وضع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المواطن الجزائري “صاحب السّيادة”، على رأس أولويات برنامجه، وجعل استرجاع كرامته “حربا لا تهدأ” حيث عمل منذ انتخابه رئيسا للبلاد على تلبية تطلعاته، واستعادة ثقته التي كانت مقيدة منذ سنوات، لذلك لا يسمح اليوم بأي تقاعس من الجهاز التنفيذي والمنتخبين المحليين ومختلف الهيئات والإدارات العمومية إزاء تلبية مختلف انشغالاته كما أنه لا يرضى المس بكرامة الجزائري في أي منطقة كانت.
أدرك رئيس الجمهورية، منذ البداية، أبعاد الأزمة التي كانت تتخبّط فيها البلاد قبل موعد 12 ديسمبر 2019، فهي كانت متعدّدة الأوجه، سببها مثلما جاء في ديباجة برنامجه الانتخابي عدم الكفاءة والإهمال والفساد والجشع ،وتبديد المال العام وصراع بين الأجيال، وأزمة ثقة بين سلطة مستبدة ومواطنين مقيدين خاب أملهم.
وعلى هذا الأساس، يسجّل مراقبون، حرص الرئيس على تغيير تلك الصورة النمطية للحكم المستبد خلال العهد البائد، والتي ارتبطت بعقول الجزائريين سنوات طويلة، وتعهّد بالعمل بكل ثقة وإخلاص لتحقيق مطالب الشعب المشروعة، وشرع بالفعل في تنفيذ التزاماته بتقديم “مشروع وطني” استفتى فيه شخصيات وطنية وسياسية، وأشرك فيه المواطن عن طريق ممثليه في البرلمان، وجمعيات المجتمع المدني، وذلك من أجل تحقيق تغيير جذري شامل وحقيقي يسمح بتقويم وطني وإعطاء انطلاقة جديدة لبلادنا، تتيح للجزائريين العيش في وطن ديمقراطي مزدهر، وفيّ لقيم ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، جزائر يكون فيها مكان لجميع الجزائريين.
ولأنّ التخلص من تركة التسيير السابق، التي عمّقت الهوّة بين المواطن ودولته، وهزّت ثقته في مؤسسات الدولة بسبب ممارسات تسلّطية، لم يكن ليحدث بين عشية وضحاها، دعا الرئيس تبون الجزائريين إلى “الصبر”، في الوقت نفسه فتح عدة ورشات إصلاحية، لتكريس دولة المساواة انطلاقا من الاهتمام بالمواطن، لأنّه “أساس الجمهورية”، مثلما قال في عدة لقاءات مع الحكومة والولاة.
ولأنّ الجزائر جمهورية “ديمقراطية شعبية “، فإنّ الديمقراطية تقتضي حسب رئيس الجمهورية “التكفل بجميع الموطنين”، وعلى اعتبار أنّ الولاة والمنتخبين المحليين هم الركيزة الأولى للدولة، فقد طالبهم في أكثر من مناسبة بـ “رفع الغبن” على المواطنين والتكفل بانشغالاتهم، لاسيما بالنسبة للقاطنين بمناطق الظل.
وجعل الرئيس تبون، استرجاع كرامة المواطن “حربا لا تهدأ”، وذلك وفاء لتعهّداته التي قطعها للشعب الجزائري، وشدّد على ضرورة التوصل إلى آليات فعالة لحل النزاعات بين الأفراد، فـ “شعور المواطن بالاطمئنان لا ينبع فقط من جودة القوانين، وإنما بتطبيق القوانين بعدالة وشفافية بما يحمي حقوق الأفراد”، مثلما قال.
ممارسات غير مقبولة
الرّئيس تبون، الذي وضع المواطن في صدر اهتماماته، لا يرضى المساس بكرامة الجزائري، وحرص في لقاءاته العديدة مع الحكومة والولاة، أو في اجتماعات مجلس الوزراء، على إسداء التعليمات الكفيلة باحتواء انشغالات المواطنين، وحلّ مشاكلهم، سواء تلك المتعلقة بالتنمية أو الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين حرّر المبادرات ومنح الضمانات للمسيّرين وإطارات الدولة والمنتخبين من أجل تسريع وتيرة العمل، وتجسيد برنامجه الطموح الذي يعنى بالمواطن دون خوف أو ضغوط.
