي في بسط سيطرته ونفوذه على الأراضي الجزائرية، وبخصوص طلب الاعتذار من فرنسا يرى الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي أننا لسنا بحاجة إلى طلب الاعتذار لأننا خرجنا منتصرين، والمنتصر لا يطلب من المقهور الاعتراف بجريمته.
ووصف مجزرة ساقية سيدي يوسف بأنها جريمة نكراء لا تسقط بالتقادم، داعيا الحكومتين الجزائرية والتونسية لمضاعفة وتكثيف جهود التضامن والشراكة لما فيه الخير للبلدين، وذلك لما يتمتعان به من ثروات طبيعية وتنموية وبشرية لما في ذلك من شراكة مع دول الساحل، حفاظا على ما نعيشه من افات الاتجار بالبشر والجرائم، التي تمس بأمن واستقرار دول المنطقة ككل.
وأضاف:” هذا يتطلب منا وضع برامج تنموية محددة قائمة على مقاربات سوسيولوجية، إلى جانب المحافظة على عدم نزوح الساكنة في المناطق الحدودية وعدم تعاطيهم لأنشطة محرمة، نسعى إلى العمل على استقرار أبناء المنطقة من خلال تحسين الإطار المعيشي”.
وأشار الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي، إلى أن التقسيم الإداري للولايات الذي اقره رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، هو رسالة لإنشاء حركية وتحقيق الآمال التي ناضل من اجلها أبناء الحركة الوطنية.
البروفيسور مغدوري: الوحدة الضمان لاستقرار المنطقة والجغرافية تحتم الخيار بالشراكة
وصف البروفيسور حسان مغدوري، أستاذ التعليم العالي بجامعة الجلفة مجزرة ساقية سيدي يوسف بأنها محطة تعكس ملحمة في تاريخ العلاقات بين الجزائر وتونس وعمقها، وتحمل صفة الجريمة بامتياز في اعتداء سافر على دولة ذات سيادة بطريقة وحشية تتنافى مع الأعراف الدولية، استخدم فيها الاستعمار الفرنسي كل قدراته لتنفيذ الجريمة بما يسمى حق الملاحقة.
وأكد المؤرخ، أن الوحدة هي الضمان لاستقرار المنطقة، والجغرافية هي التي تحتم خيار الشراكة، قائلا:” نحي الذكرى الـ65 لمجزرة ساقية سيدي يوسف من أجل تحصيل هذه التجربة، نحن مهددين في كل مرحلة تاريخية، هذه المحطة هي ذاكرة تخلد محطة النشوة للشعبين وعلينا أن نأخذها ببعدها الاستيراتيجي”.
وأشار مغدوري، إلى أن التاريخ علمنا انه ينبغي أن نلتف حول بعضنا ونتحد، ونأخذ من هذه التجربة المؤلمة مرتكز غايتنا في نظرة شاملة بما كان ينظر إليه بيان أول نوفمبر، وأبرز انه عندما نتحدث عن الاهتمام بالعمق المغاربي، علينا أن ننظر للموضوع بما يعكس العمق التاريخي.
وأضاف المحاضر أن، المجزرة رسمت ارقى معالم الأخوة والتضامن من خلال امتزاج دماء الجزائريين والتونسيين على حد سواء، كما تؤكد وجود وعي لدى شعوب المنطقة المغاربية آنذاك بأن “التكتل ووحدة الصف هو الرهان لضمان الأمن والاستقرار”.
وقال:” قدرنا هذه الجغرافية ونحن في منطقة تجاذبات وصراعات، المصير المشترك هو الدفاع عن هذه الوحدة، السير غير هذا الاتجاه هو انتحار”.
وأكد مغدوري، أن الإحساس بهذه الحتمية هو ما جعل الحدود مجرد حدود وهمية، فالمنطقة تجمعها عادات وتقاليد وعلاقات مصاهرة، فنحن شعب واحد، وأشار المؤرخ إلى أن أجدادنا في الحركة الوطنية كانوا أكثر وعيا بهذه الحقيقة وفكرة الوحدة، ولهذا يسعى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، للاهتمام بملف الذاكرة لأنها تمثل القاسم المشترك بيننا.
