عرفت العلاقات الجزائرية المغربية عدة هزات، وقد ثبت تاريخيا، أن المملكة المغربية لم تتوقف يوما عن القيام بأعمال غير ودية وعدائية ودنيئة ضد الجزائر، وذلك منذ استقلال البلاد سنة 1962، لاسيما حرب 1963 ومحاولة المغرب الاعتداء على السيادة الوطنية أشهرا قليلة بعد الاستقلال، إلى عملية التجسس باستخدام برنامج بيغاسوس الصهيوني، ما شكل تحولا جوهريا في العلاقة بين البلدين، ولطالما كانت الجزائر في موضع “رد الفعل” ضد الأعمال العدائية للمخزن والتي تستهدف الوحدة الترابية للجزائر، آخرها التقارير الإعلامية التي يرعاها المخزن.
في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية، وردا على سؤال حول العلاقات الجزائرية المغربية، أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على أن العلاقة بين الجزائر والمغرب وصلت إلى نقطة اللارجوع، وتأسف على وصول العلاقة بين الجارين إلى هذا المستوى، مبينا أن الموقف الجزائري هو ردة فعل، ولم نكن يوما ما البادئين بالعدوان .
البداية.. اعتداء على الجزائر عام 1963
لم يخف المخزن أطماعه التوسعية في المنطقة بعد استقلاله، فقد عارض المغرب استقلال موريتانيا وسعى إلى اعتبارها جزءا من التراب المغربي، وبعد عام وبضعة أشهر من استقلال الجزائر فيما اصطلح على تسميته بحرب الرمال، أبان المخزن آنذاك عن أطماع استعمارية مزعومة في شهر أكتوبر 1963، حيث بدأ “نظام المخزن” مطالبات للتوسع داخل مناطق جزائرية مسقية بدماء الشهداء، وشكل هذا الاعتداء شرخا كبيرا في علاقة الجزائر بالمملكة المغربية، وكان بداية لسلسة طويلة من عمليات الغدر والخيانة ضد الدولة الجزائرية، حتى أم القضايا العربية والإسلامية لم تسلم من غدر المخزن، حيث خرج الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية للكيان الصهيوني شلومو غازيت، بمعطيات حول علاقة دول عربية بالكيان في العقود الأولى بعد احتلال فلسطين، إذ قال إن المغرب مكّن الكيان الصهيوني من تسجيلات قمة عربية استضافها عام 1965، ممّا هيّأ لهم سبل الانتصار في حرب 1967.
المحطـة الثانية.. قطع العلاقات مع الجزائر
بشكل مفاجئ، قطع المغرب علاقاته مع الجزائر سنة 1976 بعد اعتراف الجزائر بقيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، ولم تُستأنف العلاقات إلا في 1988، وبالرغم من أن القرار الجزائري يعتبر سياديا ومتوافقا مع الشرعية الدولية، خاصة وأن قضية الصحراء الغربية صنفت على المستوى الأممي بأنها قضية تصفية استعمار، إلا أن الاعتراف الجزائري الذي جاء بعد اتفاق العار غير الشرعي والذي وقعته إسبانيا والمغرب في 1975 وتم بموجبه تقاسم إقليم الصحراء الغربية، وفي سنة 1979 أعلنت موريتانيا عن اعترافها بجمهورية الصحراء الغربية، وبعد انسحابها، قام المغرب باحتلال أراضي الصحراء الغربية التي كانت تحت سلطة موريتانيا.
المخزن.. مشتلة الإرهاب..
