أسدِل ستار المعرض الاقتصادي والتجاري المقار في طبعته الـ11، بمشاركة وطنية ودولية غير مسبوقة، جسّدت حرص الدولة على النهوض بولاية تندوف وإعادة إحياء تظاهرة اقتصادية كانت الحدث الأبرز في شمال غرب افريقيا في سبعينيات القرن الماضي.
نجح القائمون على المعرض التجاري والاقتصادي “المقار” في استغلال الموقع الجغرافي للولاية والتوظيف الجيد لسمعة الموسم التجاري السنوي، في جعل تندوف قاعدة متقدمة لاكتساح الأسواق الافريقية، يدفعهم في ذلك جودة السلع الجزائرية ومقدرتها على المنافسة في سوق عذراء باتت تستقطب اهتمام الدول الكبرى.
يُجمع أغلب المتعاملين الاقتصاديين على أن التجارة البينية بين دول غرب إفريقيا والجزائر، لا يمكن أن تمر إلا من خلال فهم النمط والطبيعة التي تتم بها هذه المبادلات، وما تحمله من علاقات تجارية، ثقافية واجتماعية ضاربة في التاريخ، كان لها الفضل في جعل موسم المقار موسماً اقتصادياً واجتماعياً جامعاً لكل شعوب المنطقة، وهمزة وصل بين تجارها، علمائها وقوافلها.
العلاقات التجارية بين الجزائر وموريتانيا بالخصوص، أصبحت اليوم واقعاً ملموساً لا غبار عليه، بفضل حزمة قرارات اتخذتها الجزائر، وبموجبها تعزّز مفهوم التعاون الافريقي المشترك، مكّنت من استرجاع ثقة المستثمرين الجزائريين وأزالت عامل الشك الذي خيّم على البعض، وقطعت الطريق أمام المشككين في مقدرة الجزائر على غزو الاسواق الافريقية من بوابة ولاية تندوف، وفي عدم مقدرة السلع الجزائرية على المنافسة خارج حدود الوطن.
وتحاول الجزائر أن تلج الى أسواق غرب افريقيا من خلال المتعاملين الاقتصادين الجزائرين ونظرائهم الموريتانين، باعتبار موريتانيا سوقاً رائجة ونقطة أساسية للانتقال الى العديد من أسواق غرب افريقيا، وقد وجد المتعاملون الاقتصاديون ضالتهم في موسم المقار الذي ساير الديناميكية الاقتصادية التي يعرفها التبادل التجاري بين البلدين، خاصة في بعده الافريقي على ضوء منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية، والفرص والمزايا التي يمنحها هذا الاتفاق لاقتصاديات الدول الافريقية من أجل تطوير علاقات اقتصادية، تجارية واستثمارية مبينة على مبدأ التعاون، وتهدف الى تكريس منطق رابح – رابح.
إن تنظيم المعرض التجاري والاقتصادي المقار -بعد قطيعة استمرت أربعين سنة- يندرج في إطار تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية الرامي الى تعزيز وترقية التجارة الخارجية، من خلال تجسيد البرنامج المعتمد من طرف وزارة التجارة وترقية الصادرات، والمتعلق بتطوير وعصرنة منهجية وأساليب تنظيم المعارض الوطنية والدولية لجعلها آلية فعالة للترويج للإنتاج الوطني والمساهمة في تنويع الاقتصاد الوطني.
يحظى موسم المقار بمكانة استثنائية، فهو الى جانب أنه معرضاً اقتصادياً محلياً بطابع دولي، لكنه يشكل في ذات الوقت، بوتقة تجتمع فيها الثقافات والتنوع الايجابي لسكان المنطقة التي برهنت ولا زالت تبرهن على مكانتها الهامة والمحورية في مسار بناء اقتصاد يعتمد على تثمين وترقية المبادلات التجارية مع دول الجوار خاصة مع الجمهورية الاسلامية الموريتانية والجمهورية العربية الصحراوية.
التنمية على ضفاف التفاهم
أشار مخبي محمد والي تندوف الى أن المقار أصبح موعداً هاماً يتجدد كل سنة لخلق حركية اقتصادية وتجارية في المنطقة، بما يستجيب للطموحات الاقتصادية للجزائرية ودول الجوار.
قال والي تندوف إن هذه الطموحات سيجسدها حجم التبادل التجاري الذي سيؤثر لا محالة في اقتصاد دول غرب افريقيا ودول الساحل جنوب الصحراء، بل سيتخطاه –يقول والي تندوف- الى البعد الاجتماعي من خلال ربط العلاقات الاجتماعية بين مواطني هذه الدول الشقيقة والصديقة الواقعة غرب افريقيا، ويشكل معرض المقار بذلك نقطة انطلاق نحو مسار الاندماج التجاري، الاقتصادي والاجتماعي بين المناطق الحدودية بين الدول الافريقية المجاورة.
