يتأكد من يوم لآخر، أن حروب الجيل الرابع، التي تستخدم تكنولوجيات الإعلام والاتصال لمهاجمة المنشآت الرقمية الجزائرية، حقيقة ماثلة للعيان، وتأتي في سياق حملة بائسة لضرب وتشويه صورة الجزائر، والقصد من وراء ذلك برأي مراقبين إضعاف مواقفها المبدئية وخياراتها الإستراتيجية.
كشفت الهجمات السيبرانية الحادة التي تعرض لها موقع وكالة الأنباء الجزائرية الأحد، أن حالة العداء المتقدم التي تكنها أطراف معروفة ضد كل ما هو جزائري، ماضية في التصعيد، ما يفرض تعزيز الإجراءات الحمائية لإفشال هذه الحرب المسعورة.
ووفق التقارير الصادرة من قبل خبراء الجريمة الالكترونية، يقف الكيان الصهيوني والمخزن، وجهات أخرى من أوروبا، وراء كل الهجمات التي استهدفت المواقع الالكترونية لمختلف المؤسسات الجزائرية.
هذه الأطراف هي التي قامت الأحد بهجوم كثيف على الموقع الرئيسي المتعدد اللغات لوكالة الأنباء الجزائرية، واستدعى حجبه مؤقتا، لمنع اختراقه ووصول قاعدة البيانات، وأكد بيان الوكالة أن مصدر الهجمات “الكيان الصهيوني وبعض المناطق من أوروبا”.
وجاءت العملية في سياق خاص، تعرف فيه العلاقات الجزائرية -الفرنسية تدهورا خطيرا، بفعل ممارسات اللوبيات الفرنسية الحاقدة والرافضة لأي تقارب بين البلدين على أساس احترام السيادة والندية والمصالح المتبادلة.
كما أن الهجمات، تمت أثناء انعقاد أشغال المؤتمر رفيع المستوى لدعم القدس، بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، في وقت يترأس مجلس الجامعة العربية، الرئيس عبد المجيد تبون، وقدم كلمة قرأها وزير الخارجية رمطان لعمامرة، جدد من خلالها مواقف الجزائر الثابتة تجاه القضية الفلسطينية ودعوته المستميتة لتعبئة الجهد الدولي والتوجه للأمم المتحدة من أجل تمكين فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة.
أما السياق العام الذي تأتي فيه هذه الهجمات منذ 3 سنوات، فهو التوجه الحازم للجزائر، نحو تعزيز استقلالها السياسي، بتحقيق الاستقلالية الاقتصادية، وتغيير نموذجها الاقتصادي من الاستيراد نحو التصدير مع السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الإستراتيجية.
وبالتزامن مع ذلك، تنامت المكانة الإقليمية للجزائر الجديدة، باعتبارها شريكا موثوقا، يدير لعبة التوازنات الإستراتيجية، بالثبات على المبادئ التاريخية وعلى رأسها التصدي لكل المخططات التوسعية التي يجتمع فيها الاحتلال الصهيوني ومع المغرب المحتل للصحراء الغربية.
كل هذه الخيارات لم تعجب الأعداء التقليديين، للمواقف والطموحات الجزائرية، ما دفعها لانتهاج أساليب المواجهة الحديثة والمتمثلة في الحرب السيبرانية، التي تقوم على عدة خطط وتدابير.
ومن أبرز الأساليب، توظيف الخوارزميات التي تروج للمحتوى السلبي والمحبط، وصبه باتجاه الجمهور الافتراضي، في إطار ما يعرف “بمعارك الوعي”، والتي أظهر فيها الجزائريون براعة كبيرة، وتصدوا في كل مرة لمختلف الهجمات الشيطانية.
ولم تجد الجهات التي تقف وراء هذه الهجمات، إلا القيام بحملات تبليغ منظمة ضد معظم الحسابات الجزائرية المدافعة عن المصلحة الوطنية بغرض حجبها في كل مرة، لتنتقل فيما بعد إلى العمل التخريبي للمنصات والمواقع الالكترونية الجزائرية.
آلاف الهجمات يوميا
وتشير إحصائية تداولتها وسائل الإعلام الوطنية، العام الماضي، إلى أن وزارة الدفاع الوطني، تصد يوميا 35 ألف هجوم سيبراني، في إطار ما يعرف “بالحرب والإرهاب الالكتروني”.
وسبق لوزارة الدفاع، أن نظمت في ماي 2021، ملتقى بعنوان: “الأمن السيبراني والدفاع السيبراني: رهانات وتحديات على ضوء التحولات الجديدة المتعددة الأبعاد”، قال فيه رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة : “عرفت بلادنا الجزائر، العديد من الهجمات السيبرانية، التي استهدفت مواقع حكومية، وأخرى تابعة لمؤسسات اقتصادية وحيوية إستراتيجية، وازدادت هذه الهجمات حدة وكثافة في الآونة الأخيرة، مع خروج بلادنا من أزمتها ودخولها مرحلة بناء الجزائر الجديدة، التي سطّر معالمها السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني”.
وشدد على أن “تأمين والدفاع عن فضائنا السيبراني، مسؤولية جماعية، تُضمن من خلال إستراتيجية وطنية شاملة للأمن السيبراني، يتعين أن ينخرط فيها الجميع، بداية من المواطن، من خلال وعيه بالمخاطر، التي ينضوي عليها هذا الفضاء، وتقيده الصارم بالإجراءات السليمة، عند استخدام الوسائل التكنولوجية”.
وإلى غاية الآن، نجحت الجزائر في التصدي لهذه الحروب وأحبطت جميع الهجمات، من خلال الاعتماد على كفاءات عالية التأهيل من مهندسين وخبراء، إلى جانب سن قوانين ردعية جديدة.
وبموجب قرار أصدره رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال ترؤسه اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن، في أوت 2021، تم استحداث قطب متخصص في متابعة الجرائم السيبرانية ومكافحتها، باختصاص وطني.