يروي المجاهد عبد الله دباغ، أخر من تبقى من فرقة الضفادع البشرية، في حوار لـ”ذاكرة الشعب” كيف إلتحق بهذه الفرقة والمهمة الخطيرة، التي كلف بها رفقة زملائه من طرف قادة الثورة، وخضوعهم لتدريبات الغطس القاسية، ملبين نداء جبهة التحرير الوطني، وتفاصيل أخرى في هدا الحوار.
جندنا بن بلة وأيت أحمد في فرقة الضفادع البشرية
من هو عبد الله دباغ، ومتى إلتحقت بصفوف الضفادع البشرية؟
المجاهد عبد الله دباغ: عبد الله دباغ مولود في 1933، بأحفير في الحدود الجزائرية المغربية، إلتحقت بجيش التحرير الوطني في 1956، من طالب يحضر الدروس في البكالوريا الفرنسية آنذاك إلى صفوف جيش التحرير الوطني، كان سني تقريبا 19 سنة.
كانت لجبهة التحرير الوطني ممثل في الغرب المغربي يبحث عن شبان لهم روح التضحية والوطنية. وجاء أمر بالبحث عن 5 شبان، وكان من حظي أنني كنت واحدا منهم.ذ
اجتمعنا مع ممثلي جبهة التحرير الوطني أخذونا إلى تيطوان بالمغرب، أول مرة أتعرف بزملائي الخمسة وهم: عثمان دمرجي، على قيد الحياة وهو مريض.. يحيى رحال، الذي أصبح لواء في الجيش الوطني الشعبي، توفي، والمرحوم بن عمر شربال، والمرحوم أحمد شيبان، وعبد القادر جودي.
لأول مرة ركبنا الطائرة ولم نعلم اتجاهنا، وصلنا مدريد ثم انتقلنا إلى روما ونحن لا نعرف شيئا عن مهمتها، ومن روما إلى القاهرة.
كانت أول مرة نزور فيها القاهرة، وجدنا في انتظارنا بمطار القاهرة الراحل أحمد بن بلة، محمد خيضر، حسين آيت أحمد، رحبوا بنا ترحيبا كبيرا وقالوا لنا: “مرحبا وأهلا بأول مجاهدين بمصر”، وسألونا عن سبب وجودنا بمصر، فقلنا لهم لا ندري، فأخبرونا بأن تواجدنا بمصر هو من أجل مهمة خطيرة يمكن أن لا تعودوا منها أحياء، تتطلب التضحية والروح الوطنية والشجاعة، من يقبل المهمة مرحبا به نطلعه على تفاصيل المهمة، ومن يرفض المهمة نعيده إلى منزله.
قلنا لهم: نحن مستعدون. جئنا إلى القاهرة من أجل المشاركة في هذه المهمة من أجل الجزائر.
لأول مرة سمعنا كلمة رجال مقاتلين، وقد أوضحوا لنا معناها وهي أفراد يغطسون تحت المركب الحربي يضعون قنبلة، وإذا تمكنوا من الهرب نجوا وإذا لم يتمكنوا تنفجر القنبلة بما فيها المركب الحربي، رغم خطورة المهمة قبلنا، وطلبوا منا الشروع في التمارين.
مهمتنا تلغيم المراكب الحربية للعدو
أخذونا إلى مكان سري بميناء الإسكندرية، أين قمنا بتمارين قاسية جدا، لأن الوقت كان ضيقا لإكمال التمارين ونرسل إلى ميناء طولون وبريست والمرسى الكبير، لنكون جاهزين لتنفيذ المهمات وتلغيم المراكب الحربية الفرنسية في هذه الموانئ.
نجحنا في التمارين، في كل مرة يزورنا بن بلة، وايت أحمد ونحن نغطس في ميناء الإسكندرية يسألون عن مدى جاهزيتنا، فنجيبهم بأننا على أتم الإستعداد، آخر مرة زارونا أخبرونا بأنهم يجهزون لنا العملية التي سننفذها، فرحنا وكان هذا آخر تمرين لنا بالإسكندرية.
لكن للأسف الشديد، سمعنا خبر إلقاء القبض على الزعماء الخمسة في حادثة اختطاف الطائرة في 22 أكتوبر 1956، وعثرت الشرطة الفرنسية على مخطط إغراق الموانئ وانكشف أمرنا وأخذت فرنسا احتياطاتها كي لا تنفذ العملية. تأسفنا كثيرا لأننا كنا جاهزين معنويا وماديا.
