أخيرا، بعد أكثر من خمسين عاما، جاء الناقد الكبير عبد الغني بارة، ليضع نظرية «موت المؤلف» في سلّة المهملات، وكان النقّاد قد دأبوا على اتخاذها عنوانا لـ»الحداثة» و»ما بعد الحداثة» (واخلا دار بوها)، وكانوا يرمون كل من يناقشهم في الموضوع بـ»قلة العقل» و»انعدام الرؤية».. ولم يخطر على بال أي ناقد من الجهابذة أن الساحة النقدية احتاجت نصف قرن بالتمام والكمال، للتخلص من مغالطة واحدة فقط، أطلقها رجل أديب، حاضر البديهة، جميل العبارة، يدعى: رولان بارت..
ولقد أثلج صدورنا موقف الناقد عبد الغني بارة، وهو يتحدّث عن «عودة المؤلف»، ليضع نقطة النهاية لنظرية تافهة شغلت النقاد، واصطنعت ركاما من الأعمال غير المجدية، فقد استرجع لنا الحديث عن «المؤلف وعودته»، أيام التسعينيات، حين كنا، ونحن طلبة، نضحك من (العولاما) الذين يملأون الدنيا بأحاديث مستوردة لا يكادون يفقهون منها شيئا، ليبسطوا سلطانهم على عالم النقد، فلا استفادوا ولا أفادوا، والحال – بحمد الله – ما تزال متوقفة، لأنهم ما يزالون يفرضون آراءهم على النقد والنقاد..
حاصل الحال أن نظرية «موت المؤلف» انتهت مباشرة بعد ميلادها، فقد جاءها عميد المدرسة الأرسطية بشيكاغو، واين كلايسون بوث، وقدّم الدلائل على بطلانها.. كل هذا كان قبل قرابة خمسين عاما، فالنظرية إياها لم تصمد سوى بعض أشهر، لتصبح من الماضي، لكن ضفتنا المباركة التي «تقرأ» على مذهب (اللقطة)، لم تسمع شيئا، وظلت مصرة على اختيار النقاد الاشاوس الذين يمثلونها، بعناية فائقة..
على كل حال، النقاد الحقيقيون كانوا يعرفون أن نظرية «موت المؤلف» خرافة وهلوسة، وبلاغة أدبية، غير أن معرفتهم لا تنفع شيئا بطبيعة الحال، فالنقد عندنا يستفيد من الطبال وليس من الناقد..