تتسارع الخطوات لتنفيذ ترتيبات أقرتها الحكومة، من أجل ضبط سوق اللحوم الحمراء التي بلغت أسعارها سقفا عاليا منذ أشهر، دون أن تتراجع، لأسباب ربطها مهنيون بعوامل مناخية وأخرى تنظيمية، تستدعي إعادة النظر في تسيير هذه الشعبة.
قررت الحكومة العودة إلى خيار استيراد اللحوم الحمراء، بعد عامين من منعها، لمواجهة غلاء الأسعار وكبح المضاربة وضمان تموين السوق الوطنية بهذه المادة، الأكثر طلبا في شهر رمضان، بعدما شهدت أسعارها ارتفاعا جنونيا، وصل حسب مهنيين 2.600 دج للكيلوغرام الواحد بالنسبة للحم الخروف، و2.000 دج للكيلوغرام الواحد للحم البقر، وهي زيادات كبيرة، تجاوزت المعقول.
ويأتي هذا القرار لسد العجز المسجل في إنتاج شعبة اللحوم الحمراء محليا، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، مع العلم أن إنتاج اللحوم الحمراء في 2022 بلغ 5.7 مليون قنطار، بقيمة قدرها 629.2 مليار دينار، مقابل 5.4 مليون قنطار في 2021، وتسعى الحكومة إلى تحقيق إنتاج قدره 6.5 مليون قنطار من اللحوم الحمراء آفاق 2025 من خلال تطوير زراعة الأعلاف والبرسيم وهجين القمح.
إجراءات مستعجلة..
وقامت وزارة الفلاحة منذ 3 أشهر باجتماعات ولقاءات ماراطونية، مع الموالين وممثلي الغرفة الفلاحية، واتحاد الفلاحين، لضبط شعبة اللحوم الحمراء، وقد تم الاتفاق على تسهيل عملية نقل لحوم «البقر» من الجنوب إلى الشمال التي تمت مقايضتها مع دول إفريقية، وتم ذبحها في مذابح مراقبة في كل من ولايتي تمنراست وأدرار.
وتم الترخيص الحصري لشركة الجزائرية للحوم الحمراء، بتسويق لحوم البقر الطازجة بكميات مدروسة بداية من شهر جانفي لضمان تموين وضبط السوق، وتحدث المستشار بوزارة الفلاحة مولود تريعة، في تصريحات إعلامية سابقة، عن قرار استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء، تحسبا للشهر الفضيل، وهي «طازجة» «و»حلال» مستوردة من عدة دول من بينها الأرجنتين، والهند، والسودان.
وحددت وزارة الفلاحة 1.200 دينار جزائري كسعر مسقف لبيع الكيلوغرام الواحد من اللحم المستورد، وهو ما يسمح ـ حسبها ـ لجميع الجزائريين باقتناء هذه المادة.
وقبل أيام من حلول الشهر الفضيل، ينظر المستهلك بعين الأمل، إلى نقاط البيع المباشرة التي تقرر فتحها، لتسويق اللحوم الحمراء الطازجة، بسعر معقول، ويقدر عددها بـ 540 نقطة منتشرة عبر التراب الوطني.
الانفراج قريبا..
ويقول رئيس المجلس المهني لشعبة اللحوم الحمراء سابقا ميلود بوعديس لـ»الشعب»، إن عملية تموين السوق الوطنية باللحوم الحمراء الطازجة المستوردة «ما تزال غير واضحة»، وأشار إلى أن رئيس الجمهورية كشف في الجلسات الوطنية للفلاحة عن الأرقام الحقيقية لرؤوس المواشي في الجزائر، بعد أن ساد الاعتقاد لسنوات أنها في حدود 30 مليون رأس، وتساءل بوعديس كيف لمساحة مليوني هكتار من المراعي لا تكفي لإطعام الماشية وتوفير احتياجات المواطن من مادة اللحم على الأقل في موسمين (رمضان، وعيد الأضحى المبارك).
ويعتقد المتحدث أنه الآن الأوان لإعادة النظر في طريقة تسيير هذه الشعبة، والسماح باستيراد عجول التسمين على الأقل 8 أشهر قبل حلول شهر رمضان، وتوجيهها للذبح مباشرة، لتوفير الاحتياجات المطلوبة.
ودعا بوعديس إلى منح تسهيلات أكبر للموالين لحفر الآبار وتوفير المياه للماشية، خاصة في المناطق الجافة والمتضررة من التغيرات المناخية، لإعادة إنعاش هذه الشعبة، ورفع عدد رؤوس الماشية.
استيراد ظرفي
بدوره، عدد نائب رئيس فيدرالية مربيي المواشي، إبراهيم عمراني، جملة من العوامل قال إنها حدّت من نشاط الموالين خاصة في المناطق السهبية، وتقف وراء غلاء أسعار اللحوم الحمراء في السوق الوطنية.
وأشار عمراني في حديثه لـ”الشعب”، إلى أن المناطق السهبية (المعروفة بإنتاج اللحوم الحمراء) عرفت هذا العام ظروفا مناخية قاسية، تسببت في نقص الكلإ، وارتفاع أسعار الأعلاف بطريقة جنونية، مما أثر سلبا على نشاط الموالين، وأدى إلى تناقص الثروة الحيوانية، خاصة وأن هذه الظروف المزرية جدا، مثلما وصفها، استنفذت مخزون الموالين من الأعلاف والمواد العلفية التي كانت مخصصة لموسم الشتاء والخريف، وهذا ما أثر – حسبه – على الإنتاج، إلى جانب عوامل أخرى جانبية، هو عدم توفر المياه في مناطق النشاط المستقرة.
وتحدث عمراني عن مراسلة وزارة الموارد المائية، للحصول على تصريحات لحفر الآبار وإنتاج الأعلاف في أرضنا، لأن نقص المياه جعل المربي مكتوف الأيدي وعاجزا عن توفير حاجة ماشيته، موضحا أن عدم توفر الكلأ والأعلاف جعل أسعار اللحوم والماشية والمواد العلفية ترتفع.
وثمن عمراني، قرار استيراد اللحوم الحمراء الطازجة أو المبردة، ووصفه بأنه « ظرفي» يقصد إلى توفير حاجيات السوق الوطنية، من أجل استقرار الأسعار، ولكن الأهم حسبه «العمل على رفع الإنتاج الوطني، وعدم انتظار البواخر التي تجلب لنا اللحم من استراليا أو البرازيل» مثلما ذكر.