أبدت السّلطات جاهزيتها لاستقبال شهر رمضان، بإجراءات استباقية ساعدت المواطن على اقتناء حاجياته من الفضاءات التجارية المخصصة لهذا الشهر، والمقدّرة بـ 600 سوق رحمة، إلى جانب حصص تموين إضافية، وعمليات بيع مباشر لقيت إقبالا قياسيا للمواطنين.
يجني المواطن الجزائري في اليوم الأول من رمضان، ثمار الإجراءات التي باشرتها السّلطات منذ أسابيع، المتعلّقة بفتح أكثر من 600 سوق رحمة عبر 58 ولاية تعرض مختلف المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك بأسعار منخفضة، مقارنة بباقي المحلات التجارية الأخرى، إلى جانب المحاولات الهادفة إلى تسقيف أسعار اللحوم الحمراء حتى يتمكّن المواطن البسيط من الحصول عليها، والحرص الدّائم على ضمان تموين السّوق الوطنية من خلال المراقبة الدّائمة لها.
توافد كبير على أسواق رمضان
نظّمت البلديات بالتنسيق مع المصالح الوزارية، أسواق رمضان التي تشهد إقبالا كبيرا للمواطنين من أجل اقتناء حاجياتهم وبأسعار معقولة، خاصة مع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، حيث عرفت عشية رمضان توافدا كبيرا للزّبائن ومن مختلف المناطق، هذا بالتزامن مع الإعلان عن فتح معارض البيع المباشر في بعض الولايات.
ما وقفت عنده “الشعب”، أنّ هذه الأسواق التي تشكّل ملاذ كثير من المواطنين، انتشرت في مناطق دون غيرها، ممّا خلق اكتظاظا في البعض منها، الأمر الذي دفع المواطنين إلى المطالبة بتعميمها عبر كامل البلديات للاستفادة منها، خاصة أنّ بعض المحلات التجارية لا تلبّي الحاجة.
وجاءت أسواق رمضان أو ما يعرف بـ “أسواق الرحمة” لمواجهة الندرة، وغلاء أسعار مواد استهلاكية أساسية تزامنا وحلول الشهر الفضيل، حيث يجد المواطن نفسه يتنقّل بينها للاطلاع على جديد العلامات التجارية، وكذا التخفيضات التي جاءت في هذا الشهر.
عرفت كثير من المواد الغذائية كالأجبان والعصائر تخفيضات وصلت إلى 50 بالمائة، في ممارسات رمضانية استقطبت الزّبائن في هذه الأسواق، بمواد جديدة وأسعار تنافسية استهوت كثيرا المواطنين الذين توافدوا عليها بشكل كبير خاصة عشية رمضان.
المحافظة على استقرار الأسعار..أولوية
يعتبر الهدف الأول من تنظيم أسواق رمضان سنويا، ضمان الوفرة في المواد الاستهلاكية خاصة الغذائية، والمحافظة على استقرار الأسعار، خاصة أمام الغلاء الفاحش الذي شهدته مختلف المواد الواسعة الاستهلاك، بفعل عوامل كثيرة، بينها المضاربة غير الشّرعية.
وعن أسعار هذه الأسواق، فإنّ الفارق يقدّر بين 20 إلى 50 دينارا في أغلب المواد، مقارنة بالمحلات التجارية الأخرى، وهذا راجع إلى مشاركة المنتجين والباعة على حد سواء، لضمان وفرة جميع المواد والمنتوجات، إلى جانب إدراج عمليات البيع المباشر.
حرصت وزارة التجارة بالتّنسيق مع البلديات من خلال برنامج أسواق الرحمة، على توفير جميع المواد الاستهلاكية، منها المواد الغذائية العامة التي تعرف اقبال المواطنين، والمنتجات الفلاحية من خضر وفواكه، الأواني المنزلية، ألبسة وبأسعار تنافسية.
البيع المباشر لكسر الغلاء
بالتّزامن مع انطلاق أسواق الرّحمة، أعلنت بعض المعارض الكبرى عن عمليات البيع المباشر التي تمس مختلف المواد الغذائية والتّجهيزات المنزلية وغيرها، بالإضافة إلى الخضر والفواكه، حيث تمّ السّماح للفلاحين ببيع منتوجاتهم مباشرة للمستهلك عبر كامل التراب الوطني.
وتعتبر هذه المعارض قبلة للمواطنين ممّن يرغبون في اقتناء كل جديد مطروح في السوق، حيث أنّ عملية البيع المباشر تخص كل المنتجات، وهذا لتلبية حاجيات ورغبات المستهلك والعائلة الجزائرية في شهر رمضان.
