بعد عقود طويلة قدمت فيها الجزائر الكثير للقارة السمراء، من الطبيعي أن تحظى بمكانة خاصة وسط القارة السمراء، بالنظر إلى الدور التاريخي والدبلوماسي وكذا الأمني الفاعل الذي قامت به طيلة عقود كاملة من الزمن. ولم تبخل الجزائر، التي انخرطت في محيطها القاري، بتجنيد كل الدعم وبذل الجهود من أجل دعم القضايا الإفريقية وتسخير خبراتها في عديد المجالات، من ضمنها الأمنية والسياسية والدبلوماسية. ومن خلال هذا المسار الطويل والحافل، لعبت دورا إيجابيا في حل النزاعات وتبنت القضايا العادلة بشكل إيجابي ومتوازن.
ثقل الجزائر وجهودها ظلت بارزة وشكلت علامة فارقة في الدفاع عن القضايا الإفريقية وإسماع صوت القارة السمراء في المنظمات العالمية والمحافل الدولية. وفي الوقت الراهن تحولت بخبرتها الدبلوماسية والأمنية والسياسية إلى الدعم الاقتصادي، خاصة بعد تجربة الجائحة واشتعال أسعار المواد الأولية الغذائية والصيدلانية، وأخذت على عاتقها التحرك في الوقت الراهن من أجل المساهمة في تنمية دول القارة عبر العديد من المبادرات، بهدف تطوير المنشآت الإفريقية، لذا ينتظر أن تكون قاطرة تقفز بالقارة نحو التنمية والانفتاح على التطور والتكنولوجيا.
ولا يخفى حرص الجزائر الكبير أن تكون إفريقيا تكتلا اقتصاديا مهمّا من خلال التكامل الإقليمي من أجل أن تنفتح كقوة اقتصادية واحدة وسوقا مشتركة وواعدة على مختلف القارات، بما فيها الشريك التقليدي للقارة الأوروبية.
يمكن القول إن الجزائر عادت بقوة ومن محطة «النيباد» متحمسة أكثر على ضوء ما يطبعه الظرف الجيو- استراتيجي من تحولات وضرورة تكثيف الاندماج في تكتلات إقليمية وعالمية إلى تنمية القارة وتغيير حياة شعوبها، والبداية جاءت بالبنى التحتية والاندماج الإقليمي، لذا ينتظر أن تكون العمود الفقري للتنمية في القارة الإفريقية، لأن مستقبلا كبيرا وواعدا ينتظر القارة السمراء، وينقص التخطيط وإرساء الشراكات الكبرى المثمرة.
القاطرة الاقتصاديــة الإفريقيـة تتــأهب
نعم إفريقيا قوية في وحدتها وتكتلها واندماجها في رؤية ومسار واحد، ولاشك في أن قناعات شعوبها تتطابق مع قناعات وإرادة قادتها، ومثلما تتطور الرؤى الاستشرافية ويتجدد الطموح في بناء مستقبل أكثر إشراقا وانفتاحا على التنمية وتجاوز الماضي بصعوباته ومآسيه، يبرز التحدي المزدوج والقائم والمتجدد الكامن في استغلال الموارد والثروات لفائدة الشعوب ومنع استنزافها ونهبها من طرف أياد طامعة ومستغلة، ووضع حد للتخلف والتهديدات الأمنية المثبطة لهمم التنمية ومساعي الرقي الاقتصادي.
الجزائر في كل مرة تبرز حاملة بريق الأمل وكل الحقيقة الساطعة، لتؤكد أن القارة الإفريقية قادرة، كما نجحت بالأمس في تحرير أراضيها من الهيمنة الاستعمارية، على جذب كل ما يخدم اقتصادها ويبني مستقبل شعوبها ويحرر قدراتها الكامنة لتؤمن فقط بطاقاتها البشرية وتمنح الفرصة لهذا المورد الحيوي ومنع الأدمغة من النزوح والمغادرة إلى العالم المتطور. وبالموازاة مع ذلك، حان الوقت لتقف القارة السمراء في موقع قوة وتتفاوض على حصتها من التكنولوجيا وحتى لا ينظر إليها كسوق لتدفق السلع الأجنبية، لأن إفريقيا غنية بأراضيها الزراعية الواسعة ويمكنها أن تؤمِّن الغذاء للعالم، كما كانت ولازالت تتدفق منها المعادن النفيسة وتنام على مورد اليد العاملة والكفاءات المحتاجة إلى التكوين.
لا تبنى إفريقيا إلا بسواعد أبنائها، ولم تعد القارة المظلومة، لأنها بدأت تتحرك باتجاه التكامل وبناء الشراكات. ولعل تحرك الدول الفاعلة، على غرار الجزائر وجنوب إفريقيا، يؤكد مرة أخرى أن التوافق والتكتل والسير في رواق واحد، من حيث تطابق وجهات النظر في الرؤى والمواقف الاستراتجية، وحده ما يجعل من مصيرها في مأمن وفي الطريق الصحيح. علما أن الجزائر تأخذ بزمام هذا النهج برؤية استشرافية دقيقة. ويجب التذكير والإشارة في هذا المقام، إلى أن تطور الدول الفاعلة، على غرار الجزائر، يعد بداية للانطلاقة الصحيحة والمفصلية، لأن الترابط بين الدول الإفريقية وانصهارها في تكتل واحد، سيسهل من مهمة توحيد القرارات المصيرية في مواجهة أي عوائق وفي تجسيد المشاريع ذات المصلحة المشتركة.
إن القاطرة الاقتصادية الإفريقية تتأهب لقطع مسافات من النمو وتغيير الواقع الاقتصادي الراهن، وجعل مصيرها بين أيديها، ومن المقرر أن تلعب الوحدة والدفاع عن المصالح المشتركة كمصلحة واحدة لكل بلد على حدة، لأن إفريقيا الغد تختلف كثيرا عن إفريقيا العقود الماضية.