يتواصل في الجزائر برنامج الإصلاح الشامل الذي قرّره رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عقب تعديل دستور 2020، بمراجعة القوانين النّاظمة للعمل السياسي والقطاع الاقتصادي والاجتماعي، لتكييفها مع الدستور الجديد، وقطعت الهيئة التّشريعية أشواطا في تعديل والمصادقة على مشاريع قوانين الإصلاح التي تعزّز أسس بناء الدولة الحديثة في ظل ديناميكية التغيير والتطور، التي تفرض تكيف الدولة مع المستجدّات المعاصرة.
مواصلة لتجسيد الإصلاحات السياسية والمؤسّساتية والاجتماعية والاقتصادية العميقة التي قرّرها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والمكرّسة بموجب التعديل الدستوري، تمّ إعداد النّصوص القانونية ذات الصلة، ووضع كافة الأجهزة والهيئات الدستورية المنشأة أو التي تم تعديل قوانينها الأساسية.
فمن أجل ممارسة كاملة الحقوق والحريات، تم العمل على تعزيز الحوار والتشاور مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، عبر إصلاح المنظومة القانونية في هذا المجال، بإعداد مشروع قانون جديد من شأنه تعزيز الحرية النقابية، وحماية الحق النقابي وممارسة الحق في الإضراب على وجه الخصوص.
أمّا في إطار تكريس حرية الصحافة ووسائل إعلام حرة ومسؤولة، فقد تمّ مراجعة الإطار التشريعي والتنظيمي المتعلق بحرية الصحافة وتنظيم قطاع الاتصال.
مقراني: فرض هيبة الدولة بسيادة القانون
يقول الباحث في الشؤون السياسية والقانونية، محمد مقراني لـ «الشعب»، إنّ دستور 2020 كرّس بمواده عديد الإصلاحات التي يجب أن تواكبه في عدة مجالات لما لها من أهمية كبيرة في استمرار بناء مؤسسات قوية تفرض هيبة الدولة بسيادة القانون.
فقد كرّس الدّستور الجديد – يضيف المتحدّث – احترام الحريات في شكل العمل النقابي والإعلام لما تتمتّعان به من أهمية بالغة في التأثير على الساحة الوطنية، وما تفرضه الساحة الدولية من التزامات صادقت عليها الجزائر كدولة، حيث أنّه في إطار بعث العمل النقابي وتحيين قوانينه التي عرفت ركودا منذ أكثر من 30 سنة لم تعرف فيه أي تجديد، بل كانت آلة «ابتزاز وتأجيج للأوضاع» يتم توظيفها خارج مهمتها الأصلية المتمثلة في حرصها على تكريس حقوق وحريات العمال، وحماية المندوبين النقابيين في أداء مهامهم النقابية.
وجاء مشروع القانون المعدل والمتمم للقانون رقم 90-14 المؤرّخ في 2 جوان 1990 المتعلق بكيفية ممارسة الحق النقابي، حسب مقراني، في تأكيد واضح وصريح على أن الدولة تولي أهمية بالغة للموظف وحقوقه التي يجب أن يؤطرها ممثلو الموظفين في إطار القانون، بالإضافة إلى قانون الإعلام الذي سيكفل حرية التعبير وممارسة الإعلام بمسؤولية في إطار القانون دون المساس بالأشخاص ونشر البهتان ثم التستر تحت عباءة حرية التعبير.
ويرى مقراني أنّ استمرار البرلمان في إثراء القوانين والمصادقة عليها، يعزّز مكانة السّلطة التشريعية من خلال ترسانة قانونية جديدة، وكذلك يثبّت أسس الدولة.
كواشي: الانفتاح المالي والمصرفي يعطي الثّقة والأمان للمصدر
ولأنّ 2023، سنة «اقتصادية بامتياز»، رفع الجهاز التنفيذي تحدّي استكمال مسار الإصلاحات الاقتصادية، بإصدار قوانين هامة، تعزّز أسس أرضية الإقلاع الاقتصادي.
وتمّت مراجعة شاملة لقوانين تدخل في إطار تنفيذ برنامج الإنعاش والتجديد الاقتصاديين، تمثلت أهم التدابير المتخذة في تعزيز دعائم النمو وتطوير القطاعات الإستراتيجية الواعدة بالنمو، وتثمين الإنتاج الوطني وتطوير منشآت الدعم الأساسية، وتعزيز اقتصاد المعرفة والتعجيل بوتيرة التحول الرقمي.
