روى لنا واحد من الثقات، يشتغل بالحماية المدنية، أنّه خرج مع زملائه في مهمّة، يقصدون إلى تلبية نداء يتعلق بامرأة عجوز تحتاج العون، وصادف أن مرّت شاحنة الحماية بطريق ضيقة، وكانت تسبقها شاحنة صغيرة من نوع (هربين) أبى صاحبُها إلاّ أن يتثاقل في السير، بل يمعن في التثاقل، غير عابئ بالأصوات والأضواء التّحذيرية المنبعثة من شاحنة الحماية، فلم يجد المكلّفون بالمهمّة ما يفعلون سوى الصّبر والسّير وفق سرعة (الهربين)، وهو (يزيد عليها، بلغتنا الفصيحة)..وظلّت الحال على حالها أن اتّسعت الطّريق، فتجاوز رجال الحماية (المتثاقل) دون أن يعيروه اهتماما، ومضوا إلى حال سبيلهم، من أجل القيام بواجبهم..
وليس يخفى على أحد أنّ شاحنات الحماية المدنية، صاحبة حقّ في الطريق، حتى إن لم تكن في مهمّة، ومع هذا، قد يطلُع (بين حين وآخر) ذلك الشّاذ الذي يهوّن من مجهودات الناس، ولا يرى حاجة في احترام ما يبذلون من أجل راحة الآخرين، ولكن هذا يبقى شاذا، فليس من ينكر على رجال الحماية ورجال الصّحة، ورجال الأمن والدّرك والوطنيّين، ورجال الجيش الوطني الشعبي، حضورَهم القويَّ في كلّ الملمّات، فهم وحدهم الذين يمدّون يد العون، ويغيثون المصاب، ويعينون على النّوائب، (دون منّ ولا أذى)، وهم وحدهم الذين يؤثرون الناس جميعا على أنفسهم، وحقهم الاعتراف بفضلهم، وليس تدخل رجال الحماية المدنية بسوريا وتركيا، سوى صورة عن الإخلاص والوفاء للإنسان..
المهم..وصل رجال الحماية المدنية الذين تحدّثنا عنهم إلى وجهتهم، وقاموا بواجبهم، والعجيب أنّ صاحب (الهربين) وصل، فوجد الشاحنة الحمراء متوقّفة إلى جانب منزله، فوقف فاغرا فاه وهو يرى الرجالة يحملون أمّه التي ولدته، ويسارعون بها إلى رحاب الحياة..