أردف مخبي قائلاً أن الجزائر تشهد اليوم إصلاحات جوهرية لا يمكن التغاضي عنها، والتي تجعل من بلادنا قاطرة لتحقيق التنمية في افريقيا، “كما سيكون لإنشاء منطقة التبادل الحر بتندوف الأثر البالغ في تنمية التجارة وترقية الاقتصاد، ناهيك عن إنجاز المعبر الحدودي الجديد بما سيتلاءم مع حجم التعاملات الاقتصادية والتجارية”.
وأشاد بوناقة محجوب، رئيس المجلس الشعبي لولاية تندوف، بمستوى العلاقات الأخوية والتجارية التي تجمع الجزائر بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، منوهاً الى وجود تسارع في الخُطى لكلا الجانبين من أجل توطيد العلاقات المتميزة، والتي شهدت بدورها انتعاشا حقيقياً –يقول المتحدث- خاصة بعد اجتماع اللجنة المشتركة العليا في سبتمبر الماضي وتوقيع 26 اتفاقية في مختلف المجالات.
وعرّج رئيس المجلس الشعبي الولائي على معرض المقار، واصفاً إياه بـ” الحدث المفصلي والمعلم البارز الذي يجسد التعاون الافريقي والتكامل الاقتصادي بين دول الساحل”، معرباً عن أمله في أن يواكب المقار حجم الرهانات الموضوعة على عاتق التعاون المشترك، خاصة مع اقتراب الانتهاء من المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد والشروع قريباً في إنجاز طريق تندوف الزويرات، مؤكداً في الوقت ذاته أن “هذا التطلع المشروع والآمال العريضة ستتحقق بسواعد الرجال وجهد المخلصين ورباط الاخوة الجزائرية الموريتانية المتينة”.
وقال بوناقة محجوب “إن تظاهرة المقار ترمز الى معاني التعاون والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وهو سانحة ستمكّن المتعاملين الاقتصاديين في دول الجوار من فهم مناخ الاستثمار ببلادنا، وبالتالي إيجاد موطئ قدم لها في الأسواق المحلية والاستفادة من حزمة الامتيازات الممنوحة، وسيستفيد مواطنو هذه الدول من حرية الحركة والتنقل وستتحرك عجلة التنمية والاقتصاد على ضفاف التفاهم والتعاون”.
واصل رئيس المجلس الشعبي الولائي القول إن إعادة إحياء تظاهرة المقار، تعكس رغبةً جامحة ونظرة ثاقبة من السلطات العليا في البلاد وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي ما فتئ يؤكد على انفتاح الجزائر وتعزيز مكانتها إقليمياً ودولياً، وهو ما سعى إليه واقعاً من خلال إيقاظ منجم غار الجبيلات من سباته الاقتصادي الطويل، وبث الروح في شريان التجارة البينية مع الدول الافريقية ومد جسور التواصل والطرق الحيوية وفتح المنافذ البرية معها –يختم المتحدث-.
في السياق ذاته، نوّه المحفوظ ولد الجيد المدير العام للمكتب الوطني للسياحة في الجمهورية الاسلامية الموريتانية بما يشكّله موسم المقار من إضافة من شأنها الدفع بالعلاقات التجارية والاقتصادية بين دول المنطقة، معرباً عن تفاؤله في مقدرة سلطات البلدين على إيجاد حلول جذرية لكل العراقيل التي تواجه المتعاملين الاقتصادين الراغبين في ولوج التجارة البينية بين الجزائر وموريتانيا.
وأشاد المدير العام للمكتب الوطني للسياحة بموريتانيا بقرارات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للتعجيل في إنجاز طريق تندوف-الزويرات، ومن خلالها تكثيف المبادلات التجارية بين البلدين، معرباً عن امتنان المتعاملين الاقتصادين الموريتانيين لهذه الخطوة التي وصفها بـ”الجبّارة” التي ستفتح آفاقاً واعدة بين البلدين للتبادل التجاري والسياحي.
وأضاف المتحدث أن موسم المقار ومشروع إنجاز الطريق “خطوات عملاقة في الطريق الصحيح” من شأن سكان المناطق الحدودية بين البلدين الاستفادة منهما، وسيخلقان حركية تجارية تفك العزلة عن سكان شمال موريتانيا وسيجعلان من موريتانيا بوابة الجزائر نحو دول غرب افريقيا، مشيداً بنوعية الاستقبال والتنظيم الجيد الذي اتسمت به الطبعة الـ11 موسم المقار الاقتصادي.