وقع العدوان الثلاثي على مصر قادته فرنسا، انجلترا والكيان الإسرائيلي ونحن موجودين في الإسكندرية.
هجمت الطائرات الحربية للعدوان الثلاثي خاصة على المراكب الحربية المصرية وكانت مملوءة بالألغام، عندما قذف طيران العدو الميناء خاف المصريون أن تنفجر المراكب وتدمر كل المدينة والميناء، فرمى المصريون ألغام العدو بطريقة عشوائية خارج الميناء كي لا تدمر المدينة.
لكن هذه الألغام لها قوانين لا يمكن رميها عشوائيا، للأسف عندما ألقوا بالألغام في البحر لم يستطيعوا الدخول للميناء، وكل مؤنهم ومستلزماتهم الحربية متواجدة بالميناء.
عندها رأى المصريون ضرورة تنظيف محيط الميناء من الألغام كي تتمكن المراكب المحملة بالمواد الغذائية من الدخول.
من يتكفل بتنظيف المكان واستخراج الألغام، والذي يتطلب الغطس في أعماق البحر والبحث عن الألغام؟
نحن رجال الضفادع البشرية تكفلنا بالمهمة ونظفنا ميناء الإسكندرية كاملا، وعندما شاهدوا نجاح عملنا أخذونا إلى الإسماعيلية وبور سعيد، لأن الحادثة نفسها وقعت بموانئ مصر، نظفنا الموانئ وتمكنت المراكب من الخروج.
زعماء الثورة سجنوا لا نملك أجهزة لتنفيذ عملية.
آنذاك فرنسا كانت تريد تقسيم الجزائر وفصل الجنوب، الذي يحتوي البترول تحتفظ به، عن الشمال الذي تمنحه الإستقلال الذاتي.
رفضت قيادة الثورة هذا المخطط الجهنمي وأصرت أن تبقى الجزائر موحدة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
كان علينا إظهار وجود جيش التحرير الوطني في أنحاء الجزائر.
في هذه الحالة، قمنا بتكوين فرقة من جيش التحرير الوطني ليحاربوا في الطاسيلي بجانت، فرقة الضفادع البشرية، التي كنت أحد أعضاءها تطوعنا للذهاب إلى جانت، انطلقنا من ميناء الإسكندرية، البحر المتوسط إلى جانت وبالضبط في منطقة “غات” على الحدود بين الفزان الليبي والطاسيلي الجزائري.
قسمنا المنطقة السادسة مع صديقي المرحوم الشريف جغري، أخذنا معنا سلاحنا والمؤونة الغذائية ودخلنا المنطقة لنثبت وجود جيش التحرير، والبرهان كان معركة ايسيين في03 أكتوبر 1957، لحد الآن آلات فرنسا المحترقة ما تزال بالمكان، الذي وقعت فيه معركة ايسيين، نجحت هذه المعركة، لم يجرح أي جندي منا. وكان معي حوالي 19 مجاهد توفوا.
هل تتذكر زملائك الذين كانوا معك، وهل من كلمة عنهم؟
أتحدث عنهم لأنه من واجبي، ولأنهم ضحوا من أجل الجزائر، لهم مكانة كبيرة في قلبي.
أشعر أنهم من قبورهم يعاتبونني لأنني لم أتحدث عنهم رحمهم الله، بقي منهم عثمان دمرجي، لكن للأسف صحته متدهورة جدا.
أبدأ بدمرجي، هو إنسان وطني مجاهد بحق، رغم معاناته في البحر والصحراء، لكنه لم يترك صلاته والصيام.عندما يكون لديه وقت يكتب كل العمليات التي نفذت والتي لم تنفذ، كتابه مازال للآن إذا أمكن استغلاله هو كنز.
بهذه المناسبة، أشكر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي سلم له وسام عهيد، هذه الإلتفاتة طيبة نعتز بها وهي مهمة بالنسبة لتاريخ الجزائر.
المرحوم بن عمر شربال، كان إنسانا شجاعا، فر من الجيش الفرنسي وانضم إلى صفوف جيش التحرير الوطني.
