يشهد البرلمان بغرفته، منذ مطلع السنة الجارية، نشاطا تشريعيا كثيفا، من خلال النقاش والمصادقة على حزمة مشاريع قوانين هامة، في إطار التكيف مع دستور نوفمبر 2020، وتكريس الأمن القانوني في مختلف جوانب حياة المواطنين.
الزخم التشريعي الذي يعرفه، كل من المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، هذه الأيام، يدخل ضمن المرحلة الأخيرة، لتجسيد أحكام دستور 2020، بشكل نهائي، وذلك عقب استكمال البناء المؤسساتي والتنظيمي للهيئات الدستورية المستحدثة.
وفي السياق، صادق البرلمان بغرفتيه، في الأيام القليلة الماضية، على مشروع القانون العضوي المعدل والمتمم، للقانون العضوي 16-12 الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة.
وقالت وزير العلاقات مع البرلمان، بسمة عزوار، إن النص “تكفل بجميع المسائل التي جاء بها دستور 2020”، وعلى رأسها الفصل بين السلطات وفق مبدإ التوازن بدل “تغليب سلطة على أخرى”.
ويمنح القانون، تعديلات في غاية هامة للعمل التشريعي، بالنسبة للنواب وأعضاء مجلس الأمة، كونه يلغي الشروط العددية للمبادرة بمشاريع القوانين، ويحدد آجال دقيقة للعلاقة بين أعضاء البرلمان والحكومة، وسيترتب عنه تعديل في القانون الداخلي لكلا الغرفتين.
ومن بين مشاريع القوانين العضوية التي صادق عليها نواب المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية، في الأيام القليلة الماضية، مشروع قانون الإعلام، الذي سيعرض اليوم للنقاش على مستوى مجلس الأمة، قبل عرضه للمصادقة الخميس المقبل.
هذا النص الذي يترجم، فحوى المادة 54 من دستور 2020، يتكفل بمراجعة الجوانب التنظيمية لممارسة المهنة، مع تكريس عدم تجريم العمل الصحفي، ناهيك إفراده لحيز معتبر للضوابط الذاتية للصحفيين ممثلة في مجلس أخلاقيات المهنة، قصد إبعاد الصحفيين قدر الإمكان عن المحاكمة الجزائية وإنما للقواعد المهنية.
في المقابل، قدم قطاع العمل مشروعي قانونين حيويين ببعديهما الاقتصادي والاجتماعي، ويتمثلان في الحق النقابي (صودق عليه)، والوقاية من النزاعات الجماعية أثناء العمل وممارسة حق الإضراب، ويترجمان أحد أبرز الحقوق الأساسية التي النص عليها الدستور.
وإلى جانب، الحق النقابي والحق في الإضراب، حرص النصين على تفادي ما يسمى بـ “التعسف” في استعمال الحق، على حساب الحقوق الأخرى، على غرار استمرارية الخدمة العمومية، حرية المقاولة وحرية العمل”.
ويقيد الدستور، لاسميا في مادته 70، الحق في الإضراب، بالممارسة في إطار القانون، ويضع له حدودا صارمة في ميادين الدفاع الوطني والأمن أو في جميع الخدمات والأنشطة العمومية ذات المصلحة الحيوية للأمة.
المرحلة الأخيرة
وكان البرلمان، وفي إطار الحق الدستوري المتمثل في حرية المقاولة، قد صادق في ديسمبر الماضي على قانون المقاول الذاتي، فيما يستمد القانون الجديد للاستثمار الصادر الصيف الماضي مرجعية دستورية قوية، تكرس الأمن القانوني في هذا المجال للمتعاملين الاقتصاديين الوطنيين أو الأجانب.
وبعد مصادقة السلطة التشريعية العام الماضي على قانوني المجلس الأعلى للقضاء والتقسيم القضائي وعدد من النصوص التي جاءت ترجمة لنص وروح الدستورية، يمكن القول أن الحكومة باعتبارها الجهة المبادرة بالقوانين، قد بلغت المرحلة الأخيرة من تكييف الترسانة القانونية مع المبادئ الدستورية، خاصة مع بلوغ قانون الإعلام المرحلة الأخيرة قبل الصدور النهائي، في انتظار قانون الفساد (قيد الإعداد).
كل هذه النصوص تقع ضمن مقاربة أشمل لإحداث التغيير الهيكلي لأدوات الحكم، والهدف الأساسي منها هو تحقيق الأمن الثلاثي ممثلا في “الأمن الغذائي، الأمن الصحي، الأمن المجتمعي”.
وضمن هذا السياق، جاءت قوانين جديدة، أمر بها رئيس الجمهورية لتعزيز قوة الردع القانوني قبل تشديد العقاب في كل الجرائم والتجاوزات التي تمس بشكل مباشر حياة المواطنين والأمن العام.
من هذا المنطلق جاءت التعديلات على قانون العقوبات فيما يتعلق بتعزيز حماية الأطباء وعمال السلك الطبي، وقانون مكافحة المضاربة غير الشرعية، وصولا إلى مشروعي قانوني مكافحة الاتجار بالبشر ومكافحة المخدرات، والغرض منهما حماية الصحة العقلية والنفسية لفئة الشباب تحديدا والقضاء على عصابات الأحياء، بما يتيح استعادة السكينة في المجتمع.
وضمن نطاق الأمن الغذائي، يقع الهدف الاستراتيجي، الذي تطلق عليه الحكومة “الاستقلال الاقتصادي”، والذي كان بحاجة إلى قوانين جديدة كليا، على اعتبار ما هو معمول به من نصوص يعمل بها منذ أزيد من 30 سنة.
والثلاثاء، يصادق المجلس الشعبي الوطني على مشروع قانوني النقدي والمصرفي في شكله الجديد، والذي أجمع المشرعون على أنه اللبنة الأساسية لكل تحول حقيقي في النموذج الاقتصادي، من خلال منح الصناعة المصرفية أدوات عمل تجمع بين الاستقلالية والتدبير المسؤول مع استشراف المخاطر.
ويمنح هذا القانون الآليات الحقيقية لنجاعة قانون الاستثمار الجديد، ويحفز الانفتاح التجاري والسياحي للجزائر على العالم الخارجي، ويساهم أكثر من أي وقت مضى في زيادة التحويلات المالية للجالية الجزائرية بالخارج.