يعتقد بعض المشتغلين بـ»النقد» أن «الرواية» (الجنس الأدبي المعروف) لا علاقة لها بـ»الفلسفة»، وأنّها تكون «رديئة» إذا حاول الرّوائي أن (يتعبقر) ويقحم مادة فلسفية في متنه السّردي، ما يعني أنّه يبعدها تلقائيا عن ذائقة القارئ، ويحوّلها إلى نوع من (النشارة) لا قدرة للبشر على (التهامه)..
ويبدو لنا أن موقف الرافضين لـ»الفلسفة» يتمأسس على مغالطة (الرداءة)، ويفوته أن ذاك الذي يرغب في (التعبقر) لا يمكن أن تكون علاقته بـ»الفلسفة» ولا بـ»السّرد» مستقيمة، فالمسألة معه لا تتجاوز حدود (التقعر) و(الرغبة في الظهور)؛ ولهذا لا يمكن أن يمثل دليلا صالحا لإثبات (قطيعة معيّنة) بين «الرواية» و»الفلسفة»..
ولسنا في حاجة إلى الإتيان بأدلة من الرّوايات كي نقول بأنه لا وجود لعمل روائي رسخ في التاريخ، إلا وقد تأسس على رؤية فلسفية واضحة، وهي رؤية تبدو – من شدّة وضوحها – في متناول الجميع، بل إنها تبدو في متناول أيّ متمدرس في البدايات، لكن العبرة تتجلّى حين يحاول (العبقور) أن يحاكيها، (فيوهن قرنه) ويتأكد بأن المسألة تقتضي جهدا يتجاوز «المحاكاة» و(المعاندة)، تماما مثلما يفهم المعنى العميق لأهمية وجود الناقد في الحياة اليومية..
ولا نلوم على المشتغلين بـ»النقد» مواقفهم المتسرعة، ولا نفورهم من المادة الفلسفية، فـ(المغابين) لم يعرفوا منها سوى المترجم إلى اللغة العربية، وهو في معظمه لا يختلف عن (الهيروغليف)، ناهيك عمّا ألصق بالمادة الفكرية في عمومها من (تهم) عجائبية ما تزال متواصلة رغما عما عرف التاريخ من تطور مذهل..
وفي كلّ حال، نعترف أن «الرواية» – بالنسبة للحاضنة العربية كلها – مستحدثة، ما تزال في بداياتها الأولى، ويجب أن تصبر شيئا من الوقت حتى يستقيم لها النقد..