تتمتّع عاصمة الأوراس باتنة بمُؤهّلات سياحية كبيرة خاصة في الجانب الثقافي، موزعة عبر كل إقليم الولاية، جعلت منها قُطباً سياحيا بامتياز معرُوفا على المُستوى الوطني والعالمي.
في باتنة العديد من المواقع الثقافية المُصنّفة عالميا، فيها مهرجانات فنية، أصبحت بفضلها قبلة للسياح الأجانب من عديد دُول العالم، نظرا لما تزخر به من إمكانات حضارية وتاريخية وثقافية، زادها جمالا وسحرا النسيج الجُغرافي المُتنوع من جبال وسهول وَوِديان وينابيع طبيعية.
تزخر الولاية بمعالم سياحية ثقافية وأثرية ضاربة في أعماق التاريخ، رغم النّقائص المُسجّلة التي تسعى مصالح ولاية باتنة لتذليلها، خاصة ما تعلق بشق الحفاظ على المعالم الثقافية ودعم المهرجات الفنية وترقية الصناعات التقليدية، وتطوير القطاع وتحريك عجلة التنمية الثقافية به.
وللوقوف على واقع هذا القطاع أكثر وأهميته في التنمية الثقافية المُستدامة، التقت «الشعب» رئيس المجلس الشعبي الولائي أحمد بومعراف، على هامش انعقاد الدورة الرابعة للمجلس المُخصصة لمناقشة ملف السياحة والصناعات التقليدية، حيث أكّد أنّ باتنة قطب واعد في هذا المجال يحتاج لفُرص استثمار ثقافية حقيقية.
إنشاء الحظيرة الثّقافية.. أولوية
أكد أحمد بومعراف، أنّ الولاية تحتوي على أكثر من 540 موقع ومعلم تاريخي مُدون في الأطلس الأثري للجزائر، أبرزها بالنسبة للسياحة الثقافية مدينة تيمقاد الأثرية، ضريح امدغاسن، شُرفات غوفي، معالم امدوكال، مدينة طبنة الأثرية، هذا التَّنوع والثراء يؤهّلها لتكون قُطبا سياحيا وثقافيا هاما، وقِبلَة للزُّوَار والسّياح من داخل الوطن وخارجه.
ودعا بومعراف إلى ضرورة الإسراع في استصدار قرار إنشاء الحظيرة الثقافية، للنهوض أكثر بالقطاع في شقه الثقافي، خاصة الواحات الطبيعية الشامخة للأوراس، على غرار واد عبدي، الواد الأبيض بمنطقة ثنية العابد، والتي تتمتع بمؤهلات سياحية ثرية ومُتنوعة جذابة للسياح، ومواقعها الأثرية والتاريخية، وكذا الصناعات الحرفية التقليدية، إضافة إلى الثروة النباتية الموجُودة على مُستوى الولاية.
وجدّد بومعراف دعوته للفاعلين في قطاع السياحة والصناعات التقليدية لبذل المزيد من الجُهود للرفع من أداء القطاع ليصبح خلاّقا للثروة، ومتنفسا حقيقيا يساعد على تفعيل التنمية المحلية بالولاية، حيث تلعب السياحة الثقافية بمختلف أصنافها دورا فعّالا في إبراز ما تزخر به من المواقع الأثرية، الطبيعية، والدّينية خاصة التي تزخر بها منطقة شمال إفريقيا بصفة عامة والجزائر بصفة خاصة، وتُعَدُّ منطقة الأوراس من أغنى المناطق ذات التراث المادي واللامادي، على غرار الحصون والقلاع تاقليعث أو قلعة بالول، قلعة جبل احمر خدو، قلعة منعة، وغيرها من المواقع التي كانت تستخدم للتخزين الجماعي والأضرحة كضريح امدغاسن، وكذا المدن الأمازيغية المشيدة في الجبال، كمدينة غوفي التي تبرز جمال العمارة الامازيغية التي كانت تشيد بأنامل أجدادنا القدامى وبقيت واقفة شامخة.
700 موقع سياحي غير مُصنّف
تحُوز المباني الأثرية والتاريخية كمدينة تيمقاد العتيقة وضريح إمدغاسن المُميز وشُرفات غوفي الساحرة والمدينة القديمة امدوكال، وطبنة، على اهتمام السياح لمشاهدتها والاستمتاع بمناظرها والاطلاع على تاريخها.
