جدّدت الجزائر سعيها لتوحيد جهود الدول الإفريقية لمواجه التّحدّيات الحالية والمستقبلية التي تعرفها القارة، وفق مقاربة تسمح بإيصال صوت إفريقيا وإسماعه على المستوى الدولي، وترتكز المقاربة الجزائرية على التنمية باعتبارها المدخل الرئيسي لتجاوز الأزمات والمشاكل التي تعاني منها القارة لاسيما مشكلة الديون الخارجية.
يرى الدّكتور عبد القادر بولحفة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أنّ تصريح الوزير الأول، ممثّل الرئيس تبون، على هامش القمة 36 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي حول دعم إفريقيا هو امتداد للسياسة الجزائرية المعروفة تجاه أفريقيا، والتي ترتكز على التنمية لتجاوز مشاكل القارة. وهنا يمكننا التذكير بمبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا والمعروفة بـ«النيباد».
والجزائر تعتبر عضو مؤسس سنة 2001، وبالرغم من أنّ هذه المبادرة لم تحقّق مبتغاها بعد، إلاّ أنّها تحسب للجزائر وبقية الدول الافريقية التي ساندت هذه المبادرة سواء مصر جنوب إفريقيا نيجيريا والسنغال. والمتتبّع للسياسة الجزائرية اتجاه افريقيا يعي جيدا أن الجزائر لطالما رفضت التدخلات الأجنبية على كل المستويات سواء التدخلات العسكرية أو المشروطية السياسية في منح القروض، والتي لطالما كانت سببا في تأزيم مشاكل القارة، والجزائر في هذا الإطار لديها سجل حافل، فقبل سنوات قامت بمسح ديون أكثر من 14 دولة افريقيا بقيمة تجاوزت 1.4 مليار دولار.
واليوم تضخ الجزائر مليار دولار لصالح الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، وهذه الخطوة تعد إضافة كبيرة في مسار تفعيل آليات التضامن الإفريقي، وللعلم هذه الوكالة تم تأسيسها سنة 2020 وهي تابعة لرئاسة الجمهورية، وأعتقد أن تفعيل دورها في هذا الوقت يعد خطوة إيجابية، لاسيما وأن العمل الدبلوماسي المؤسّسي ضروري للمتابعة وتحقيق الأهداف المرجوّة.
تجربة جزائرية لتجاوز أزمة الدّيون
علاوة على ذلك، يرى الخبير الاقتصادي بوحمزة عبد القادر في تصريح لـ «الشعب»، أن الجزائر تمتلك خبرة كبيرة في كيفية التعامل مع مسألة الديون الخارجية، لاسيما وأن الجزائر عرفت أزمة ديون خانقة خلال تسعينات القرن الماضي.
كما أنّها رفضت اللجوء للاستدانة الخارجية بعد تراجع أسعار المحروقات في الأسواق الدولية سنة 2014، واعتمدت على آليات داخلية لتحقيق التوازن الاقتصادي، ويمكن تصدير هذه التجربة للدول الافريقية، وأرقام الديون الخارجية في أفريقيا حاليا كبيرة، حيث تجاوز إجمالي الدين الخارجي المحتفظ به في أفريقيا – الديون المستحقة على كيانات القطاعين العام والخاص والمستحقة للمقرضين الأجانب – حوالي تريليون دولار أمريكي.
وتجاوزت تكاليف الخدمة السنوية ذات الصلة عتبة 100 مليار دولار لأول مرة على الإطلاق في عام 2021، وهذا يمثل تقريبا 50 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في افريقيا، وتوزيع هذه الديون غير متوازن بين دول القارة، وبالتالي الخروج من أزمة الديون ليس بالأمر الهيّن، لكن تبقى الدول الكبرى في القارة مثل الجزائر قادرة على مساعدة الدول المدانة للخروج التدريجي من أزمة الديون، لاسيما بعد مسح ديون عدة دول افريقية قبل سنوات، وضخ رئيس الجمهورية مليار دولار عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية لمساعدة الدول التي تعاني من مشاكل تنموية، لاسيما وأنّ المساعدات الجزائرية غير مرتبطة بأي مشروطية سياسية، وتهدف بالأساس لمساعدة شعوب القارة لتحقيق السلام على جميع المستويات.
أضف إلى ذلك، الجزائر حاليا تسير وفق منطقة «لمّ الشّمل على عدّة مستويات»، بداية بلمّ الشمل العربي، ثم لم الشمل الإسلامي، والآن لم الشمل الأفريقي وتكريس ثقافة الاعتماد على الذات، ومشاكل أفريقيا يجب أن يحلّها الأفارقة وعدم انتظار المساعدات الأجنبية، فواقع الممارسة السياسية يؤكّد أنّ التدخلات الأجنبية زادت من حدة الأزمات سواء في مالي أو ليبيا او أفريقيا الوسطى. وتبقى المقاربة الجزائرية المرتكزة على التنمية في نظري هي الطريق الأنسب لتجاوز العديد من التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجهها القارة.