بحثا عن النشوة والهروب من الواقع يدخل متعاطي المخدرات نفقا مظلما يعي خطره وسواده، عندما تبدأ علامات الإدمان تظهر على جسده وسلوكياته لدرجة تحوّله الى شخص آخر همّه الأول والأخير الطريقة التي توفر له السم القاتل، ولن يستبعد لجوئه الى السرقة او الاعتداء على أحد افراد عائلته او الانخراط في شبكات المخدرات فقط لتأمين جرعة الموت البطيء.
في كثير من الأحيان يتمّ ربط الإدمان على المخدرات بالظروف الاجتماعية الصعبة لكن القصص التي نراها ونعيش تفاصيلها في المجتمع، تثبت ان أصدقاء السوء هم همزة الوصل تذكرة دخول عالم المخدرات، فهم يسحبون كل من تُفك “شيفرة” شخصيته من خلال استغلال نقاط ضعفه سواء كانت ظروف اجتماعية قاسية، او مشاكل اسرية أو دلال زائد أفقد الشخص بوصلة الاختيار الصحيح.
لغم متفجّر
اسلام شاب لم يتجاوز سنه العقد الثاني من العمر، خرج حديثا من السجن بعد ضبط كمية من الأقراص المهلوسة بحوزته في احدى نقاط التفتيش للشرطة، بدأ نفق الإدمان المظلم وهو لم يتجاوز الـ15 سنة عندما كان تلميذا في المتوسطة، فقد استطاع رفقاء السوء جره الى عالم المخدرات، كانت خطوته الأولى لولوجه تجربة نشوتها والسعادة التي تشعر بها بعد تعاطيها، لكن تكرار التجربة جعل منه مدمنا وبائعا للأقراص المهلوسة.
وفي نفس المكان الذي أخذ فيه اول جرعة مخدرات، يقف اليوم امام المتوسطة لاصطياد الفرائس الضعيفة لجرها وسحبها الى عالم مظلم قد ينتهي بالدمار الشامل لحياة مدمنيها، وبالرغم من دخوله السجن الا انه مازال يزاول نشاطه وكأن شيئا لم يكن.
الغريب ان المتحدث الى اسلام يسمع منه كلاما يحاول من خلاله تبرير ما لا يبرر، حيث يلقي باللوم على والديه لأن غياب والده عن المنزل بسبب مهمات العمل المتكرّرة نحو ولايات الجنوب وعمل الأم خارج البيت لوقت متأخر جعله واخوته يكبرون في الشارع، لذلك أصبح واخوه الأكبر مدمنا مخدرات ولم يبق سوى أصغرهم الذي لا يتجاوز سنه عشر سنوات يعيش وسطهما في محيط اهم صورة فيه هو تعاطي الأقراص المهلوسة.
وعلى عكس سمير، فاتح شاب مقبل على شهادة البكالوريا هذه السنة، يجد ويجتهد حتى يسعد والديه من خلال تحقيق حلم التحاقه بالجامعة، كان مثالا لذاك الطالب المنضبط الذي تنحصر اهتماماته بين الثانوية، قاعة الرياضة والمنزل، الى ان ظهرت عليه علامات التعب والتوتر الشديد، في البداية ظن والديه انه مصاب بمرض ما، او انه أصيب بانهيار بسبب حصوله على علامة متدنية في رياضيات والفيزياء، لكن وصوله الى درجة الاعتداء على أخيه بقطعة زجاج مزق بها ذرع أخيه ووجهه بل كاد يقتله لولا تدخل الجيران، جعلاهما يعيدان النظر في سبب الهيستريا التي يعانيها.
حالته غير الطبيعية، جعلت والديه يلجأون الى أحد أصدقاء العائلة من اجل نقله الى المستشفى لعلاجه والنظر في سبب وصوله الى هذا الجنون غير المبرر، طبعا نقل على جناح السرعة الى أحد مستشفيات، حيث قام صديق العائلة باستيفاء كل الإجراءات اللازمة ما ساهم في تسريع عملية التشخيص، الذي فجّر مفاجأة لم تتوقعها الأسرة، فقد أكد الطبيب ان فاتح ليس مصابا بانهيار عصبي او مرض عضوي بل هو تأثير المخدرات لأنه لم يتعاط الجرعة التي اعتاد استهلاكها يوميا، والسبب رفض والديه اعطاءه المال.
