يتوقع أن تُظهر الحكومة، عقب التعديل الوزاري الأخير، نسقا جديدا، في تنفيذ مخطط عملها ورفع التحديات المرتبطة أساسا بالعناصر الثلاثة للأمن (الوطني، الغذائي، الصحي)، مستندة إلى توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي قام بضخ دماء جديدة وأعاد توزيع الأداء داخل الأطقم التنفيذية.
تسلط الأنظار، مرة أخرى، إلى الحكومة التي يقودها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، لترقب بالتقييم والاستشراف مدى الفعالية في إنجاز ما هو مطلوب منه في إطار برنامج رئيس الجمهورية، خاصة بعد التعديل الجزئي الذي مسّ عددا من الدوائر الوزارية.
تجدر الإشارة، إلى أن التزامات الرئيس تبون 54 متاحة للاطلاع عبر الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، وكذلك مخطط عمل الحكومة كوثيقة في موقع مصالح الوزارة الأولى؛ بمعنى أن التوجه العام للدولة وأولوياتها معلوم للجميع.
وعليه، يرى مراقبون أن حكومة بن عبد الرحمان، مطالبة برفع تحدي الأداء المناسب قبل أي شيء آخر، على اعتبار سلامة الخيارات الكبرى للبلاد في جميع المجالات.
وإذا كانت الأولويات الاقتصادية تتصدر خطط الدولة في المرحلة الراهنة، انسجاما مع متطلبات الجزائريين وتكيّفا مع التحولات الدولية أو استباقا لها، فإن تحديات الحكومة تتمثل في نوعية الأداء، الذي يجب أن يرتكز على عناصر الفعالية، السرعة والنجاعة، لإنجاز مهامها على أحسن وجه.
ويمكن حصر التحديات، في تحقيق الأمن الثلاثي، ممثلا في تعزيز الأمن القومي والوطني، وتحقيق الأمن الغذائي وكذا الأمن الصحي، وتحتاج جميعها إلى استكمال الجزء الأخير من الترسانة القانونية التي تخص في جزء منها أخلقة الحياة العامة بمكافحة الغش والفساد والمضاربة غير المشروعة والمخدرات وعصابات الأحياء.
ولا يجب في أي حال من الأحوال أن تظل التوصيات المتمخضة عن اجتماعات الحكومة والولاة، أو الجلسات الوطنية للصناعة العام الماضي أو الفلاحة، حبيسة الأدراج، خاصة وأن الجزائر ليست بعيدة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الزراعات الإستراتيجية (القمح الصلب).
وحدد رئيس الجمهورية أهدافا واضحة في الجانب الاقتصادي، استنادا إلى الإمكانات التي تزخر بها البلاد، فرفع الإنتاج من الموارد الأولية الإستراتيجية، وتصدير المنتجات خارج قطاع المحروقات، ناهيك عن وضع الأرضية اللوجيستية لتحقيق النجاعة اللازمة، خاصة مع إعلان الرغبة في الانضمام لمجموعة «بريكس».
وسبق للوزير الأول، أن وصف مرارا هذا التوجه بـ «النهضوي»، والذي سيضع الجزائر في «مدار الدول الرائدة»، خاصة مع المسعى القوي لتحقيق «الاستقلال الاقتصادي».
درجة الاستيعاب الكبيرة، للبرنامج الرئاسي، تحتاج إلى أدوات إنجاز هامة، خاصة وأن المرحلة التي تعرفها البلاد بشكل عام، تحمل إسم «التغييرات الكبرى»، نسبة إلى ما يفترض القيام به لتغيير أنماط التسيير والإدارة واستغلال الموارد قصد تحقيق أهداف التنمية وتعزيز المكانة الخارجية وفق عاملي «النفوذ والتأثير»، مثلما عبر عنهما وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف أثناء استلام مهامه.
للتذكر، فإن الحكومة ومنذ جويلية 2021، واجهت معضلة «تصفية التراكمات السلبيات السابقة»، خاصة ما يعرف بمحفظة المشاريع المتوقفة والتي تقدر بالآلاف وما يقابلها من أرصدة مالية ضخمة وجب ضخها.
إلى جانب التبعات المكلفة الناجمة عن تفشي أزمة كوفيد-19، وحالة الركود الاقتصادي العالمي وتأثر سلاسل الإمداد، وكلها مبررات تبدو مقنعة في تفسير تأخير مسار تقويم مسار الدولة في عديد القطاعات، والشروع في تنفيذ التوجهات الكبرى.
ارتفاع وتيرة العمل
وينتظر أن يعيد الجهاز التنفيذي، التوازن للقدرة الشرائية للمواطن، بضبط المعادلة بين «الوفرة والاستيراد والتصدير»، واستعادة قوة الدفع في ميدان الإنتاج، باستكمال الأدوات القانونية للاستثمار، بإصدار النص الناظم لمنح العقار الصناعي، الفلاحي، السياحي والموجه للبناء والتعمير.
ومن الضروري أن ترتفع وتيرة الاستثمارات الهيكلية للدولة، ووضع تحت تصرفها شبكة اللوجيستيك اللازمة، والتي تقع تحت طائلة الاستعجال، ومثال ذلك خط السكة الحديدية تندوف- بشار، لنقل المادة الخام لحديد غار جبيلات، على مسافة 700 كلم.
ورأى رئيس الجمهورية بإعادة توزيع الجهد الحكومي في هذا المجال، بفصل وزارة الأشغال العمومية والبنى التحتية عن قطاع الري، حتى يتم التفرغ كليا لإمداد خطوط السكة الحديدية نحو الجنوب الكبير، وإنهاء منافذ الولايات الساحلية للطريق السيار شرق- غرب، وتوسعة بعض الموانئ.
غير أن نجاح الطاقم الحكومي في مهمته، مرتبط بمدى شدة الحرب التي يشنها على البيروقراطية المثبطة للعزائم والبرامج، لذلك يشكل رهان تعميم الرقمنة أكبر الورشات الواجب الانتهاء منها في أقرب الآجال.
ومن خلال إعادة إلحاق الصناعة الدوائية بالقطاع الصناعي عموما (مثلما كان عليه الحال في السابق)، يفهم أن رئيس الجمهورية رأى بأن أهمية إنتاج الدواء داخل الوطن بلغت المرحلة النهائية من النضج، لتعود إلى الحضن الطبيعي، وتجميع كل ما هو صناعي في دائرة وزارية واحدة، لضمان فعالية الاستثمار ومنح العقار الصناعي.
وفي المجمل، يتوقع أن تقابل القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية، بناء على تقييم الأداء، ارتفاعا لافتا في نسق الفعل الحكومي، على أن تظهر ملامح ذلك في نهاية النصف الأول من السنة الجارية.