وتنتشر نقاط البيع المقدّرة بـ 400 نقطة، عبر مختلف المناطق، وهي مرشّحة للارتفاع بغية تقريبها أكثر من المستهلك، حيث تشمل العملية بيع منتجات الحبوب والبقول الجافة 110 نقطة، بيع اللحوم الحمراء والبيضاء، 6 نقاط، خضر وفواكه، و121 نقطة بيع لتوفير الحليب ومشتقاته ومختلف المواد خلال هذا الشهر.
اجتماعات ماراطونية لضمان الوفرة
من جهتها وزارة التجارة وترقية الصّادرات حرصت قبل أيام من حلول شهر رمضان، على تنظيم اجتماع عمل مع رئيس مجلس تجديد الاقتصاد الجزائري، كمال مولى، ومتعاملين اقتصاديّين ناشطين في مجال الحبوب الجافة، وممثلين عن وزارة الفلاحة والتنمية الريفية لأجل ضمان تموين السوق الوطنية، يتعلق الأمر بمختلف أنواع الحبوب الجافة، وضبط احتياجات المتعاملين الاقتصاديين، حيث أكّد وزير التجارة على أهمية تشجيع الإنتاج الوطني، وزيادة الاستثمارات الوطنية في هذه الشعبة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من البقوليات.
وعقد الطيب زيتوني اجتماع عمل مع منتجي مادة زيت المائدة، من أجل التأكيد على ضرورة ضمان توفير هذه المادة الأساسية عبر كامل التراب الوطني، والحد من التذبذب الذي عرفته السوق الوطنية، وأثار استياء المواطنين.
وأمر المسؤول الأول على قطاع التجارة، بالترخيص لمنتجي زيت المائدة الغذائي بالبيع المباشر إلى المستهلك، عبر كامل الأسواق الجوارية التي تم إطلاقها في 58 ولاية، بهدف تغطية الطلب المتزايد لهذه المادة خلال هذه المناسبة، وتمّ الاتفاق على رفع الإنتاج من 3550 طن إلى 4690 طن يوميا من مادة زيت المائدة الغذائي، بدءا من الأسبوع الجاري وضخّها في السّوق الوطنية لضمان وفرتها خلال الأيام الأولى من الشهر الكريم.
جهود كبيرة وتنسيق محكم بين مختلف الهيئات والمتعاملين الإقتصاديّين على المستوى الوطني، لضمان تموين الأسواق بالمواد الواسعة الاستهلاك، حيث سيشعر المواطن بوفرة المواد في الأيام الأولى من الشّهر الكريم.
تسقيف أسعار اللّحوم عند 1200 دينار
من جهتها، اتّخذت السّلطات كافة التّدابير لتوفير اللحوم البيضاء والحمراء، حيث تمّ توفير أكثر من 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المستوردة في الأسواق، بالإضافة إلى دخول الحصة الأولى من العجول الموجّهة للذبح لتحقيق الوفرة واستقرار الأسعار، وكذا الانطلاق في عملية البيع المباشر عن طريق المستثمرات الفلاحية لتربية الابقار.
وفي سياق ذات الإجراءات، قامت وزارة الفلاحة عشية حلول رمضان بالشّروع في شحن ونقل اللّحوم الحمراء “غنم-بقر” المستوردة من دول الساحل، حيث حوّلت الشحنة نحو مسالخ تمنراست، ومن ثم إلى جميع ولايات الوطن، قصد تموين سوق اللحوم، وتباع بسعر مقنّـن لا يتجاوز 1200 دج.
وتعتبر عملية الاستيراد التي شرعت فيها السلطات منذ جانفي الماضي المقدّرة بـ 20 ألف طن من اللحوم الطازجة، و10 آلاف رأس من العجول الموجّهة للذبح التي ستضخ في السوق الوطنية عبر مراحل، كفيلة بتغطية المعدّل المتوسّطي للاستهلاك اللحوم خلال رمضان المقدّر بـ 60 ألف طن، أي ما يفوق 50 بالمائة، وهو الإجراء الذي من شأنه ضبط أسعار مادة اللحوم الحمراء بنوعيها “البقر-غنم”، والحد من المضاربة.
العملية ستخضع للرّقابة الصّارمة، خاصة على الجزارين الذين اختيروا للقيام بعمليات التسويق عبر نقاط البيع ستوجّه إلى وزارة التجارة، حيث سيشرف الولاّة على متابعة التجار للتأكد من مدى التزامهم بالتعليمات، وهذا لضمان صحة المستهلك من جهة، واحترام السّعر المحدّد أيضا.