لكن رئيس الجمهورية، بالمقابل، يرفض القرارات التي تحدث الاختلال والارتباك على يوميات المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين، لأنّ هذه الاهتزازات تولد نقصا في الثقة، لذلك وجب مصارحة الشعب فيما يخص الصعوبات الموجودة، بدل تقديم الوعود الكاذبة أو أنصاف الحلول التي تزيد الفجوة بين الحكومة والشعب، مع ما يعيشه المواطنين من صعوبات يومية.
وقد أمر في أكثر من مناسبة مسؤولي إدارات وقطاعات منتجة، باعتماد الإحصاء والرقمنة، والإصغاء للمواطن والتفتح على ممثلي المجتمع المدني ومجلس الشباب، من أجل تحديد بدقة الاحتياجات، وتقديم العلاج في الوقت والمكان المناسبين، بدل ترك الملفات عالقة دون حل، أو تزداد تعقيدا حتى تتحول من مشكل إلى أزمة تخنق معيشة المواطن وتزيد أتعابه.
كحيل: الحكومة مطالبة بالصّدق والشّفافية
يعتقد الباحث الأكاديمي محمد الصالح كحيل “أن المواطن لا يعير اهتماما كبيرا لما ينتج عن السياسيين يوميا بقدر ما يلمسه في حياته اليومية إما يسرا أو عسرا، لذا فإنّ الحكومة باعتبارها الجهاز التنفيذي في أي دولة، مطالبة بالرد على اهتماماته بكل صدق وشفافية”.
وأشار المتحدث في تصريح لـ “الشعب”، إلى أن سقف المطالب من طرف المواطنين عرفت تناميا نظرا لعدة عوامل منها العولمة، لذلك صار لزاما على الدوائر الوزارية التماشي مع هذا التوجه.
وأوضح كحيل أنّه بعد الاهتزازات التي مست الاقتصاد الوطني، وما أنتج أزمة من بين تجلياتها انخفاض القدرة الشرائية، نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية المترتبة عن سنوات كورونا، وجب على الحكومة أن تتخذ منهجا غير عادي في التسيير، بمعنى تعمل وكأنّنا في وضع استثنائي.
وفي هذا الوضع، الحكومة – حسب كحيل – مجبرة على اتخاذ المزيد من التدابير العملية للتخفيف من وطأة الأزمة على مواطنيها، وأمامها العديد من الحلول في إطار تعديل المعطيات المرتبة بالسوق والقدرة الشرائية، ويدخل ذلك في سياق مهامها المألوفة في تنظيم السوق.
وللاستجابة للطلب العام، اقترح الباحث الأكاديمي على الحكومة وضع مخطط قصير الأمد للتصدي لنتائج الأزمة الحالية بالتشاور مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وتعزيز طاقة التخزين لمواجهة الطلب المرتفع على السلع والخدمات خاصة الأساسية، واللجوء إلى الاستيراد في حالة الندرة أو نقص العرض وعدم توافقه مع الطلب، والتنسيق بين مختلف القطاعات الوزارية مع إشراك النقابات والمنظمات.
أما على الأمد المتوسط، فاقترح إعداد مخطط بطريقة تشاركية، على أساس أرضية علمية تعتمد على الإحصائيات للرفع من القدرة على الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتصدير، وهي تشكل عوامل النمو.
أمّا على الأمد البعيد فلا مفر – يقول كحيل – من بذل مجهودات أكبر للاستثمار الاقتصادي مع ما يتبع ذلك من معايير التسهيل والمرافقة، لأن انتقاد الحكومة يؤدي إلى بروز اهتزاز في الجهاز التنفيذي نظرا لطبيعة النظام غير البرلماني، لذلك لا بد على أعضاء الحكومة أن يضاعفوا من جهودهم أكثر.