حملت رسالة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمناسبة عيد النصر، رسائل ضمنية وأخرى صريحة حول جهود الدولة من أجل الرقي بحياة كريمة للمواطن، من خلال تذكيره بمؤشرات الاقتصاد ومعدلات التنمية وتأكيده على سياسة الدولة وطابعها الاجتماعي وعدم تخليها عن المواطن، بالرغم مما يحاك من طرف النافخين في أبواق الحقد.
تحمل رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة ذكرى عيد النصر، عدة مستويات أهمها استقراء التاريخ والأحداث وهي من الأشياء المهمة. وما حملته رسالة الرئيس هو استقراء واقعي بالتاريخ الثوري المجيد للجزائر، لاسيما أن التاريخ يرتبط ارتباطا وثيقا بأي تصور آني أو مستقبلي.
الرسالة التي جاءت بمناسبة تاريخية، تجد دلالاتها في الواقع اليوم، فرمزية الذكرى ينبغي لها أن تتكيف وفق المعطيات الحالية والظرفية الحالية، من اجل تنوير الجيل الحالي وتذكيرهم بالمعركة التي هم أمامها اليوم، والتي لا تقلّ شراسة عن معركة الأمس وكلّلت بالنصر في التاسع عشر مارس 1962.
ولا يفوّت الرئيس فرصة يخاطب فيها الشعب إلاّ ويذكر بالطابع الاجتماعي الذي لم ولن تتخلّى عنه الدولة مهما كانت الظروف، والحفاظ على الطابع الاجتماعي هو بمثابة نصرة للمواطن على حساب التضخم الواقع اليوم في الأسواق الدولية وما انجرّ من تبعيات عن الأزمة الصحية التي ضربت استقرار الأسواق الدولية.
من جهة أخرى، يفهم القارئ لرسالة الرئيس أن الجزائر انتقلت في خطابها من الحديث عن منظومة الإصلاحات على مستوى مؤسسات الدولة في إعادة بناء المؤسسات وتحيين النصوص القانونية بما يتماشى ومخططات الحكومة في سبيل إنعاش الاقتصاد والرقي بالقدرة الشرائية للمواطن، إلى الحديث عن الواقع التنموي وما يعني الانتقال من منظومة القوانين إلى الآليات المسخرة والنصوص التطبيقية لما ورد في القوانين الجديدة والإصلاحات السياسية وعلى مستوى التسيير المؤسساتي.
إن الكلمات المفتاحية في رسالة الرئيس بعيدا عن المقاربة التاريخية التي تعتبر روح الرسالة، تتمثل في مصطلحات تشير إلى التنمية والنجاعة في المشاريع ومسابقة الزمن. وهنا يستهدف الرئيس في رسالته الجبهة الداخلية. وذكرى التاسع عشر مارس تعيد لنا مدى قوة الجبهة الداخلية للمجتمع الجزائري، والتي استطاعت طرد الاستعمار بعد 132 سنة من محاولات طمس الهوية ونهب الثروات.
ويتفق الجميع في الداخل، على أنّ الجبهة الداخلية مهمة في بلورة السياسة الخارجية وهناك إجماع على أن السياسة الخارجية للجزائر صحيحة في توجهاتها، كالتأكيد دائما على عدم الانحياز لأي طرف والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتنازعة ونصرة أصحاب القضايا العادلة والتحررية من آخر مستعمرات القرن الواحد والعشرين، وهي مبادئ تحتاج لوحدة وصلابة الجبهة الداخلية من أجل التفرغ لتعزيز هذه المبادئ على مستوى الهيئات والمؤسسات الدولية.
من جهته يرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور حمزة حسام، أن المطع على رسالة الرئيس يشد انتباهه شيئان أساسيان؛ أولها الروح النوفمبرية هو شيء أساسي ومهم جدّا من ناحية المقاربة التاريخية، والتذكير بها في هذه المحطة ما هو إلاّ دليل على أنّ البوصلة الأساسية التي يجب أن نستذكرها والتأكيد على أنها المحدد الأساسي لتوجهات الدولة هي بوصلة بيان أول نوفمبر.
وأضاف محدثنا، أن مناسبة عيد النصر وحتى المناسبات الأخرى هي فرصة في كل مرّة بأن نذكر أنفسنا من باب التوكيد على أن توجهات الدولة الجزائرية مهما تعاقبت الحقب التاريخية هي تجسيد للرسالة النوفمبرية المنصوص عليها في بيان الفاتح نوفمبر.
ويرى المحلل السياسي حمزة حسام، أن الحديث عن التنمية في كلمة الرئيس في سياق الحديث عن الرسالة النوفمبرية، هي تأكيد على أن ما يتحقق اليوم من إنجازات والتحويلات الاجتماعية بصفة عامة وما تنفقه الدولة في سبيل تحسين معيشة المواطن الجزائري هي تجسيد لمبادئ الديمقراطية الاجتماعية التي نص عليها بيان الفاتح نوفمبر.
وقال الدكتور حمزة حسام، «سواء تحدثنا عن بوصلة بيان أول نوفمبر أو تحدثنا عن التنمية اليوم، فإننا نجد أنفسنا نصب في قالب واحد وهو تجسيد بيان الفاتح نوفمبر من خلال مجموعة من المشاريع والسياسات التي لا تخطئها عين الدولة الجزائرية».