المرحوم أحمد شيبان، كان من طلبة الأزهر في القاهرة بعد سماعه بالثورة إنضم إليها وبالضبط لفرقة الضفادع البشرية في الإسكندرية.
المرحوم عبد القادر جودي، شاب شجاع كبُرنا معا، انضمينا للثورة سويا أيضا، كان طالبا.
مسعود بزة، كان طالبا في الأزهر بالقاهرة وانضم إلى فرقة الضفادع البشرية.
رشيد بن دريس، كان عاملا في أنصي Anci بسويسرا، التحق بالتدريب في الإسكندرية.
هؤلاء هم رفقائي أثناء الثورة التحريرية. الله يغفر لي إن نسيت أحدهم.
ماذا قولك عن دور المرأة الجزائرية المجاهدة؟.
شاركت في ثورة التحرير، ضحت عانت كثيرا، اعتبرها جزء من أعضاء جيش التحرير الوطني، أقدم لها احتراماتي، المرأة الجزائرية أعطت أمثلة في التضحية.
كيف عشتم لحظة إعلان وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962؟.
بعد تنفيذ عملية طاسيلي، كان هواري بومدين، قائد الأركان، سألوه عن مصير فرقة الضفادع البشرية، بحثوا عنا وجمعوا من كان في الحدود، وفي الداخل وفي تونس والمغرب، عثروا على خمسة أعضاء إلتقينا في غار دماو، مع الأخ بومدين رحمه الله، طلب منا تنفيذ عملية.
اعتذرنا عن عدم القيام بعمليات لأن عددنا قليل جدا مع انعدام الأجهزة، طلب منا اقتراح فاقترحنا أن نتكفل بتكوين شباب أثناء الثورة، وطلب منا لائحة بإحتياجاتنا كي ننجح في تكوين الدفعة الثانية للضفادع البشرية، اجتمعنا في الناظور بالمغرب، سلموا لنا فيلّا بها كل ما نحتاجه.
أول خطوة هي تجنيد الشباب الجزائري، شرط أن يكونوا ذوي بنية جسدية مثلنا، وننسق مع مصلحة “المالغ” لتزودنا بالأجهزة التي نحتاجها.
وبالفعل استجاب عبد الحفيظ بوصوف، لمطلبنا. طلبنا قاعدة للتدريبات تكون في البحر، عثرنا على واحدة في الناظور كانت إسبانيا آنذاك تحتل سبتة ومليلة، وبدأت تغادر هذه القواعد وتركتهم للمغرب، منها إحدى القواعد تسمى اطلايون Atalayoune، في شمال الناظور.
طلبنا من الملك الحسن الثاني، أن يسلم لنا بعض القواعد لأن لدينا مجاهدين متعبين مجروحين، سلموها لنا.
قمنا بتجنيد الشباب الجزائري الموجود في المغرب، حوالي 250 شاب جندناهم، اخترنا الشباب الذي يتوفر على بنية جسدية قوية قادرين على التدريب ولديهم الروح الوطنية والشجاعة، التي كنا نتحلى بها.
حصلنا على أجهزة الغطس من بوصوف، وشرعنا في تدريبهم وتخرجت أول دفعة ضفادع بشرية أثناء الثورة في 1960.
في تلك الأثناء المفاوضات كانت جارية بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والحكومة الفرنسية إلى غاية الإتفاق على وقف إطلاق النار.
في تلك الأثناء كنا في قلب التمارين وتدريب الضفادع البشرية على الغطس من الناظور إلى غاية مليلة.
سمعنا بخبر وقف إطلاق النار فرحنا كثيرا بذلك وباستقلال الجزائر.
حدثنا عن السنوات الأولى للإستقلال، كيف كانت حالة الجزائريين بعد استعمار مدمر؟.
بعد الإستقلال كانت الجزائر مثلما تعلمون بدون حكومة ولا إمكانيات، اتخذت جبهة التحرير الوطني على عاتقها تكوين نظام إداري لأن الإدارة كانت فارغة.
جل الإطارات الفرنسية والأوروبية غادرت الجزائر، ولم يبق إلا بعض الجزائريين، كوّنا إطارات ووضعنا الأمن، ثم قمنا بتكوين حكومة منها وزارة الدفاع، التي عينت فيها لتكوين القوات البحرية، في الاميرالية.
بعد الإستقلال، ما هي المناصب التي تقلدتها؟.
