لا تفوّت الجزائر فرصة للتعبير عن مواقفها الثابتة ومبادئها الراسخة تُجاه القضايا الدولية والتوترات الأمنية والأزمات الصحيّة التي عاشها ويعيشها عالمنا اليوم، فهي تصدح بمواقفها ووقفاتها لنصرة الشعوب المستضعفة والدول المنهكة بفعل الأزمات والصراعات، في عالم يسوده منطق “الآنا” ويتصدر مشهده دول تفكر في مصالحها الضيّقة ولو على حساب مبادئ وقيم السلم في العالم.
تناضل الجزائر من أجل من قضايا عادلة، وترافع لها عبر مختلف المنابر والهيئات، فحركة عدم الانحياز ومبادئها خير دليل على صواب مواقفها تُجاه مختلف الأزمات والهزّات التي تعرض لها العالم خلال السنوات الأخيرة، ومنذ توليّ الرئيس تبون سدّة الحكم رمت الجزائر بكل ثقلها من اجل تفعيل دور مختلف التكتلات التي تنتمي إليها مستغلة في ذلك وزنها في العالم العربي والإسلامي، ومكانتها في القارّة السمراء، وتاريخها في حركة عدم الانحياز.
يرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية العلاقات الدولية بجامعة الجزائر، حمزة حسام، أنّ فترة الجائحة تحديد وما تبعها لاحقا أثبتت فعلا أنّ المتحكم الحقيقي في المبادرات التي تأخذها أي دولة هو مصلحتها قبل كل شيء، والانانيات الضيقة ومن الملاحظ ان هذا المنطق في تسيير العلاقات الدولية لم يتحكم فقط في العلاقة بين الدول المتقدمة والدول النامية بل أيضا سيطرة على العلاقات داخل الكتلة الواحدة ( الكتلة الغربية).
وأضاف المحلل السياسي أنّه ومن الملاحظ حتى داخل الاتحاد الأوروبي في مرحلة معينة خاصة في بدايات الجائحة كان فيه هناك نوع من الخلاف الذي كاد أن يصل الى النزاع بين الدول الأوروبية من أجل الحصول على معدّات الوقاية واللقاح، فمنطق “الآنا”، لم يفرض نفسه على العلاقة بين الشمال والجنوب بل أيضا بسط سيطرته على العلاقات داخل الكتلة الواحدة التي كانت مقارنة بالمناطق الأخرى من العالمرفي أريحية في التعامل مع جائحة كورونا بالنظر الى قدراته الاقتصادية والمالية وحتى الصحية.
وأفاد محدثنا انه وفي الفترة التي بدأ فيها الحديث عن اللقاحات وتوزيعها لاحظنا أن المنطق الذي كان يسود العام في تلك اللحظة وخاصة لدى الدول الغربية والمهيمنة هو التعامل بمنطق الانانية بمعنى الأولوية للدولة وللغرب والشعوب الغربية وكأن العالم يتمحور حول الانسان الغربي وفقط، وكأن الدول النامية من العالم غير العالم الغربي غير موجودة، وها لاحظ جميع المتتبعين للأحداث التي ميزت تلك الفترة غياب الإنسانية التي لا طالما تشدّق بيها الغرب في خطاباته وجعل منها ذريعة للتدخل حتى في شؤون الدول.
وأكد المحلل السياسي أن هذه الدول لنم تتعامل بمنطق إنساني في لحظة فارقة من التاريخ وكانت تهدد البشرية دون استثناء، وطغت على تعاملات الدول منطق الأنانية والمصالح الضيقة ومنطق الجشع، وأشار محدثنا أن هذا من الأشياء والصفات التي تميز المنظومة الحالية المعروف بأنها تميل الى الهيمنة وتميل حتى الى ما يسمى بالمركزية الغربية، فالغرب يعتقد بأنه هو مركز العالم وأن كل شيء يجب أن يتمحور حوله.
وفي ذات السياق أوضح الأستاذ حمزة حسام ان هذا المنطق أدى الى مجموعة من الاختلالات على رأسها إهمال مصلحة شعوب الدول النامية وهذا تحديد المنطلق الذي ترافع عنه الجزائر لصالح الدول النامية، والجزائر من منطلق وعيها بالفلسفة المتحكمة بالعقل الغربي وفي الاستراتيجيات الغربية ومن منطلق أيضا تمسكها وثباتها على مبدأ الدفاع عن الدول النامية ترافع من أجل عالم أكثر مساواة، خاصة وأننا اليوم نعيش عالم ما بعد الجائحة كما سماه الرئيس في خطابه، وأيضا نعيش مرحلة مخاض بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور حمزة حسام ان هذه الظروف تجعلنا اليوم امام لحظة تاريخية فارقة الأكيد منها انها ستفضي الى عالم جديد او منظومة عالمية جديدة مختلفة عن المنظومة السابقة، وهذه المنظومة الجديد ووفق ما ترافع من اجله الجزائر أن تراعي مصلحة الدول النامية وبالتالي أن تكون اكثر غنسانية وأقل أنانية، ولا يمكن حقيقة ان نتخلص من منطق الانانية ففي الأخير الفوضى على مستوى النظام الدولي تفرض هطا المنطق لكن وجب تعديل هذه الانانيات بنوع من الإنسانية خاصة في اللحظات الفارقة والتي تكون البشرية جمعاء تعاني فيها مثلما حدث خلال المرحلة الحرجة التي مر بها العالم بسبب وباء كوفيد19.
وفيما يخص مبدأ حركة عدم الانحياز باعتباره الأصلح والانسب للتعامل مع مختلف التوترات والأزمات الأمنية الحاصلة، فالمقصود من طرف الجزائر والذي جاء في رسالة الرئيس هو تجنب فكرة الاستقطاب وتجنب إذكاء النزاعات والانخراط فيها، هو المنطق الأسلم لتسوية هذه النزاعات والأزمات التي يمكن ان تشبّ بسبب منطق الأنانية ومنطق الهيمنة الذي يسعى الغرب الى تكريسه، فما يحصل اليوم في أوكرانيا هو نتيجة منطقية الهيمنة الذي يتبناه الغرب ويريد ان يفرضه على العالم جميعا.
فمبدأ عدم الاستقطاب وتجنب الانحياز وتغذية النزاعات وبذل الجهود من أجل التخفيف من حدّة الخلافات وبذل الجهود لتسوية النزاعات التي تنشب في المنظومة الدولية بأساليب سلمية هو المنطق الأسلم والأصح، لأن المواصلة في منطق التعنت والمكابرة يدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة وقد يقود حت إلى دمار المعمورة.