لم تتوقف العداوة المغربية عند هذا الحد، ففي سنة 1994 وفيما كانت الجزائر تعمل على القضاء على الجماعات الإرهابية المتطرفة، وبدون وجه حق أو دليل، استغل المخزن تفجيرات فندق بمدينة مراكش، وراح يكيل العدوان للجزائر، بفرض تأشيرة دخول على الجزائريين مع تعرض آلاف آخرين في المغرب لمضايقات والاعتداء على الممتلكات، وجاء الرد الجزائري شرعيا، وفق مبدإ المعاملة بالمثل، ففرضت الجزائر التأشيرة على المواطنين المغاربة مع غلق الحدود البرية بين البلدين، وأكد رئيس الجمهورية في أكثر من مرة أن النظام المغربي يسوق لمغالطات متعلقة بمسألة غلق الحدود بربطها بقضية الصحراء الغربية، فيما القضية متعلقة أساسا بضرورة اعتذار مغربي رسمي على ما وقع سنة 1994 والتي شكلت السبب الرئيسي لغلق الحدود بين البلدين بعد الأعمال غير الودية التي قام بها المخزن في ذلك الوقت.
”بيغاسوس الصهيوني”..
وبالرغم من الأعمال العدائية للنظام المغربي ضد الدولة الجزائرية، إلا أن الجزائر حاولت الحفاظ على علاقات ودية مع المغرب بحكم الأخوة التي تجمع بين الشعبين الجزائري والمغربي الشقيقين، وكان نظام المخزن في مقدمة الدول التي حصلت على برنامج “بيغاسوس” المستخدم في مجال التجسس و المراقبة، وأكدت عدة تقارير دولية على استخدام النظام المغربي هذا البرنامج للتجسس على مسؤولين في عدة دول من بينها الجزائر.
ولم تتوقف الأعمال العدائية للمغرب عند هذا الحد، وفي سقطة دبلوماسية غير مسبوقة، بعد تصريحات مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة “تعدى فيها على سيادة الجزائر”، واعتبرت الجزائر أن “صمت النظام المغربي يعكس بوضوح الدعم السياسي لهذا الفعل غير المسؤول” ويعد الانحراف المغربي في الأمم المتحدة تورطا فاضحا لأعلى السلطات المغربية.
الكيان الصهيوني يهاجم الجزائر من المغرب
وفي سابقة في تاريخ العلاقات العربية – العربية، قام مسؤول بالكيان الصهيوني بالتهجم على دولة عربية انطلاقا من دولة عربية أخرى، ووجه وزير الشؤون الخارجية الصهيوني في المغرب تصريحات عدائية ضد الجزائر مع صمت مغربي، علاوة على ذلك، حاول المغرب خلال الأشهر الأخيرة مدعوما من الكيان الصهيوني، اتهام الجزائر وإيران بدعم جبهة البوليساريو، وكان الهدف من هذه المغالطات واضحا من أجل ضرب علاقة الجزائر ببعض الدول العربية، في وقت أبرزت الدبلوماسية الجزائرية رصانتها والتي طالما نادت بالحوار لحل المشاكل والخلافات وتفادي التصعيد المدعوم من طرف قوى أجنبية تعمل على تأجيج الصراع.
رد فعل على أعمال عدائية
ونتيجة لهذه التطورات، أعلنت الجزائر سنة 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب مع الإبقاء على العلاقات القنصلية. وتأتي هذه الخطوة في سياق تزايد الأعمال العدائية للمخزن على نحو واضح، نتيجة تضافر جملة من العوامل والتطورات البينية، بعضها مستند إلى خلافات تاريخية وبعضها الآخر مرتبط بمستجدات إقليمية دولية، وجاء القرار الجزائري كرد فعل على سياسة المخزن التي تستهدف الوحدة الترابية للجزائر، وكما جاء على لسان رئيس الجمهورية إن “قطع العلاقات كان بديلا للحرب مع المغرب”، وتعمل الدبلوماسية الجزائرية بكل جهد لتجنب التصعيد مع المغرب والذي يحاول في كل مرة تصدير مشاكله الداخلية من خلال توجيه الرأي العام الداخلي نحو الجزائر، لاسيما وأن المغرب يشهد أوضاعا اقتصادية غير مستقرة مع ارتفاع كبير في الدين الخارجي والذي فاق الـ 70 مليار دولار.