يعتبر الأستاذ والكاتب والناقد المسرحي محمد الشرقي، أن المسرح الجزائري أصبح ممارسة مناسباتية، وأن العروض المسرحية تموت فور نهاية المهرجانات الفنية، كونها غير مبنية على رؤية حقيقية وتركيزها على البصريات لعدم نضج الكتابة المسرحية، قائلا إنه من أجل النهوض بأبي الفنون في الجزائر، لابد من إعادة الاعتبار للكتاب المسرحيين الحقيقيين والمثقفين، ومواجهة أشباه الفنانين الذين يبحثون عن المناصب والمكاسب فقط.
الشعب: كيف يصف الأستاذ والكاتب المسرحي شرقي محمد الوضع المسرحي الجزائري الراهن؟
محمد الشرقي: الوضع المسرحي الراهن بصفة عامة هو جزء من كل عام، يتميز بكثير من اللااستقرار والتذبذب ومن عدم اتضاح الرؤية الوجودية في الكون، وبما أن المسرحي يقدم قطعة من الحياة والتي تحاكي الواقع فالتذبذب في الحياة يطال هذا الميدان.
ويمكن القول، إن الوضع العام وخاصة بعد ثلاث سنوات من وباء كورونا، أثر على الابداع بشكل خاص، سواء في مجال النص المسرحي أو العرض المسرحي، لأن عدم اتضاح الرؤية في العشرينية للألفية الجديدة، يؤثر منطقيا، فالراهن في الحقيقة هو مخاض، وهو شيء شبيه بطائفة الداخلين للحرب العالمية الثانية الذين لم يعرفوا إلى أين تتجه الأمور، لذلك حدثت صدمة في الفنون عموما.. صدمة الانتظار التي لم تستطع أن تخرج إلا بعد 1945 على شكل اللامعقول وعبثية الحياة في تيارات فنية طالت الفنون بأكملها، والجزائر جزء لا يتجزأ من هذا التراجع واللاإستقرار الذي طال مختلف ميادين الفنون بما فيها المسرح.
في نظرك، ما هي أسباب تعثر وتراجع المسرح في الجزائر؟
قياسا لما وضحته في شكله العام، هناك جملة من الأسباب أدت إلى تراجع الحركة الفنية في الجزائر، وفي مقدمتها الانقطاع عن أساليب التسيير، في فترة معينة من تاريخ الجزائر ساهمت في تحول العديد من أشباه الفنانين من نقاد ومسيري مسارح وعديمي الرؤية نهائيا في الميدان الفني إلى أناس متخصصين.
ومن أسباب التراجع الحقيقي أيضا، غياب الرؤية، وعدم اكتمال ونضج التجارب المسرحية، إلى جانب ذلك من أحد أهم الأسباب التي نخرت المسرح الجزائري هي المناسباتية المقيتة، بحيث يقدم بعض الكتاب مسرحيات لسير ذاتية حول مجموعة من أعلام الجزائر بصورة سطحية، دون البحث والغوص في الموقف الدرامي للشخصية، وعليه كثر المهرولون الذين لا علاقة لهم بالفن الرابع والذين صنعوا البؤس من خلال البحث عن المناصب، وأصبحت الرداءة هي التي تسيطر على المشهد المسرحي الوطني.
وبالعودة إلى المناسباتية في العروض المسرحية، حتى الجمهور أصبح جمهور مهرجانات ينتهي بنهاية المهرجان، لأن الجمهور الحقيقي هو الذي يتردّد على المسرح طيلة السنة، وأن التجربة الفنية تقديم عرض مسرحي بعشرات العروض في السنة، وبالنظر إلى مسرحيات زمان التي حققت نجاحات مبهرة وأثرت على الجمهور المتلقي، والآن تقدم أعمال مسرحية تموت بموت المهرجانات.