غذاة الإستقلال كونا وزارة الدفاع والقوات البحرية المسلحة في الأميرالية بالجزائر العاصمة، أنا أحد الأعضاء المساهمين، نفتخر بذلك، بعدها عينت ملحقا عسكريا في موسكو، باريس، روما، ثم عينت واليا على جيجل، ثم عنابة، وبسكرة.
طلبت التقاعد سنة 1980، ومكثت مع عائلتي.
عاصرت فترة حكم الرئيسين الراحلين أحمد بن بلة وهواري بومدين..
كانت لديهما الوطنية قوية جدا، تخليا عن أهلهما وحياتهما الشخصية. ضحى أحمد بن بلة وهواري بومدين بكل شيئ من أجل الجزائر.
كان هدف بومدين الأساسي هو نجاح استقلال الجزائر، وبن بلة كان كذلك، أعطيا مثلا لكل المجاهدين ولهذا أقدرهما واحترمهما.
سألني أحد الصحافيين عن نصيحتي لهذا الجيل، قلت: نصيحتي الوحيدة هي أن يحبوا الجزائر مثلما أحبها جيلنا أثناء الثورة.
ما هو المجاهد الذي أثر فيك إبان الثورة؟.
كتن المجاهدون رتبة واحدة، كلهم أثروا فيا.
أول معركة شاركت فيها، رأيت فيها الدم يسيل من جبهة بلحاج، رحمه الله، وأنا خائف، قال لي: هذا دم جزائري يسقي أرض جزائرية. ثورتنا غالية برجالها وروح التضحية، الله شاهد على معاناة المجاهدين وحجم تضحياتهم.
تعجبني أغاني الصحراء وأحب قراءة الكتب التي تتحدث عن الثورة
ما هو الفنان الذي يحبه المجاهد عبد الله دباغ؟.
تعجبني أغاني الصحراء وإيقاعها الجميل، لأنها نظيفة تستعمل القصبة.
كيف كنتم تقضون شهر رمضان أثناء الثورة؟.
صُمنا شهر رمضان رغم أن الطبيعة وظروف الحرب لا تسمح لنا.
اذكر عثمان دمرجي كان يصوم رمضان، وبعد انقضاء الشهر الفضيل يصوم ايام الصابرين، أعطانا مثالا في العبادة، وروح التضحية.
فيلم أعجبك، وتود إعادة مشاهدته مرة أخرى؟.
معركة الجزائر، أثرت فينا كثيرا لأننا كنا نشاهد أنفسنا من خلال الممثلين، الذين أدوا أدوارا بالفيلم. عن تضحيات وبطولات الجزائريين.
كتاب قرأته وتعيد قراءته؟.
الكتب التي تتحدث عن الثورة، ومقالات صحفية عديدة تتكلم عن ثورة التحرير.
عبد الله دباغ، معروف بحبه للسفر، ما هي البلدان التي زرتها وتود العودة إليها؟.
أحب كثيرا مصر، هناك تدربنا مع المعلمين المصريين، الذين ساعدونا وأعطونا تكوينا علميا جيدا.
ومن البلدان التي زرتها وارغب في زيارتها مجددا تركيا، لأن آثار الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه متواجدة بها، والدول العربية بصفة عامة.
عملت ملحقا عسكريا في روسيا، إيطاليا وفرنسا، لكنني ارتاح عند زيارة الدول العربية وأشعر أنني في منزلي وبلدي.
هل فكرت في كتابة مذكراتك الشخصية؟.
فكرت مرات عديدة، ربما لم أتوفر على الإمكانيات أو الوقت، أود كتابة مذكراتي واتركها للجيل الصاعد ولو لعائلتي، أنا فرح لأن الدولة الجزائرية تتذكر المجاهدين وأحسن مثال أمامي صحفية من موقع “ذاكر ة الشعب” التابع لمؤسسة “الشعب”، تبحث وتنتقل عند المجاهدين لتسجيل شهاداتهم لتوثيق تاريخ الجزائر، افتخر بهذا.
أحبوا الجزائر مثلما أحبها جيلنا أثناء الثورة
رسالتك لشباب اليوم، وأنت من أحد أعضاء الضفادع البشرية..
ينبغي وضع الثقة في الجيل الصاعد، مع الزمن سينجح.