القضاء على التّذبذب والمضاربة
بدوره رئيس منظّمة التّجارة والاستثمار الاجتماعي، جابر بن سديرة، أشار إلى الاختيار الصّائب لأماكن أسواق الرّحمة، حيث تمّ اختيارها بعناية وسط تمركز السكان، وأمام وسائل النّقل لتسهيل تنقّلات المواطنين، بالإضافة إلى تأمين دخول وخروج البضائع، والمراقبة اليومية على التّموين.
وقال بن سديرة، خلافا للسّنة الماضية، عمليات مراقبة تموين الأسواق تتم بشكل يومي، وترفع تقارير من طرف مصالح وزارة التجارة للتدخل في حال وجود خلل في أي مادة من المواد، خاصة في المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك التي لا تقبل التّأخير بالنسبة للمواطنين.
وأشار في ذات السّياق، إلى استمرار تسجيلات المشاركة في أسواق الرّحمة، وكل المتعاملين الاقتصاديّين الرّاغبين في الالتحاق بهذه الفضاءات لعرض منتجاتهم التقرب من مديريات التجارة، بالإضافة إلى منح رخص فورية للراغبين في البيع الترويجي، تسهيلات تضمن للوفرة واستقرار الأسعار.
ودعا جابر بن سديرة التجار إلى التواجد بقوة في هذه الفضاءات التجارية، لضمان توفير مختلف المنتجات وبأسعار معقولة تناسب المواطن البسيط، الذي يبحث في هذه الأسواق عن السلع التي يحتاجها وبأثمان تناسب قدرته الشرائية.
إجراءات ناجعة لمواجهة الغلاء
ثمّن الخبير الاقتصادي بوشيخي بوحوص الإجراءات الاستباقية التي قامت بها السلطات لضبط السوق وضمان الوفرة، حيث سخّرت كافة الامكانات لفتح أسواق رمضان عبر كامل التراب الوطني بترخيص من البلديات، وبإشراف مباشر من مديرية الولائية للتجارة.
وتهدف العملية – حسب الخبير – إلى توفير السلع ومنتجات الخضر والفواكه والحليب ومشتقاته، وكذا السلع المقننة من زيت غذائي وسميد من أجل اختصار القنوات، أي من المنتج الى المستهلك مباشرة، وبالتالي تقليص الهوامش وتكون أسعار معقولة في متناول المواطن.
وفي إطار ذات الإجراءات، رخّص للشركات الجزائرية الكبرى باستيراد البقول الجافة الأرز، الحمص من طرف الديوان الوطني للحبوب الجافة بغرض البيع مباشرة للمواطنين، وممّا يخفض الأسعار كذلك، تكليف المؤسسة الاقتصادية للحوم الحمراء باستيراد وتسويق بسعر لا يتجاوز 1200 دج، كما سوف يمنح الضوء الاخضر لجلب اللحوم الحمراء من ولايات الجنوب الكبير الناتجة عن نشاط المقايضة مع دول الساحل والصحراء مالي ونيجر وتشاد، وكلّها عمليات سوف تسمح بالتحكم في الأسعار خلال هذا الشهر.
بالنسبة للمجال الفلاحي، أكّد الأستاذ أنّ رمضان تزامن مع شهري مارس وأفريل، هو تاريخ دخول جني المحاصيل من الخضر والفواكه تحت البيوت البلاستيكية في واد سوف تيبازة وعين الدفلى ومستغانم ومعسكر، ممّا ينعكس بالضّرورة على الأسعار ويسمح للمزارعين تسويق منتجاتهم دون المرور عبر تجار الجملة ثم تجار التجزئة، وطبعا تكون الأسعار معقولة في البيع المباشر.
وإلى جانب هذه الإجراءات، طالب الخبير الاقتصادي بوشيخي بوحوص، من المصالح المعنية إنجاز عدد كبير من الأسواق الجوارية لتلبية احتياجات المواطنين عبر 58 ولاية، هذا من جهة ولمحاولة ضبط الأسعار، والقضاء على المضاربة والاحتكار الذي استنزف جيوب المواطنين.
وعليه، لوحظ أنّ رمضان هذه السنة سيكون استثنائيا بكل المقاييس، حيث وضعت الحكومة جملة من الإجراءات الاستباقية تحضيرا لهذا الشهر، ولضمان وفرة المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك، والمنتجات الفلاحية باختلافها، حيث عقدت اتّفاقيات ونظّمت اجتماعات مع مختلف الهيئات والمتعاملين الاقتصاديّين في مختلف القطاعات لضمان التموين، وتفادي التذبذب في بعض السلع الأساسية.