لم يدر الطبيب انه فجّر لغما كان مغروسا داخل الاسرة، دون علم افرادها، فكيف يحدث هذا والوالدان اطارين بالدولة لهما سمعتهما التي لا تشوبها شائبة، واخوته لم يُعرف عنهم الا السيرة الطيبة.. هول الخبر أسقط الاب ارضا متسائلا عن السبب الذي جعل ابنه يلجأ الى المخدرات لتكون الحل الأنجع لمشاكله، وتساءل عن الطريقة التي يمكن استرجاع ابنه بها خاصة وانه مقبل على شهادة البكالوريا.
في المقابل، وجدت الأم نفسها امام ابن مدمن بسبب رفقاء سوء لم تستطع اكتشاف وجودهم في حياة ابنها، بالرغم من المراقبة المستمرة لرفقائه وزملائه في كل مكان يذهب اليه لكن كان ابنها اذكى واستطاع بحيلته إخفاء كل العلامات الدالة على ادمانه، ولولا اتخاذ قرار خفض قيمة مصروفه اليومي لما استطاعوا اكتشاف المشكلة الخطيرة التي تورط فيها ابنها.
كواش: مشاكل جسدية ونفسية مدمّرة
في اتصال مع “الشعب” أكد المختص في الصحة العمومية الدكتور أمحمد كواش ان الانتشار الكبير لتعاطي المخدرات وسط الشباب خاصة تلك المعروفة السنوات الأخيرة بـ«التشوشنة” أدى الى تعاطيها بشكل مفرط، ومثلها مثل كل أنواع المخدرات تؤدي الى مشاكل صحية خطيرة جدا على متعاطيها، أهمها فقدان الجسم لتوازنه والشعور بالقلق والتوتر، بالإضافة الى الانفعال الشديد مع المحيط او في الوسط الذي يعيش فيه متعاطوها، كذلك اصابته بالانهيار العصبي بعد مرحلة الإدمان قد تنتهي بانهيار نفسي مفضي الى الانتحار.
وقال في هذا الصدد، انه بالإضافة الى ظهور اضطراب في سلوك المتعاطي تتسبّب ايضا في تشنجات جسدية وعصبية، ما يجعله يدخل في حالة هيستيرية تتميز بعدم قدرته على التحكّم في سلوكياته، أي تشنجات عضلية وعصبية مفرطة، الى جانب اصابته باضطرابات النوم بحيث يصبح غير قادر على النوم، وكذا يصاب باضطراب في النطق والربط بين الاحداث المختلفة.
ولاحظ الدكتور ان الخطر لن يكون متعلقا بمتعاطي المخدرات ومدمنها، لأنها بمثابة الخطر المحدق بمحيطه بسبب حالة اللا-توازن التي يعيشها المدمن، حيث تؤثر عليه لدرجة ارتكابه لجرائم خطيرة تؤذي من يعيشون معه، الى جانب قيام المدمن بتعذيب نفسه من خلال تمزيق شرايينه او استعمال آلة حادة لتمزيق نفسه، او حرق جسمه.
وتؤدي المخدرات خاصة “التشوشنة” الى ضعف المناعة لأن الشخص المتعاطي يفقد شهيته للأكل ولا ينام ما ينعكس سلبا على مناعته الجسدية ما يجعله معرض لمختلف الامراض.
التعافي.. ممكن
«نعم يمكن علاج الادمان على المخدرات، ولكنه ليس بالطرق البسيطة فيجب ان نفهم ان الإدمان مرض نفسي وسلوكي ولا يستطيع المدمن التوقف عن استخدام المخدرات إلا لفترة قصيرة ثم يعود إليها مرة أخرى وينتكس”.
«لذا فإن علاج معظم المرضى يحتاج إلى إعادة تأهيل نفسي وسلوكي وهناك برامج متخصّصة مثل برامج الإقامة الكاملة أو برامج نصف الإقامة لعلاج تعاطي المخدرات نهائيًا واستعادة حياتهم، ويساعد علاج الادمان على المخدرات الشخص على التوقّف عن استخدام المخدرات نهائيا، إعادة بناء العلاقة الأسرية والمجتمعية، أن يصبح منتجًا في الأسرة وفي العمل وفي التعليم وفي المجتمع”.
«علاج الادمان او علاج مدمن المخدرات او علاج المخدرات بشكل عام أيا كان نوع المخدر ليس كأي علاج لمرض عضوي يحدث للإنسان لأن الشخص المريض بمرض الادمان يحتاج الى المرور بخطوات ورحلة لما يسمي التعافي من الادمان والتعافي أو الاستشفاء من الادمان يعني التغيّر السلوكي والنفسي لمريض الإدمان”.