بقرية المعايشية ضواحي مدينة عين بسام يشد انتباهك إمرأة في العقد السادس من العمر يرتسم على وجهها تعابير أمل الحياة في غد أفضل، خاصة إن لمحتها وهي تقود الجرّار وتشق طريقها وسط الحقول الخضراء صانعة بسواعدها مشوارا فلاحيا قارب الـ30 سنة. الحّاجة بلحاج أم الخير.. اسم على مسمّى فهي الأمّ والجدّة والمرأة الفلاّحة صاحبة الخير بألف رجل فلاّح.
تقود الجرّار لتحرث الأرض وتقلب التربة بسواعدها إن لزم ذلك، لا تكّل ولا تمّل من مهنة عجز عنها الكثير من الرجال، فما أدراك «بحواء» خاصة إن علمت ان عمرها قد تجاوز الـ64 سنة، الحاجة ام الخير التي تقطن بمزرعة سي لخضر بقرية المعايشية ضواحي مدينة عين بسام ولاية البويرة، أم لخمسة أبناء فارق والدهم الحياة منذ ما يقارب الـ30 سنة، لتلعب أم الخير دور الأب الفلاّح رغم قساوة العيش ونكد الحياة.
في حديثها لجريدة «الشعب»، تتذكر الحاجّة أم الخير جيّدا الأشهر الأولى التي أعقبت وفاة زوجها، «أحد ضحايا الإرهاب» خلال المأساة الوطنية، فهي أرملة فلاح ترك تمتلك أرض مصنفّة فيما يعرف بنظام «المستثمرات الفلاحية الجماعية»، إذ لم يراهن أحد على مقدرة الحاجّة ام الخير في تسيير أرض زوجها ودعاها شركاؤه لكراء الأرض فهي امرأة والفلاحة صعبة على الرجال فما بالك بالنساء.
رفعت الأم أم الخير التحدّي وعزمت على خدمة أرضها وتربية أبناءها الخمسة وهنا تقول محدثتنا « قطعت عهدا على نفسي وأمام الله وتوكلت عليه أن أقوم بخدمة أرضي ولو اضطرني الأمر لحرث أرضنا بالطريقة التقليدية»، فكانت البشرى ان رافقها النجاح خلال الثلاث سنوات الأولى، وذكرت فلاّحتنا أن السنة الأولى قامت بزراعة جميع أنواع الحبوب من شعير وقمح وفرينة» وكان موسم خير مثلما تصفه أم الخير.
اقتنت الحاجّة ام الخير إثر هذا النجاح جرّارا لتقوده بمفردها وشرعت في التفكير في الاستقلال بزراعتها عن أي مساعدة في موسم الحرث والدرس، لتبصم على أولى بدايات عهدها مع الفلاحة كصاحبة أرض وفلاّحة مستقلة عن أي إعانة من الرجال.
ظلت أم الخير لسنوات تعمل على الزراعة وتربية الأغنام فاستطاعت أن توفق بين دور الأب الفلاّح والاّم التي تعنى بشؤون بيتها وأبناءها، وعن يومياتها تقول الحاجّة أم الخير « كنت أخرج في الصباح مصطحبة أبنائي الثلاثة ذكور لنتوجه نحو الحقل فأنا لا أستغني عنهم في شؤوني الفلاحية، وربيّتهم على حبّ الفلاحة والمهنة التي تركها والدهم رحمة الله عليه»، وبالرغم من ان الزراعة اخذت كامل الوقت من الحاجّة أم الخير إلاّ ان تربية الأغنام كان لها نصيب هي الأخرى من حياتها اليومية فهي من كانت ترعى في بعض الأحيان بأغنامها وتبيعها في مزرعتها في كل موسم عيد.
وتقوم فلاّحتنا كل يوم بتفقد الجرّار قبل الانطلاق به نحو الحقل فهي من يراقب حالة المحرّك وتحضر معدات الحرث وتقليب التربة حسب ما يتطلبه العمل الفلاحي ذلك اليوم، كما تتصل بصاحب شاحنة البنزين من أجل ملأ براميل الوقود لديها، وتتجه الى حقلها بأعالي قرية المعايشية، فبالإضافة الى تسييرها لمساحة زراعية بجوار البيت تمتلك الحاجّة أم الخير حقلا في أعالي القرية تفوق مساحته 25 هكتارا وهو بمثابة المورد الرئيسي لفلاحتها.
بتجربة تقارب الـ30 سنة تعرف الحّاجة ام الخير مهنتها جيّدا واستطاعت اكتساب خبرة لا تقل عن خبرات الفلاحين، فتسرد لنا كيف تقوم بحرث الأرض وانتظار التساقطات المطرية لتعيد تقليب التربة وكسر «الطوب»، ومن بعدها تقوم بزرع البذور وتقول محدثتنا « في السابق كنا نقوم بوضع الأسمدة قبل عملية الزرع لكن اليوم صرنا نخلط الأسمدة مع البذور بطريقة مدروسة وهو ما سهل علينا الامر كثيرا».
وتذكر بطلتنا كيف قامت بتجربة تربية الأبقار وإنتاج الحليب ففي سنة 2009 قامت بولوج هذا التخصص الفلاحي واستطاعت ان تحقّق نتائج مرضية خاصة وأن العلف لثروتها الحيوانية كانت توفره من خلال فلاحة فتمكنت من تأسيس فلاحة متكاملة بامتياز استطاعت التوفيق فيها بين الثروة الحيوانية وما تتطلبه من عناية خاصة والزراعة التي تعتبر المورد الرئيسي لفلاحتها.
بعد تجربة دامت سبع سنوات تخلّت فلاّحتنا عن تربية الأبقار وإنتاج الحليب بسبب تراجع الإنتاج الزراعي وغلاء الاعلاف، إلاّ أنّ الحاجّة أم الخير لا تستبعد العودة للنشاط في الثروة الحيوانية في حال تراجع أسعار العلف ومتطلبات تربية الابقار.
حلم الحاجّة ام الخير اليوم هو حصولها على الرخصة النهائية لحفر بئر ارتوازي سيحسّن مردودها الفلاحي بشكل كبير وسيمنحها فرصة لتنويع الزراعة وتجربة غرس الخضر التي تعرف رواجا كبيرا في السوق المحليّة، وبالرغم من أن أمور منحها رخصة الحفر تسير في أحسن الظروف وتعرف مراحلها الأخيرة قبل تسليمها الموافقة على الحفر إلاّ أن فلاحتنا تتمنى التعجيل في هذه الخطوة التي ستغير من فلاحتها وحياتها بشكل أفضل دائما.