وماذا عن وضعية النقد المسرحي الآن؟
النقد المسرحي يُطبع ويُكتب، ولا يعبر عنه شفاهيا، وما يعتبره البعض نقدا مسرحيا هو شيء من الانطباعيات، يشكلها بعض الاخوة في ميدان الصحافة الوطنية، وإن شكلها البعض من غير المتخصصين، فنحن نعذرهم، ولكن الادعاء يأتي من بعض أشباه الاكاديميين المتواطئين مع هؤلاء، فالناقد المسرحي يتميز بالجدة وبرؤية ثاقبة للعرض المسرحي والنص المسرحي، وإذا كان ناقد مسرحي يصنف عروضا وفق مخطوطة لمذاهب فنية، فنحن لا نحتاج لهؤلاء، والوضع عام إذا لم نحمل هاجسا ثقافيا حقيقيا ورؤية واضحة سيبقى المسرح على حاله.
ما رأيك في الجيل الحالي للشباب المسرحيين؟
أكيد أن هناك جيلا مشتعلا بالإبداع يبحث عن نفسه، وعمن يمرر إليه مشعل الابداع، وعليه لابد من تأطيره بكادر جزائري ثقافي وطني قوّي جدا، وهذا الكادر عليه أن يوجه الكتابة المسرحية والإبداع المسرحي.
ماذا عن نظرتك الاستشرافية لأبي الفنون في الجزائر؟
أستطيع القول إنه علينا إدماج أقلام قوّية في مجال الكتابة الدرامية، كما استشرف نوعا ما، أن الوضع المعولم انتهى فكريا، أقول إن هناك متغيرات علينا أن نعيها، فزمن المعولم انتهى فكريا.. لا أدري أين يمضي العالم، لكن أظن أننا باعتبار الآن دخلنا إلى زمن النهايات، يحتاج إلى عقول وأقلام تستدعي هذا الحضور لتواكب هذا التحوّل الكوني، ليحسّ الجمهور أمام المسرح أنه يعايش حقائق يعيشها ولا يعيش اغترابا ويعيش شطحات أفراد أوغلوا في الكوريغرافيا وفي البصريات، لأن العملية المسرحية هرمونيا تزاوج بين المنطوق وبين المرئي وليس توغلا في المرئي، فهذا كثرته تجلب الغباء إلى الدراما.
وعلى أشباه الفنانين الذين يبدعون عروضا للمهرجانات ثم يموتون بعد حصولهم على إحدى الجوائز، عليهم أن يغيروا في وظيفة الفن، لأن الفن لابد من تأدية وظيفته فنان مناضل حقيقي ينير الطريق، يحمل استراتيجية في تفكيره وشيئا من الحقيقة التي فقدناها، الفنان يصنع الجميل في تضاد مع القبيح.
وأتصوّر أنه إذا عاد المثقفون الكبار والكتاب الحقيقيون الذين يحملون الهوية والتراث، يمكن أن يحددوا معالم الأنا ضد الآخر، لأن الثقافة قد تفعل ما لا تفعله السياسة.
هل من مقترحات تسهم في تعافي المسرح الجزائري؟
رسالتي الأخيرة، علينا أن نعثر على الطريق، وإن لم نعثر عليه فيجب أن نصنعه، ورسالتي في الميدان المسرحي أقول لبعض المهرولين الذين لم يستطيعوا أن يجلبوا المسرح إلى القاعة ويتذرعون بنقل المسرح إلى الساحات العامة، أن يتركوا هذه الخزعبلات ويعيدوا للمسرح رونقه، وأن يكونوا صادقين وحينما يقدمون عملا، عليهم أن يقدموه بإخلاص.
أترحم على شهداء الفن الوطني المسرحي، وأتمنى التوفيق للجيل القادم رغم صعوبة المهمة، فالمستحيل ليس جزائريا، إذا حضر الرجال ونموذجنا رجال الثورة، نريد عمالقة في قطاع الثقافة يقدمون أفكارهم بحجم دم الرجال الذي سال من أجل أن نتحدث اليوم بكل حرية.