وفي هذا الصدد، عكفت الحكومة على تحديث النظام المصرفي والمالي، عبر مراجعة قانون النقد والقرض، وتحسين مناخ الأعمال، لاسيما بعد إصدار القانون المتعلق بالاستثمار وترقية المقاولاتية، وبالأخص من خلال استحداث القانون الأساسي للمقاول الذاتي، وإنشاء شكل قانوني جديد بالنسبة المؤسسات الناشئة وتطهير العقار الصناعي، كما قامت في إطار تعزيز الرصيد البشري وتحسين الحماية الاجتماعية، باتخاذ تدابير هامة تمثلت في تعزيز قطاعات الصحة، والتربية، والتعليم العالي وتحسين إطار معيشة المواطن وتدعيم السياسة الاجتماعية نحو المزيد من الفعالية والإنصاف.
ويرى البروفيسور مراد كواشي، خبير اقتصادي وأستاذ جامعي، في حديثه لـ «الشعب»، أنّ المشاريع المطروحة حاليا على مستوى البرلمان، خاصة المتعلقة بالإصلاحات المصرفية والمالية، جاءت في وقتها وأصبحت أكثر من ضرورة، وأضاف أن من بين المواضيع التي تم التطرق اليها هي فتح فروع للبنوك عمومية في الخارج، بحيث تقرّر فتح فروع للبنوك عمومية في إفريقيا وأوروبا، بكل من موريتانيا، السنيغال وفرنسا.
واعتبر كواشي هذا القرار «خطوة هامة» من أجل تحقيق أهداف، من بينها مرافقة المصدرين الجزائريين، خاصة منهم الذين يصدرون إلى إفريقيا، فقد أصبحوا يجدون – كما يقول محدّثنا – «صعوبات كبيرة، نظرا لعدم وجود فروع للبنوك، كما أنّ البعض منهم فقد حتى حقوقه، وبالتالي فإنّ فتح فروع للبنوك عمومية سواء في إفريقيا أو دول أخرى، يشجّع عملية التصدير خارج المحروقات، ويرافق المصدرين ويعطيهم الثّقة والأمان».
إضافة إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي فتح بنوك في فرنسا مثلا، فرصة لزيادة تحويلات الجزائريين المقيمين في هذا البلد، والذين يقدّر عددهم بالملايين، إلى دولتهم الأم، حيث أن غياب فروع لبنوك جزائرية في هذا البلد جعل تحويلات الجزائريين الأقل مقارنة بالمصريين والتونسيين، وعليه، فإنّ فتح فروع لبنوك عمومية في فرنسا سيزيد من تحويلات الجزائريين بالعملة الصعبة لبلدهم الأم.
أما بخصوص فتح رأسمال بنوك عمومية، فاعتبر كواشي هذا القرار فرصة لتحسين تنافسية المؤسسات البنكية والمصرفية وتحسين جودة خدماتها وقال: «نعلم جيدا أنّ الساحة البنكية والمصرفية الجزائرية تسيطر عليها البنوك الوطنية، وبالتالي فإنّ فتح رأسمالها سيزيد من تواجد البنوك الخاصة والأجنبية على مستوى المنظومة المصرفية الجزائرية، وعليه ستزيد المنافسة سواء بين القطاع الخاص والقطاع العمومي، أو بين البنوك الأجنبية والبنوك الوطنية»، موضّحا أنّ المنافسة ستسمح بتحسين تنافسية البنوك بشكل عام، وتحسن جودة الخدمات المقدمة.
ويبقى أهم تعديل، حسب الخبير الاقتصادي، تعديل قانون النقد والقرض، لأنّ تغييره أصبح أكثر من ضرورة ملحّة، فآخر تعديل مسّ هذا القانون كان في 2003 يعني قبل 20 سنة، والوضعية الاقتصادية حسبه تغيّرت، وطموحات الدولة الجزائرية وأهدافها تغيرت كذلك، وبالتالي، وجب تعديل هذا القانون من أجل إعطاء ديناميكية أكثر للمنظومة البنكية الجزائرية، وتعديل القانون الناظم لها أصبح ضرورة حتمية من أجل إعطاء دفع آخر للاستثمارات خاصة سواء المحلية أو الأجنبية، وهذا بعد كل ما قدمته الدولة الجزائرية من امتيازات وضمانات في قانون الاستثمار الجديد.
وشدّد كواشي على ضرورة العمل على تحسين مناخ الأعمال، وقال: «أعتقد أنّ تحسين المنظومة البنكية وتحسين جودتها وتنافسيتها تأتي في مقدمة الأولويات في الوقت الراهن».