وقال:”فرنسا لها سجل من الجرائم تطرح ذاكرة مشتركة، فشتان بين ذاكرة الأمة والحصرة، وهم يتحصرون على جوهرة الجزائر”.
وفيما يخص الفرق بين الذاكرة والتاريخ، أوضح البروفيسور مغدوري، أن التاريخ هو مجموعة من الأحداث يشوبها نوع من الشك، وهي عملية بحثية متجددة ومستمرة، وهو التعبير العقلاني، بينما الذاكرة هي محطات محددة يستدعيها العقل الجمعي، إما محطات فرح أو محطات مؤلمة، والذاكرة هي التعبير الوجداني وهي الصدق والقاسم المشتركلتحقيق الإجماع، يضيف المؤرخ.
مزيان: لا وجود لتاريخ مشترك مع فرنسا
ووصف رئيس المجلس العلمي بالمتحف الوطني للمجاهد، المؤرخ سعيدي مزيان، مجزرة ساقية سيدي يوسف بأنها مجزرة استعمارية بمنظور الاستعمار الفرنسي، الذي له تاريخ اسود في الجزائر من جرائم الإبادة، وتشويه الألقاب، الجرائم الدينية، الثقافية وغيرها، عمل على محو الدولة الجزائرية.
وأكد المؤرخ، أن الحقائق التاريخية والأرشيف يثبت أن الجزائر كانت دولة قائمة، والدليل انه في عهد الدايات في العهد العثماني كان عندنا 66 قنصلا فرنسيا قدموا أوراق اعتمادهم للحاكم العام، إضافة إلى أن فرنسا استنجدت بالأسطول الجزائري، الذي كان يضم 57 رياس بحرية، والجزائر في العهد العثماني اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، وكلها أدلة على وجود الدولة الجزائرية التي تحاول فرنسا طمسها.
وأشار رئيس المجلس العلمي بالمتحف الوطني للمجاهد، إلى أن هدف بيان أول نوفمبر، هو إعادة بناء دولة جزائرية ذات سيادة، وقال أن ساقية سيدي يوسف تضاف إلى سلسلة مجازر فرنسا والحديث عنها هو حديث عن نضال مشترك بين الجزائريين والتونسيين، لا يمكن طمسه بجرة قلم، وأكد أن حوالي 500 تونسي استشهدوا من 1954 إلى 1962، رفعوا لواء الجهاد بجيش التحرير الوطني، تضامنا مع إخوانهم الجزائريين.
وأشار المحاضر، إلى أن مجزرة ساقية سيدي يوسف شاركت فيها 11 طائرة مقنبلة من نوع B26 ، أمريكية الصنع و6 طائرات من نوع كورسار، استغرق القصف حوالي ساعة و20 دقيقة، مخلفا ضحايا مدنيين، حيث كان موقف الحكومة التونسية ممثلة في رئيسها الحبيب بورقيبة، بغلق حركة الطيران الجوي في وجه أوروبي الجزائر، وغلق قنصليات فرنسية في تونس، وساهمت المجزرة في تدويل القضية الجزائرية ودعا المؤرخ إلى تنمية المتاحف المشتركة بين الجزائر وتونس.
وابرز سعيدي، الاستيراتيجية العسكرية للثورة الجزائرية، التي نادت باستقلال البلدان المغاربية الثلاثة منذ الحركة الوطنية مع مصالي الحاج ، وان البعد المغاربي موجود في البيان وأصبح مدستر في دستور الجزائر 2020، وأكد أن الجزائريون احتضنوا الثورة، التي شاركت فيها كل فئات المجتمع الجزائري من عمال، وطلبة، وتجار، وفنانين، ورياضيين، وفدائيين، ومسبلين، وغيرهم لذلك كتب لها النصر.
وأوضح المؤرخ، أن الذاكرة هي ما اتفق عليه الضمير الجمعي وهي جزء من التاريخ، أما التاريخ يكتبه الأكاديميون ويعتمد على التوثيق، وقال:” لا نستطيع كتابة التاريخ المشترك مع فرنسا، سنكتبه باسم المدرسة التاريخية الجزائرية، أما مع تونس فهو تاريخ مشترك”.