في المقابل تُواجه هذه السياحة الثقافية – حسب بومعراف – نقصا في فضاءات الترفيه والخدمات، ونقص اهتمام المُستثمرين في إنجاز مركبات حموية وفندقية تُوفّر خدمات مُحترمة للسياح والزوار عشاق الثقافة والتاريخ والأثار، لإنعاش الحركة التجارية والاقتصادية والاجتماعية وتنمية هذه المناطق، ليستطيع ساكنتها بيع الصناعات الحرفية التقليدية، فالموارد الثقافية بباتنة تتشكّل من المواقع الثقافية والتراثية المُصنفة عالميا، وأشار المتحدث إلى أنّ الزائر لها خاصة الذي لا يقطن بها، يجد عدة خيارات لتلبية رغباته السياحية، الاستكشافية، بينما تبقى المواقع الخدماتية هاجسا يُؤرق السياح لنقصها، ورغم ذلك فهذه المناطق تُغريه للعودة في كل مرة نظرا لتوفر فرص اقتناء التذكارات الحرفية التقليدية التي تُباع على جنبات الطرق أو في وسط هذه الحضائر الثقافية، والمصنُوعة بأنامل فنية زادها جمالا أنّ أغلبها من المواد الأولية الموجودة بالمنطقة كالصوف، الوبر، الطين، الخشب، الفضة والحلفاء، تسحرُ عُيون السائح قبل جيبه؛ لأنّها فعلا تُحف فنية خالدة، بلمسات تُحاكي عراقة الثقافة الأوراسية السامقة الضاربة في عُمق التاريخ، عندما تتزين بالأشكال والرموز والألغاز البربرية، ووهج الطُّبوع الفُلُكلُورية التي تُسجّل حضورها بقوة في المخيال الشعبي للسياح، مُؤكّدا دورها في الدفع بالقطاع إلى الأمام.
وقد أوصى بومعراف عبر مجلسه في ختام الدورة بضرورة إعادة تهيئة المواقع الأثرية، توفير المرافق الضرورية للمواقع السياحية خاصة الأثرية منها، وإنجار متحف وطني للأثار، توفير مراكز تكوين كفاءات مهنية مُختصة في مجال السياحة والآثار، وكذا ضرورة ترميم القرى والمداشر المُهددة بالانهيار والزوال، حفاظا على الطابع المعماري الأوراسي، إضافة إلى إعادة النظر في تصنيف المواقع السياحية، حيث يُوجد أكثر من 700 موقع سياحي غير مُصنف يُضيف المُتحدث.
الصّناعات التّقليدية.. آليات للنّهوض
تشتهر ولاية باتنة بصناعاتها التقليدية المُميزة خاصة القديمة منها، والتي تلعب دورا مُهما في الحفاظ على أصالة الهوية الثقافية ومقومات الشخصية الوطنية للمجتمع الجزائري، وتساهم هذه الحرف والصناعات التقليدية في الربط بين الحاضر والماضي، وهي تعكس المخزون الثقافي المُتنوع والثري الذي تزخر به الولاية، والمُكتسب من التنوع الكبير في الثقافات والحضارات التي تعاقبت عليها، كما نجد هذه الصناعات في حد ذاتها داخل الولاية تختلف من منطقة لأخرى، حسب اختلاف تضاريس هذه المناطق، وطريقة عيش سُكانها.
وفي هذا الصدد، يحرص المجلس الولائي على توفير فضاءات من أجل تسويق مُنتجات الصناعة التقليدية، على غرار الأسواق المعروفة في بعض المدن الجزائرية تكون في وسط مدينة باتنة، وفي عدد من دوائر الولاية، إضافة إلى تنظيم صالون وطني للصناعة التقليدية بمشاركة حرفيين ونشطين في القطاع من مُختلف ولايات الوطن، يهدف إلى الترويج لمُنتجات الصناعة التقليدية المحلية وتحقيق الجذب السياحي.
كما ألحّ المصدر على استكمال عملية تهيئة مركز الامتياز لصناعة الحلي والمجوهرات، ليكون إضافة نوعية لقطاع الصناعة التقليدية بصفة عامة ولنشاط صناعة الحلي والمجوهرات، لا سيما أنّ ولاية باتنة تعتبر قطبا وطنيا في هذا النشاط، وكذا دعم التجمع المهني لحرفيي صناعة الحلي والمجوهرات، الذي تم تأسيسه في إطار الشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، ومرافقته من أجل الحفاظ على هذا النشاط وتطويره، يضاف له تكثيف جهود الرقابة، من أجل مُكافحة التقليد وتطهير السوق المحلي من المنتجات المقلدة لحماية المنتوج المحلي، لا سيما منتوجات الصناعة التقليدية.
