يحدثنا بعض المتشائمين عن «الدّنيا» التي تقلب لهم ظهر المجنّ (بلغة تأبّط شرّا)، وتصطنع لهم وضعيات صعبة لا يجدون سبيلا إلى الفكاك منها، ويرون – في معظمهم – أنّ المسألة متعلقة بـ»الحظ المشؤوم» و»طوالع النّجوم»، كما يمكن أن تكون من صنائع (الساحرات) اللّواتي يمتلكن القدرة على تجميد الماء دون عناء، وإنزال القمر في (الجفنة)، وأشياء أخرى كثيرة من الأعاجيب..
ويبالغ واحد من المتشائمين، وهو يضرب الأخماس لأسداس، فيذهب إلى أن «سوء الحظ» يلاحقه حتى حين يكون في زحمة السيارات بالطريق السريع، ويرى سيارات المضمار المحاذي له، تسير بمنتهى الرّوعة، فيصبر إلى أن تتاح له الفرصة، ويقفز إلى المضمار السّيال، وهنا، تصيبه لعنة سوء الحظ، وتلتحق به (التوابع والزوابع)، فيتوقف مضماره الجديد في الحال، ليتحرك المضمار الذي كان متوقّفا، ويسير سيرا رائعا، مختالا فخورا..
طبعا، لا يمكن أن يصدّق عاقل ما يقول المتشائمون، فالبشرية بلغت مستوى من المعرفة، يؤهلها لأن تدرك بأن الحديث عن (الزّهر والميمون) ليس سوى أباطيل وخرافات، ولا يمكن للإنسان – مهما كان مستواه – أن لا يدرك بأن ركن (حظك اليوم) بالجريدة، إنما هو خبط عشواء، ويراهن في (بلاغته) على حاجات الإنسان الضرورية في الحياة، ثم يغرق تعابيره في تهويمات متعدّدة التأويلات، ما يجعل المتلقي (المتشائم) يحسّ بأن «البرج» (يدرس) حالته الميؤوس منها، ويقدّم له النصائح التي تكفل له التخلص من شؤمه!!..
على كلّ حال، ما زال صاحبنا يعاني من مضامير الطريق السريع، ويلقي باللوم على حظّه التعيس، دون أن ينتبه إلى أن السبب المباشر لتوقف المضمار الذي يقفز إليه، إنما هو (ذكاؤه الحادّ)، فهو يعتقد أنه يجد الحل لنفسه على حساب بقية الناس، ويفوته أن في الناس كثيرون (أذكياء) مثله، ويقفزون معه إلى المضمار الجديد.. ما يجعله يتوقف بالتأكيد..