أكد مشاركون في اجتماع “النداء من اجل الساحل”، اليوم الاثنين بالجزائر العاصمة، أن الارهاب قضية الجميع تتطلب توحيد المواقف وتكاتف الجهود لمواجهته، مبرزين ضرورة الاستثمار في المجتمعات المحلية وتوفير الظروف الملائمة لها لتحصينها من هذه المعضلة ومن التطرف العنيف.
تعاقب المشاركون في اليوم الثاني من الأشغال الجارية بالمركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال” على إلقاء كلماتهم التي تضمنت استعراضا للمقاربات والأمثلة التي اثبتت جودتها في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف, من بينها مقاربة الجزائر في هذا المجال. كما تم التنويه بأهمية تحديد المؤشرات التي من شأنها ان تحقق الازدهار لكل فرد وبناء مجتمعات تحصن نفسها بنفسها في وجه التطرف العنيف.
واستمع المشاركون في الجلسة الثالثة للاجتماع التي تناولت موضوع “من فئات ضعيفة الى جهات فاعلة في منع التطرف العنيف: بناء مجابهة في اوساط النساء والاطفال والشباب في منطقة الساحل” إلى مداخلة عضو المجلس الشعبي الوطني, فريدة إليمي, التي تحدثت عن تجربة الجزائر مع مرارة الإرهاب.
“لا احد في مأمن من الارهاب والتاريخ يشهد على ذلك, فهذه الآفة العابرة للحدود والقارات والتي لا تفرق بين الأديان والناس والأعراق لا تزال تشكل تهديدا خطيرا لأمن وسلامة الشعوب بكاملها”, تقول السيدة إليمي التي أضافت انه “من واجبنا كممثلين لهذه الشعوب, اعتماد التشريعات الضرورية وتحسيس المجتمعات على المستويات الوطنية لمجابهة أكبر عامل مؤدي لهذه الظاهرة التي ما فتئت تفتك بالأرواح وتيتم الأطفال و ترمل النساء”.
واعتبرت أن الأطفال والنساء الذين يمثلون أولى ضحايا الإرهاب بإمكانهم أن يكونوا الذرع الواقي والمحصن لمواجهة التطرف العنيف, منوهة هنا بالدور الفعال الذي قامت به المرأة الجزائرية خلال العشرية السوداء, سواء كانت عاملة أو طالبة أو طبيبة أو ربة بيت في مجابهة الأفكار المتطرفة وعدم الرضوخ.
وثمنت الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي اعتمدتها السلطات العليا بالجزائر من بينها تعديل قانون العقوبات سنة 2015 والتعديل الدستوري سنة 2020 وقانون الانتخابات سنة 2021 في سبيل ترقية المرأة في المجتمع وحماية حقوقها لتساهم أكثر في تشييد دولة الحق والقانون, قائمة على أحكام الإسلام المعتدل.
وفي هذا السياق, ابرزت البرلمانية حرص رئيس الجمهورية, عبد المجيد تبون, على حماية المرأة من العنف من خلال الدستور الحالي ومسايرة البرلمان للخطة الوطنية, من خلال اثراء المصادقة على القوانين, منها القانون المتعلق بمكافحة تبييض الأموال والوقاية منه وتمويل الإرهاب.
ومن بين ما ناشدت إليه, هو توفير الدول لفرص العمل لكافة مواطنيها, و ان لم تتمكن من ذلك فتقدم منح البطالة لضمان الأمان المعيشي للجميع, كما هو معمول به في الجزائر بفضل الارادة السياسية لرئيس الجمهورية, معتبرة ذلك “أمرا واجبا” لغلق باب استغلال الجماعات المتطرفة للفئات المعوزة.
ضرورة الانتقال من مرحلة النقاشات والحوارات إلى العمل الفعلي
ووصفت السيدة إليمي الوضع بمنطقة بالساحل ب”المتأزم للغاية” وهو يشهد صراعات مسلحة متشابكة تتضارب فيما بينها بسبب الإرهاب, بالإضافة إلى انعدام التنمية و انعكاسات التغيرات المناخية, مؤكدة أن “الإرهاب هو قضية الجميع و ان أزمة دولة هي أزمة العالم برمته, و اذا ما تطلعنا إلى غد أكثر أمانا وسلاما في المعمورة علينا توحيد المواقف وتكاتف الجهود”.
من جهته, دعا مدير منطقة اوروبا والشرق الاوسط وشمال افريقيا في معهد الاقتصاد والسلام, سارج ستروبانتس, الى ضرورة الانتقال من مستوى الحوارات والنقاشات إلى التطبيق العملي والفعلي وهو الهدف -كما قال- من هذا اللقاء.
ومن بين الاقتراحات التي تقدم بها لمجابهة آفة الإرهاب والتطرف العنيف, “الاستثمار في الشباب الذي تزخر به افريقيا”, مؤكدا أن الشباب “هو مربط الفرس اذا ما أردنا أن نعزز عمل الفاعلين في هذه العملية”.
السيد ستروبانتس أبرز أيضا انه “من بين المقاربات التي أثبتت نجاعتها في محاربة التطرف العنيف, دعم المجتمعات المحلية وتطوير رأس المال البشري الى جانب الحاجة إلى حلول تناسب كل الدول”.
بدوره, أوضح رئيس المجلس الشعبي بالنيجر, سيني عومارو, في كلمة ألقاها نيابة عنه النائب الأول بالبرلمان, كالا هانكوراو, أن “استفحال ظاهرة الإرهاب كان نتيجة لأن المجتمعات لم تكن محضرة وجاهزة”, و رأى في تجفيف منابع الإرهاب ووقف استقطاب الجماعات الإرهابية للشباب, خاصة على مستوى القرى, “ضرورة ملحة”, وهذا عبر تطوير المجتمعات المحلية بفضل استراتيجيات وبرامج تنموية.
وتناولت مداخلات المشاركين تحذيرات إزاء العدد الكبير للجماعات الإرهابية الناشطة بمنطقة الساحل, مما يتطلب فهما عاما للظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة هناك, مشددين على ضرورة إشراك المجتمعات المحلية ضمن أي مقاربة مطروحة على الطاولة.
وفي السياق، أبرز المشاركون فشل الحلول المقترحة من قبل أوروبا لمكافحة الإرهاب في الساحل, و أكدوا أنها “بالعكس جعلت من المنطقة ملاذا للإرهابيين”.
يذكر أنه قبيل انطلاق اشغال اليوم الثاني من الاجتماع الثاني من سلسلة اجتماعات “النداء من أجل الساحل”, تمت دعوة المشاركين إلى الوقوف دقيقة صمت تحرما على أرواح المهاجرين الذين قضوا في البحر الأبيض المتوسط.