وحثّ بومعراف مختلف الهيئات العمومية على ضرورة اقتناء منتجات الصناعة التقليدية المحلية في عمليات التكريم التي تشرف عليها، لتشجيع الحرفين والترويج لمنتجاتهم وتسويقها، مع دعوة مُختلف المُؤسسات لا سيما ذات الطابع السياحي والخدماتي على تخصيص واجهات لعرض وترويج منتجات الصناعة التقليدية، وفتح متاحف خاصة بمنتجات الصناعة التقليدية، تهدف إلى المُحافظة على التراث المحلي للأوراس والتعريف به لدى السواح والمواطنين.
جُهود لتطوير القطاع..
بدورها، أكّدت مديرية السياحة والصناعات التقليدية، بولاية باتنة، على لسان مفتش السياحة جمال الوخش، رئيس مكتب دعم تنمية السياحة والإحصاء، أنّ المديرية تحرص على الرفع من كفاءة العاملين في القطاع من وكالات سياحية، مُؤسسات فندقية، جمعيات ودواوين السياحية، من خلال عقد اتفاقيات مع مديرية التكوين المهني والتمهين وجامعة باتنة01، واقتراح مُخطّط تكوين يتضمن تخصصات مطلوبة في سوق الشُغل السياحي، خاصة مع تزايد عدد المشاريع الفندقية والوكالات السياحية الجديدة، التي استقبلت مُجتمعة خلال شهر أوت الماضي 5651 زائر 500 منهم أجانب.
ورغم تحسّن الخدمات المُقدّمة في هذا الجانب، مُقارنة بالسنوات الماضية، بفضل الجُهود المُتفرقة للخواص، إلاّ أنّ النهوض بالسياحة الثقافية بباتنة مايزال بحاجة للمزيد، حيث أكّدت مديرية السياحة أنّها في الطريق الصحيح لتطوير هذا النوع من السياحة، بالتنسيق مع 101 وكالة سياحية وأسفار و18 مُؤسّسة فندقية، بها 715 غرفة و1450 سرير، في انتظار تدعيم القطاع بـ 8 فنادق طور الإنجاز، والدفع بـ 10 أخرى لاستكمال أشغالها وترقب انطلاق 9 جديدة، كما يقول جمال الوخش.
وأكّد محدّثنا فتح مسالك لمختلف المواقع السياحية، ومُرافقة المستثمرين في جميع مشاريعهم للحصول على مُختلف الرخص الإدارية، مع العمل على التنشيط السياحي عبر مُختلف الفعاليات الخاصة بالقطاع، إضافة لإدراج 08 مسارات سياحية ترويجية تتضمّن 36 موقع سياحي مُتعلق بالسياحة التاريخية، الطبيعية، الحموية، الأثرية والثقافية والترفيهية.
وفي إطار توفير هياكل لعرض وتسويق مُنتجات الصناعة التقليدية، استفادت المديرية من مشروعين دخلا مرحلة الاستغلال بتيمقاد وباتنة، في انتظار استكمال أشغال تهيئة مركز الامتياز للحلي التقليدي للتكوين بحي بوعريف، كما استفادت الولاية ـ حسب الوخش ـ من 450 مليون دج لتهيئة مناطق التوسع السياحي بكل من نقاوس، تيمقاد وغوفي سنة 2019، واقتراح انشاء عدة مناطق توسع سياحي جديدة.
وتعمل المديرية على ترقية عدة مواقع سياحية، على غرار محمية بلزمة على مُستوى11 بلدية بمساحة تقدّر بـ 26250 هكتار، بتنظيم رحلات استكشافية علمية بالتنسيق مع الجامعة، وكذا التخييم مع الجمعيات والوكالات السياحية المُهتمة، فضلا على قيام المديرية بالمُشاركة في مختلف المؤتمرات واللقاءات العلمية المُنظمة والمعارض مع الشركاء في كل المُناسبات لتطوير القطاع.
ومن بين أهداف استراتيجية المجلس بالتعاون والتنسيق مع مديرية السياحة، العمل على دعم وتشجيع الاستثمار وتأهيل النشاطات السياحة وتطويرها، بالإضافة إلى عصرنة منظومة التكوين في المجال السياحي والفندقي وتطوير النشاط الاتصالي، ضمن المُخطّط التوجيهي للتهيئة السياحية لولاية باتنة آفاق 2025، الذي يُعد إطارا مرجعيا لرؤية بعيدة المدى للقطاع بالأوراس، بمرافقة من الجمعيات السياحية والثقافية والمجالس المُنتخبة لتكثيف الجُهود لجلب أكبر قدر من السياح في إطار سياسة سياحية ثقافية مُستدامة.